موقع متخصص بالشؤون الصينية

تعليق: إدلب في عين العاصفة وسط تعدد الاطراف واختلاف الاهداف

0

صحيفة الشعب الصينية:
بقلم/ دينغ لونغ ..نائب مدير معهد اللغات الاجنبية بجامعة الاقتصاد والتجارة الدولية الصينية
أصبحت إدلب المعركة النهائية في الحرب الاهلية السورية التي دامت سبع سنوات، وبالرغم من الاتفاق الذي تم لتوه بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب اردوغان لإقامة منطقة عازلة غير عسكرية للفصل بين قوات الحكومة السورية وقوات المعارضة، إلا أن اللعبة الشرسة بين القوى الاقليمية والدولية وقلق المجتمع الدولي إزاء اندلاع الأزمة الانسانية جعل إدلب ” عين العاصفة” للحرب الاهلية السورية.

لماذا الوضع في إدلب معقدا للغاية؟
الوضع المعقد الذي تشهده إدلب هو نتيجة تراكم المتناقضات خلال سنوات الحرب الاهلية في سوريا. وفي السنوات القليلة الماضية، تم استخدام “خطة الحافلة” لحل النزاع في سوريا وتجنب المواجهة بين جانبي الصراع ونقل مقاتلي المعارضة المسلحة الى إدلب ومناطق معينة اخرى، مما ادى الى جمع أكثر من خمسين ألف شخصا من مقاتلي المعارضة في المقاطعة. وقد أرجت “خطة الحافلة” فعلا العديد من الاشتباكات الواسعة النطاق، مما جعل إدلب منطقة تصفية كبري للحرب الاهلية.
والاهم من ذلك، باعتبارها حربا بالوكالة، ومشاركة عدد كبير من القوات الاقليمية والدولية وأطراف متعددة في عمق الحرب الاهلية السورية لعدة سنوات، فإن معركة إدلب سيكون لها تاثير عميق على ترتيبات ما بعد الصراع. ولا ينصب الاهتمام على الحرب ذاتها فحسب، بل على الاتجاه العام للحالة في الشرق الأوسط، ومحاولة كبح جماح المعارضين اغتناما لهذه الفرصة. ولذلك، كرست جميع الأطراف نفسها للعبة النهائية، في محاولة لتوجيه الوضع نحو مصلحتهم الخاصة.

تنوع الاهداف بتنوع ابطال اللعبة
تعتبر الحكومة السورية وحلفاءها روسيا وإيران، وتركيا والولايات المتحدة وغيرها من خمسة أطراف أخرى أبطال اللعبة. حيث تشترك الحكومة السورية وروسيا وايران في هدف واحد متمثل في الفوز في المعركة، لكنهم لا يزالوا مختلفون حول التفاصيل.
وتسعى الحكومة السورية الى استعادة جميع الاراضي السورية ورفض التواصل الى تسوية سياسية مع أي معارضة في الفترة الحالية وما بعد الحرب. وفي الوقت الحاضر، يمكن أن نرى أن الحكومة السورية أقرب الى تحقيق الهدف، ولكن لا تزال بحاجة الى مواجهة معضلة كسب الحرب وتجنب الكارثة الانسانية.
ومن جانبها، تسعى روسيا الى انهاء الحرب في سوريا في أقرب وقت ممكن والانسحاب منها، في حين تحاول الحد من كثافة وتكلفة الحرب. لذلك، تدعو روسيا إلى التمييز بين مختلف أنواع المعارضة المسلحة في إدلب، داعية إلى القضاء على الجماعات المتطرفة التي تمثلها ” هيئة تحرير الشام”، واستيعاب ” الجبهة الوطنية للتحرير”وغيرها من المعاضين الاخرين التي ترى فيهم الاعتدال، الامر الذي يتنافى مع موقف الحكومة السورية.
وتركز إيران على كيفية الصمود امام الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة وإسرائيل وغيرها من الجوانب المتعلقة بالبقاء العسكري علي المدى الطويل للحيلولة الفشل قبيل المرحلة الاخيرة من الحرب. لذلك، فإن مواصل دعم الحكومة السورية وانضمام إلى الحملة لاستعادة إدلب سيساعدها على تحقيق أهدافها الاستراتيجية.
تعتبر إدلب اقسى اختبار لتركيا باعتبارها الدولة الوحيدة المجاورة لها. حيث أن تركيا التي تستضيف الآن أكثر من ثلاث ملايين لاجئ سوري قد تواجه موجة جديدة من اللاجئين في حالة نشوب الحرب. وبالاضافة الى مسألة الاجئين، فإن تركيا بوصفها ضامنا لمنطقة تخفيض النزاع في إدلب حسب اتفاق آستانا تريد ابقاء الوضع الراهن في إدلب، حافظا على نفوذها لإدلب والوضع السوري الكامل.
وتامل الولايات المتحدة في محاربة منظمة ” تحرير الشام” من القوات الارهابية من خلال معركة إدلب وغيرها، ولكنها لا تريد إنهاء الحرب، الأمر الذي يعني الانتصار الحاسم لسوريا وروسيا وإيران. ان استمرار الحرب سيعطي مبررا للتدخل الامريكي في الشؤون الداخلية لسوريا، ويمكن استمرار المساومة مع روسيا، والتعاون مع اسرائيل لاستبعاد إيران عن سوريا. ونتيجة لذلك، يظهر عمل الولايات المتحدة عقليتها المتناقضة. ومن الواضح انه في ظل الوضع الذي طال امده في إدلب ، يمكن للجيش الامريكي أن يستمر وجودها في سوريا باسم محاربة الارهاب.

معركة إدلب ليست النهاية
الحل السلمي الكامل ليس سهلا بالرغم من الاتفاق الروسي والتركي حول إنشاء منطقة عازلة حول إدلب، لانه من الصعب أن تتخلى الأطراف عن أهدافها الاستراتيجية.
ومع ذلك، لاتزال الأطراف المعنية بالحاجة إلى إيجاد الحل الأقل تكلفة، وتحقيق قاسمين مشتركين أكبر هما: مكافحه الإرهاب وحماية المدنيين. وفي الوقت نفسه، ينبغي للأطراف الاعتراف ايضا بان معركة إدلب ليست نهاية المشكلة السورية، وأن اعادة البناء السياسي والانتعاش الاقتصادي وبناء الامة في سوريا لا يزال يتطلب حلا سياسيا شاملا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.