موقع متخصص بالشؤون الصينية

الستّين: مسيرة لامعة للعلاقات الجزائرية الصينية

0

 

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
عبد القادر خليل*:

من خلال متابعة شاملة لأبرز محطات العلاقات الدولية الراهنة، خاصة بعد قيام النظام الدولي الحديث، عقب فترة الحرب الباردة التي تلت الحرب العالمية الثانية، نجد أن من النماذج المثالية التي حققت قفزة نوعية ومتميزة، هي العلاقات الجزائرية الصينية التي تنطلق من دعم البلدين المتبادل لبعضهما البعض، خلال حُقب نضالهما في سياقات الحروب الشعبية التحررية، مما أدى الى ارتقاء صِلاتهما إلى درجة “شراكة إستراتيجية شاملة”.

فقد منحت الصين وطننا الجزائر الدعم السياسي والمادي والعسكري، إبّان ثورة التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم، وحتى لحظة إنجازنا الاستقلال، وساهمت مشكورة بفعالية في معركة البناء والتشييد، وما تزال الصين تساهم بالدعم وترافق الجزائر في دربها إلى يومنا هذا.

وفي جانب آخر، كان للجزائر مواقف ثابتة داعمة للصين خلال كفاحها التحرري، حيث أن الصينيين استفادوا من تبنّي جبهة التحرير الوطني الجزائري المنهج الصحيح في سبيل تحقيق الحرية والاستقلال، مستندة إلى الحروب والمقاومات الشعبية وحرب العصابات ضد جيش الاستعمار الفرنسي الذي كان الأقوى والأكثر تنظيماً، إذ أن هذا المنهج وظّفته حركة المقاومة الشعبية الصينية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني في مواجهة الاستعمار الياباني وفي المعركة الداخلية  في ذلك الوقت.

ويذكر التاريخ، أنه وخلال زيارة لوفد من الضباط الجزائريين إلى بكين، في خمسينيات القرن الماضي، أي قبل استقلال الجزائر، قال أحدهم للرئيس ماو تسيتونغ: “لقد جئنا لنتعلم من تجربتكم النضالية وكفاحكم الشعبي”، فرد عليه ماو: “بل نحن الذين استفدنا وتعلمنا من مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري”.

مواقف كثيرة سجلها التاريخ على مدى عشرات السنين، تُجسّد عمق العلاقات الثنائية بين البلدين، وتعرض للتقارب والتطابق في المواقف والسياسات المنتهجة محلياً وإقليمياً ودولياً، وقد تطورت هذه إلى حد كبير من خلال الواقع الداخلي في الجزائر.

إن الحركية الكبيرة وسرعة وطابع التقدم في تطوير العلاقات الثنائية الودية المتينة والمثمرة بين الجزائر والصين، يَظهر جلياَ في صورة الانجازات الكبيرة والهامة التي تم تحقيقها خلال تلك المسيرة الزاهرة والواعدة، ويمكن تلخيص أبرز تلك الانجازات في مساعي البلدين لتحقيق التعايش السلمي العالمي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ودعم القضية الفلسطينية ونبذ الاستعمار.

تُعتبر الصين اليوم الشريك الاقتصادي الأول للجزائر، يؤكد ذلك حجم التبادل التجاري بينهما، بحيث صارت الواردات الصينية للجزائر تحتل المرتبة الأولى بعدما كانت الفرنسية في السابق،  هذا بالإضافة إلى أن المشاريع الضخمة التي أنجزتها الشركات الصينية في العديد من المجالات، قد جعلت من الجزائر واحدة من الدول المتقدمة في إفريقيا.

ومن أهم تلك المشاريع بناء المطار الجديد في الجزائر العاصمة، ومبنى وزارة الخارجية، والملعب الأولمبي في مدينة وهران عاصمة الغرب الجزائري، والمحكمة الدستورية، والعديد من الفنادق الفاخرة، ومراكز التسوق، وتوسيع شبكة السكك الحديدية والطريق السريع الرابط بين الشرق والغرب، وبناء خط أنابيب مياه بطول 750 كم في أقصى الجنوب الجزائري، والمساهمة في صنع وإطلاق أول قمر فضائي جزائري، وبناء دار أوبرا الجزائر التي كانت هِبة صينية كعربون صداقة للجزائر، والكثير الكثير من المشاريع الأخرى، بحيث تنشط في الجزائر مئات الشركات الصينية وآلاف الأيادي الصينية العاملة، وقد أفضى ذلك الى استقرار الكثير من مواطني الصين في الجزائر وتزاوج وتصاهر الجانبان، وهنا أذكر تنظيم سفارة الصين لدى الجزائر عرساً جماعياً بهيجاً لمجموعة من الشباب والشابات من البلدين، أحرز تأثيراً عميقاً وبُعداً إجتماعياً وثقافياً كبيراً.

صورة أخرى لا يمكن تجاوزها تزيد من التقارب و التفاهم والتعاون المثمر بين البلدين هي تضاعف الزيارات الدبلوماسية على أعلى المستويات، والتعاون البرلماني والحزبي بينهما، سيّما  مع “الحزب الشيوعي الصيني”، الذي تربطه علاقات وطيدة مع الأحزاب السياسية الجزائرية، وفي مقدمتها الحزب الحاكم “جبهة التحرير الوطني”، وكذا التبادلات العلمية والثقافية والطبية …

الجزائر كانت دائماً ولا تزال قريبة من الصين في توجهاتها ومبادراتها، وحاضرة بقوة الآليات الدولية الكبرى التي للصين الدور الأبرز، ومنها مبادرة الحزام والطريق المعلنة من قبل الرئيس الصيني شي جين بينغ، ومنتدى التعاون الصيني الإفريقي، ومنتدى التعاون الصيني العربي … وغيرها.

إنني على يقين أن الجزائر والصين سيواصلان دعمهما لبعضهما البعض، وسيظلان جنباً إلى جنب لبلوغ مستقبل زاهر وواعد لهما وللعالم، من خلال الكسب المشترك والمنفعة المتبادلة في كنف السلام والاحترام والصداقة، ولعل مختلف النشاطات والفعاليات التي نظمها الجانبان إحتفالاً بستينية العلاقات الدبلوماسية بينهما وعلى مدى سنة كاملة، هي دليل دامغ على رضاهما بما وصل إليه مستوى التعاون والتلاحم والترابط بين الشعبين الصديقين، وبأنهما لن يستغنيا عن بعضهما البعض، بل سينشدان سوياً طريق التنمية الشاملة والازدهار.

#عبد_القادر_خليل: رئيس الفرع الجزائري للاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحُلفاء) #الصين، وممثل الاتحاد الدولي بولاية ورقلة في الجزائر، وخريج أكاديمي من الاتحاد السوفييتي، ومؤسس رابطة أصدقاء الصين في الجزائر، وصديق قديم لإذاعة الصين الدوليةCRI ومجلة “الصين اليوم”...

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.