موقع متخصص بالشؤون الصينية

اللقاءات الحزبية تفتح آفاق تطور العلاقات الصينية العربية على مصراعيها

0

 

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
نانجينغ ـ محمود ريا:

 

تشكل الزيارات المكثفة التي تقوم بها القيادات الحزبية العربية إلى الصين فرصة متكرررة ومستدامة للتعرف من قبل القيادات الحزبية العربية، العليا والوسيطة، على التطورات التي تشهدها الصين في مختلف المجالات، سواء على الصعيد الداخلي، أو على صعيد علاقات الصين مع العالم، ومن ضمنه العالم العربي.

خلال أقل من ثلاثة أشهر شهدتُ على مؤتمرين كبيرين شارك فيهما قياديون حزبيون عرب. المؤتمر الأول هو مؤتمر الحوار بين الحزب الشيوعي الصيني والأحزاب العربية الذي انعقد في مدينة هانغتشو في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، والثاني هو “زيارة وفد الأحزاب اليسارية العربية إلى الصين”، وهي الزيارة التي يشارك فيها أكثر من خمسة عشر قيادياً حزبياً من سبع دول عربية، بدعوة من لجنة الشؤون الخارجية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.

هذه اللقاءات الحزبية عالية المستوى ليست الأولى، وإنما أصبحت خلال الفترة الماضية لقاءات دورية ومستمرة، وتتضمن عدة فقرات مهمة، تحمل غنى في التعلم والتعرّف والتفاعل بين الشخصيات الحزبية من الطرفين العربي والصين.

وإذا كانت الجولات الميدانية واللقاءات التعارفية محطات مهمة جداً في هذه الجولات، فإن الأكثر أهمية هو الحوارات المعمقة التي تُعقد بين المسؤولين، والتي يتم خلالها طرح الكثير من القضايا الهامة، حيث يعرض كل طرف رؤيته ويتم تبادل الأفكار والاتفاق في الكثير منها، والخلاف في البعض الآخر، دون أن يفسد ذلك للودّ قضية، حيث تبقى روح التفاهم والتقارب هي المسيطرة على اللقاءات.

شهدتُ الكثير من اللقاءات الحوارية من هذا النوع، وشاركت في العديد منها. كان الحضور من الجانب الصيني فيها مسؤولين سياسيين من الحزب الشيوعي الصيني أو من الدولة الصينية، كما كانوا أكاديميين من معاهد جامعية ومراكز بحثية ومؤسسات ثقافية واجتماعية. وخلال هذه الحوارات كانت المواضيع المطروحة تناقش بعُمق ويتم تبادل وجهات النظر بشكل مفتوح ودون أي حدود، ما يشير إلى رغبة حقيقية لدى المسؤولين الصينيين للتعرف بشفافية على كيفية فهم الطرف العربي للمواقف الصينية من القضايا المطروحة.

إن برنامج زيارة وفد الأحزاب اليسارية العربية إلى الصين متخم باللقاءات عالية المستوى، وقد تم تحقيق عدد منها، حيث جرت اجتماعات مع قياديين من مستويات مختلفة في مقاطعة جيانغسو، التي تقع شرق الصين، وتشكّل واحدة من أهم المقاطعات الصينية على الصعيد الاقتصادي. وقد تنوّعت اللقاءات بين اجتماعات مع مسؤولين في حاضرة المقاطعة نانجينغ، وآخرين في منطقة تشيجيانغ التي تشهد عملية تنمية متسارعة، وتكاد تصبح أنموذجاً لتحقيق “مجتمع رغيد العيش” الذي تعمل الصين على تحققه في مختلف مناطقها، الساحلية والداخلية على حد سواء.

وفي جلسة مطوّلة، استغرقت عدة ساعات، طرح أعضاء الوفد من قياديي الأحزاب العربية أفكارهم إزاء ما شاهدوه في المرحلة الأولى من الزيارة، وعبّروا عن آرائهم إزاء تجربة التنمية في الصين، وتحدثوا عن رؤيتهم لتعامل القيادة الصينية مع عدد من القضايا الأساسية في البلاد، كتجربة الحكم والإدارة ومسائل القوميات والتعامل مع بعض القضايا الخارجية.

الأهم في هذه الجلسة أن الجانب الصيني كان مستمعاً كل الوقت للملاحظات والتصورات والأفكار والآراء والاقتراحات التي قدمها القياديون الحزبيون العرب، حيث تم تسجيل كل النقاط المطروحة لعرضها على القيادة العليا للحزب الشيوعي الصيني، وفي هذا الأمر الكثير من المعاني، أبرزها بلا شك هو مدى اهتمام القياديين الصينيين بالتعرف على ما في جعبة الجانب العربي من أسئلة ومن أجوبة محتملة حول القضايا التي تهم الصين.

الزيارة ما تزال مستمرة، وفيها الكثير من المحطات المهمة، سواء في مقاطعة شينجيانغ، حيث سيطلّع الوفد على الأوضاع الحقيقية في هذه المنطقة الحساسة، بعيدا عن الدعاية الغربية وانسياق بعض الإعلام العربي وراءها، أو في العاصمة بكين، التي سيكون للوفد الحزبي العربي الكثير من اللقاءات فيها.

ويبقى الأهم أن هذا التلاقي المباشر بين القيادات الحزبية العربية والصينية، وتلاقح الأفكار، والاطلاع على الوقائع الميدانية بعيداً عن البروباغندا الغربية بدأ ينعكس فهماً حقيقياً من القياديين الحزبيين والسياسيين العرب لنظرة الصين إلى الأحداث، وهذا ما ترجم نفسه في العديد من المحطات، منها مثلاً ما ذكره أعضاء الوفد التونسي، من أعضاء “مجلس نواب الشعب”، حيث تم التصديق على اتفاقية ثقافية بين الصين وتونس قبل أيام بإجماع كل أعضاء المجلس، ودون أي اعتراض من أي برلماني، وهو “إنجاز” يستحق التأمل فيه بكل دقة وعمق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.