موقع متخصص بالشؤون الصينية

كرونولوجيا العلاقات الثنائية الجزائرية الصينية

1

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
د.عبد الكريم بن خالد*

 

(بدايةً من الاعتراف السياسي بالحكومة الجزائرية إلى التطابق في المواقف الدولية بين الدولتين).

 

يشهد التاريخ أن العلاقات الثنائية الجزائرية الصينية أنجزت تطوراً ملحوظاً، خاصة خلال ستين عاماً، أي منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما، تجلى ذلك التطور في جميع المجالات، مما يجعل الصين الشريك الاقتصادي الأول للجزائر، وها هي سنة بعد سنة تتعمق وتتصلب ركائز التعاون والتلاحم بين البلدين الصديقين، وسيحفظ التاريخ محطات ذهبية كثيرة من خلال تسلسل الأحداث وتعدّد المواقف والروابط التشاركية والتعاونية بين الصين والجزائر على مدى ستين سنة. فقد وقفت الصين منذ البداية بجانب الجزائر بشأن مساندة الثورة التحريرية والاعتراف بالحكومة المؤقتة للجمهورية  الجزائرية سنة 1958، هذا الاعتراف الذي عبّر عليه فرحات عباس خلال زيارته إلى الصين في أكتوبر 1960 عندما وصف اعتراف الصين بالحكومة الجزائرية المؤقتة بأنه “اعتراف أضخم دولة تمثل رُبع سكان العالم”، حيث أحدث الاعتراف اهتماماً  كبيراً في أوساط الدبلوماسية العالمية، وهذا التأييد يُبْرِزُهُ ما جاء على لسان الرئيس الصيني “ماو تسيتونغ” قائلا: “إن ريح الشرق ستنتصر على ريح الغرب، وإني على يقينٍ أن إخواننا الجزائريين سيحصلون قريباً على حريتهم”.

وقد ذكر أحمد توفيق المدني في مذكراته “حياة كفاح” مشاركته مع الوفد الجزائري في زيارته إلى الصين في 26 سبتمبر1959 الذي وصل إلى بكين حيث كانت تعج بالأفراح الشعبية لاستقبال هذا الوفد الذي كان في انتظاره نائب وزير الخارجية، هذا بالإضافة إلى مساندة الحكومة الصينية للجزائر وإيمانها بالقضية الجزائرية. وكمثال على ذلك استنكر العمال الصينيون بكل قوة مناورات حكومة ديغول الفرنسية لتقسيم التراب الوطني الجزائري المشتمل على الصحراء، وأيّدوا تأييداً تاماً العمالَ والشعبَ الجزائري، كما أنهم آمنوا بأن الجزائر ستنتصر بوحدتها الترابية، بالإضافة إلى أن الصحافة الصينية كانت تعطي اهتماماً خاصاً لحرب التحرير الجزائرية، حيث أن هذه الأخيرة تصادفت مع مضاعفة الضغوط والتهديدات الموجّهة صوب الصين من المعسكر الرأسمالي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية.

وبعد الإعلان عن استقلال الجزائر، بعث كل من الرئيس الصيني “ليو شاو تشي”، ورئيس مجلس الدولة الصيني “شو إن لاي”، برقيات إلى رئيس  الوزراء الجزائري، معربين عن أحر التهاني باستقلال الجزائر، كما بعث وزير الخارجية الصيني “تشن يي” إلى نظيره الجزائري ببرقية أيضاً ليعلمه بأن الحكومة الصينية قرّرت اعترافها بالجمهورية الجزائرية دولةً مستقلةَ. فمنذ استقلال الجزائر واصلت الصين تقديم معونات كثيرة وسخية للجزائر والمساهمة في تنميتها الاقتصادية والاجتماعية، حيث بادرت بإرسال البعثة الأولى من الفرق الطبية الصينية لمساعدة البلدان الإفريقية للعمل بالجزائر في أفريل1963.

كما لعبت سياسة الرئيس الراحل هواري بومدين الدبلوماسية دوراً كبيراً في إقامة وتطوير العلاقات الجزائرية مع العديد من دول العالم ومنها جمهورية الصين الشعبية، ففي سبتمبر سنة 1973 وبمناسبة انعقاد مؤتمر دول عدم الانحياز، استقبل هواري بومدين أكثر من سبعين من رؤساء الدول بحيث كان جمعاً لم يسبق له مثيل في التاريخ من ذلك المستوى. وفي سنة 1974 ترأس هواري بومدين في مقر الأمم المتحدة الجمعية الاستثنائية التي انعقدت بطلب منه والتي كرّست للعلاقات بين الدول المُصنِّعة مثل الصين، وتلك التي تعيل نفسها من خلال بيع مواردها الأولية، وعلى صعيد الصناعات الثقيلة قام بومدين بإنشاء مئات المصانع والتي كان خبراء من دول المحور الاشتراكي والصين يساهمون في بنائها، حيث كانت العلاقات الجزائرية مع تلك الدول جيدة للغاية.

وبالمقابل فإن الجزائر بدبلوماسيتها الرائدة التي كان يقودها آنذاك وزير الخارجية عبد العزيز بوتفليقة، لم تدخر جهداً من أجل مساعدة الصين على استعادة مكانتها المشروعة ضمن الأمم المتحدة ، وقد بدأ هذا الموقف يتبلور في هذا الصدد على ضوء قرار مؤتمر بلغراد لدول عدم الانحياز عام 1971 والذي دعا الدول المعترفة بحكومة الصين الشعبية، إلى تأييد تمثيلها في الأمم المتحدة. وفي اجتماع الدورة السادسة والعشرين للجمعية العامة من نفس السنة حيث شاركت الجزائر في مشروع القرار الذي قدم لاستعادة الحقوق الشرعية للصين الشعبية في الأمم المتحدة، حين استعادت عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الأممي.

كما نجد أن للجزائر والصين تطابق في وجهات النظر حول جل المسائل الدولية، سواء ضمن مجموعة 77 + الصين أو في المحافل الدولية، مُجَسّدين بذلك العامل الإيديولوجي الذي يعتبر عاملاً حاسماً في العلاقات الصينية الجزائرية، إذ يُعتبر دوره في ترسيخ هذه العلاقات أقدم من دور العامل الاقتصادي في حد ذاته، فهو يرجع الى ما يُسمّى بالمبادئ الخمس للتعايش السلمي، وهي المبادئ التي أعلنها الزعيم الصيني “شوان لاي” في 1954، ثم تم تبنيها على نطاق أوسع في مؤتمر عدم الانحياز في باندونغ 1955.

أما في الفترة الراهنة فقد صرّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في كلمة ألقاها في حفل استقبال أقيم في جامعة بكين قائلا: “إن علاقاتنا التي شهدت تطوراً متميزاً خلال السنوات الأخيرة.. تطوراً ترجمته الشراكة الإستراتيجية التي سيأتي بفضلها منح هذه العلاقات المتانة والكثافة الجديرتين بصداقة شعبينا المثالية”. وأضاف، أنه وبتدشين هذه المرحلة الجديدة سَتُمَكِن العلاقات التي تربط بلدينا من تحقيق قفزة نوعية في جميع المجالات، تتيح لها ترقية وشائج قوية تطبعها الثقة والدوام، وإن هذه الشراكة ستكتسي طابعاً إستراتيجياً من حيث ما رسماه لها من معالم واضحة، تعكس الوفاق السياسي السائد بين الجزائر والصين.

وبالفِعل، ونحن نجني ثمار اتفاقية الشراكة الإستراتيجية المبرمة بين البلدين، من المؤكد أن الأجندة الجديدة للخماسي القادم 2019-2023 بين البلدين الحليفين، ستعرف مزيداً من الازدهار ومزيدًا من التوافق والتفاهم في القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز ملفات التعاون الثنائي، خاصة في المجالات العلمية والثقافية والسياحية، والتعاون في مناحي الفضاء والطاقة والسكك الحديدية، وزيادة التبادل التجاري، مما سيمنح الفائدة الوافرة للبلدين وللشعبين الصديقين.

#د.عبد_الكريم_بن_خالد: عضو في الفرع الجزائري للاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء #الصين، وأستاذ محاضر في #الجامعة_الإفريقية في مقاطعة أدرار جنوبي #الجزائر، وإعلامي وكاتب مقالات ثقافية واجتماعية بشكل دوري على صفحات جريدة الشعب الجزائرية، ومقدم ومشارك في برامج دورية ثقافية وتراثية بالإذاعة والتلفزيون الجزائريين، ومتابع ومهتم بوسائل الإعلام الصينية الناطقة بالعربية.

تعليق 1
  1. خالد فخار يقول

    شكرا جزيلا لكم دكتور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.