موقع متخصص بالشؤون الصينية

رجل أعمال لبناني يروي قصة حصوله على الجنسية الصينية في العصر الجديد

0

صحيفة الشعب الصينية:
بدأ تاريخ الهجرة اللبنانية الى الصين منذ ان هاجر اليها الطبيب اللبناني جورج شفيق حاتم) ما هاي دو (عام 1910، الذي انضم الى الجيش الأحمر والجيش الثامن، ومنه الى الحزب الشيوعي الصيني، وشارك في الثورة الزراعية في الصين، وناضل في حرب التحرير الصينية وبناء الاشتراكية الصينية، كما تولى منصب كبار العسكريين في جيش التحرير، وأول أجنبي يحصل على الجنسية الصينية بعد تأسيس الصين الجديدة. ولا يزال اللبنانيون المهاجرون الى الصين يصنعون تاريخ العلاقات الصينية ـ اللبنانية فهي حقيقة تتجسد في رجل الاعمال اللبناني أسامة ياسين ) أو يي شوان ( الذي طلبنا منه إجراء حوار صحفي خاص مع صحيفة الشعب اليومية أونلاين، وبدون تردد رحب بنا … فيما يلي نص الحوار:

هل يمكن الحديث عن ظروف مجيئك إلى الصين والإستقرار بها؟

إسمحي لي أولاً أن أتكلم عن حادثة ما زالت في ذاكرتي منذ ريعان الشباب:

عام 1987، كنت شاباً يافعاً جالسا أنا وزملائي في مركز عملي في بيروت، عندما دخلت علينا إمرأة عجوز، يظهر على وجهها علامات الطيبة والحِكمة، تريد أن تبيعنا كتباً مستعملة، تَجمعنا حولها…. هذا يريد قصة حب، وذلك يريد قصة مغامرات، وتلك تريد قصصاً بوليسية.

إلتفتت إلي وسألتني أي كتاب أريد، فقلت لها: هل لديك كتاب عن الحضارة الصينية؟ سادت لحظات من الصمت، ونظر زملائي إلى مندهشين: عن الصين؟؟؟ فأعتذرت المرأة العجوز بسبب عدم وجود هكذا كتاب معها، ولكن وعدتني إن تجلب لي مثل هذا الكتاب في الأيام القليلة القادمة.

وبعد حوالي أسبوع، عادت تلك المرأة العجوز الطيبة حاملة إلى كتاباً عن التقاليد والعادات الصينية ، وأهدته إلى رافضة تقاضي ثمنه قائلة: ولكن لماذا عن الصين؟ فقلت لها: لا أدري ولكن شيئاً ما بداخلي دفعني إلى السؤال عن الصين، فقالت لي: أنت شاب طيًب وسوف يكون لك مستقبل رائع هناك….

وسارت الأيام وكنت غالباً ما أقرأ هذا الكتاب مجدداً وأعتبرة بَركة وذكرى طيبة من تلك السيدة الفاضلة، إلى أن جاء عام 2004 وكنت أعمل لدى تاجر مجوهرات معروف عالمياً، عندما أخبرني رب عملي أنه يريد تأسيس مصنع للمجوهرات في مدينة تشوهاي، حيث أن لديهم منطقة تجارية حرة ولا توجد أي ضرائب جمركية على المواد الأولية المستوردة لصناعة المجوهرات والمخصصة لإعادة التصدير إلى خارج الأراضي الصينية، وإنه يريدني أن أكون المسؤول المالي لهذا المصنع.

لم أكن أعرف إين تقع مدينة تشوهاي ولا في إي بلد، ولم أجرأ على سؤال رب عملي السابق هذا السؤال، ولكن بعد ذلك بحثت في خريطة العالم، وأكتشفت إن مدينة تشوهاي هي في جنوب الصين.

لم أتمالك نفسي من التعجب والفرح في نفس الوقت، حيث أحسست أن قدري يرسم لي شيئاً ما هناك، فتذكرت نبوءة تلك المرأة العجوز عام 1987.

أول مرة تطأ قدماي أرض الصين كان في أواخر عام 2004، عندما أوفدني رب عملي السابق بمهمة إستكشاف ولتعلم الإجراءات بهدف تأسيس مصنع مجوهرات في المنطقة التجارية الحرة لمدينة تشوهاي. أمضيت حوالي عشرة أيام وعدت بإنطباع رائع عن مستوى التقدم التي تتمتع به هذه المدينة الهادئة وخصوصاً أهلها الطيبون وحبهم للمساعدة في شتى الوسائل المتاحة، والذي ينم عن كرم الضيافة وحسن إستقبال الوافدين بضحكة من القلب وتصل إلى….. القلب.

بعد أن تم تأسيس مصنع المجوهرات الخاص برب عملي السابق، ونظراً لفرص العمل العديدة المتاحة في السوق التجاري الصيني، إرتئيت أن أبدء بتأسيس مكتب تجاري خاص بي للإستيراد والتصدير.

إن السلطات الصينية تشجع الإستثمارات الأجنبية وخصوصاً تلك التي تحترم الأنظمة وتلتزم بكافة إجراءات الأمان والقوانين المرعية الإجراء، وبالمقابل فإن هذه السلطات تضمن حقوق المستثمر على جميع الأصعدة وفي شتى المجالات.

ما هي أهم التحديات التي واجهتها في أول فترات وصولك إلى الصين؟

كان عامل اللغة هو العائق الأكبر، والذي يمثل التحدي لأي زائر أجنبي إلى الصين، ولكن مع مرور الوقت، بنيت العديد من الصداقات، وكما ذكرت آنفاً، فإن روح المبادرة وحب المساعدة الموجودة في العديد من أهل الصين، فإنها تسهل المهمات وتجعل كل صعوبة أو تحدي يصل إلى الحل المنشود.

أذكر مرة، قبل التعرف على زوجتي الصينية، كنت أعاني من ألم في الحنجرة، وكان الوقت بعد منتصف الليل، فذهبت إلى إحدى الصيدليات لشراء دواء، ولكن عامل اللغة كان عائقاً لذلك، فإتصلت بأحد الأصدقاء الذي سهًل لي هذه المهمة عبر التكلم عبر الهاتف مع موظف الصيدلية، ولكنه بعد ذلك، أصر على الحضور شخصياً إلى منزلي للإطمئنان علي، وكان لهذه المبادرة الصدى الإيجابي في نفسي وأفضل من أي دواء.

ما هي أهم التغيرات التي شهدتها خلال السنوات التي أقمتها في الصين؟

إن الصين في ثورة إقتصادية دائمة، وإن المقيم والزائر يلاحظ ذلك بشكل واضح.

عندما وصلت إلى مدينة تشوهاي ، قالوا لي: إنه في الماضي القريب، كانت تشوهاي معروفة بمدينة الشارع الواحد والمدرسة الواحدة والمصرف الواحد….. ولكن بعد عدد من السنوات، أصبحت مدينة بكامل المواصفات وتضاهي العديد من المدن العالمية، فما بالك عندما تعلم إن تشوهاي هي مجرد مدينة صغيرة مقارنة بمدن جمهورية الصين الشعبية.

إن الشوارع العريضة وشبكة المواصلات المتوفرة بالإضافة إلى القطارات العالية السرعة وخدمات الإتصالات وحفظ حقوق المستثمر وفرص العمل العديدة، والتجارة إلى جميع أصقاع الأرض، ما هي إلا سمة من سمات النجاح والتطور التي تتمتع بها كافة المدن الصينية.

في الماضي، ربما كان الصيني يحلم بالسفر إلى الخارج، ولكن بعد أن أصبحت الصين القوة الإقتصادية الثانية في العالم، وذلك بفضل السياسات الحكيمة والجهد المتواصل من حكام وأهل الصين، أصبحت دول العالم تتمنى أن يزورها الصينيون مما يدل على المستوى المعيشي المرتفع ومعدل الدخل الذي يسمح للمواطن الصيني السياحة والتجول في دول العالم.

إن تحديث القوانين والإجراءات، وجعلها أكثر مواءمة مع متطلبات السوق المحلية والعالمية، هي من أهم المتغيرات التي لاحظتها في السنوات التي قضيتها في الصين والتي شجعتني على المضي قدماً في تأسيس عملي التجاري الخاص وتشجيع عدد من المستثمرين على نقل جزء من أعمالهم ومصانعهم إلى الصين.

حسب ما فهمت منك سابقاً، فإن زوجتك صينية، هل واجهتكما أية صعوبات في التقارب بينكما بحكم الحضارات المختلفة بين الصين والعالم العربي، وكيف واجهتموها؟

مهما تكلمت، فإنني لا أستطيع وصف رفيقة درب الحياة، فهي الحبيبة والزوجة والصديقة، كذلك هي الأم التي تسهر وتهتم بي، إن نزعة الإخلاص التي يتصف بها أهل الصين، تجلت بأحلى أوصافها في الإمراة التي أحببت.

إن الحياة الزوجية تصبح أجمل ومكانأ للتحدي نحو الأفضل عندما تجتمع عدة ثقافات وعدة تقاليد تحت سقف واحد والتي تنتج نسيجاً مميزاً ومختلفاً عن الآخرين، من الموسيقى إلى أنواع الطعام إلى كيفية التصرف مع الأهل ومراعاة شعور الجيران وحب المبادرة التي دائماً ما تؤدي إلى حياة ملؤها السعادة والتميز.

كانت زوجتي محامية المصنع التي إختارها رب عملي السابق، وكأنه أختارها لتكون لي ولتغير حياتي نحو الأفضل.

خلال فترة إنشاء المصنع في المنطقة التجارية الحرة في مدينة تشوهاي ، كان لا بد من عقد لقاءات عديدة مع المسؤولين الصينيين والمهندسين والخبراء والتي جميعها يجب أن تتم بحضور المحامية، وخلال هذه الفترة نمت علاقة ثقة وصداقة بيننا والتي تطورت لآحقاً إلى علاقة عاطفية أدت إلى الزواج السعيد.

إن العلاقة الزوجية هي عبارة عن تنازل كل من الطرفين لصالح العائلة الواحدة، لا شك أنه كان هناك أكثر من تحدي، ولكن بالحب والتصميم على أن نكمل مشوار هذه الحياة سوياً، إستطعنا تجاوز هذه الصعوبات وذلك ببناء عائلة متماسكة وسعيدة…. ربما تكون مثالا لباقي الرجال الأجانب الذين يخشون من خوض غمار هذه التجربة الرائعة.

هل يمكن الحديث عن تجربتك في الأعمال التجارية في الصين؟

أريد التحدث عن واقعة حقيقية حصلت معي خلال عام 2008 والتي تغني عن شرح العديد من المفاهيم الخاطئة عن الأنظمة والقوانين في الصين والتي تجول في بعض الأحيان في خاطر عدد من المستثمرين الأجانب.

خلال الأزمة المالية العالمية التي عصفت في معظم دول العالم خلال عام 2008، قام أحد المصارف الصينية في بكين، والذي هو مملوك من الحكومة الصينية، بخطأ تقني أدى إلى خسارة مالية كبيرة لأحد زبائني من دول الشرق الأوسط. كان الإنطباع الأول لهذا الزبون من الشرق الأوسط إننا لن نستطيع تحصيل هذه الخسارة المالية من هذا المصرف حيث أنه مملوك من الحكومة الصينية كما أنه متواجد في العاصمة بكين ونحن موجودون في مدينة تشوهاي التي هي في جنوب الصين.

ولكنني، وحيث أنني أقيم في الصين، كان لدي إنطباع مختلف تماماً، وهو أنك تستطيع تحصيل كامل حقك وذلك بإتباع الأصول القانونية ولو كان مُسبب هذا الخسارة إحدى المؤسسات المملوكة للحكومة الصينية.

بدأت العمل على جمع المستندات المطلوبة وتصديقها والقرائن التي تثبت حقنا تجاه هذا المصرف، وتم قبول الدعوى القضائية من قبل محكمة البداية في بكين، وخلال مدة لا تتجاوز عدة أشهر تقرر موعد المحاكمة، وصدر الحكم بعد ذلك بمدة قليلة لصالح تحميل هذا المصرف كامل الخسارة المالية بالإضافة إلى الفوائد المالية وكافة المصاريف القضائية.

قام المصرف في بكين بالإستئناف، وخلال مدة لا تتجاوز عدة أسابيع صدر حكم آخر من محكمة الإستئناف لصالحنا وألزم المصرف بتحويل كامل الخسارة المالية إلى مصرف الزبون في أحد دول الشرق الأوسط، وهذا المصرف إلتزم بحكم المحكمة وقام بتحويل كامل المبلغ الذي أقرته محكمة الإستئناف.

لم يصدق الزبون ما حصل حتى وصل التحويل المالي إلى حسابه المصرفي، وقلت له في حينها: إن السلطات الصينية تضمن حق المستثمر ولا خوف إطلاقاً من ذلك حتى لو كان هذا الحق من إحدى المؤسسات المملوكة للحكومة الصينية. علماً إن كافة الإجراءات من محكمة البداية إلى التحويل المصرفي من قبل المصرف لم يستغرق أكثر من سنة، وهذه مدة قياسية لحكم صادر من محكمة البداية ومحكمة الإستئناف وتنفيذ الحكم.

إن ما ذكرته آنفاً ما هو إلا مثال وعبرة عن مستوى الأمان وحفظ الحقوق للمواطنين والأجانب طالما إنهم يؤدون واجباتهم ويلتزمون بالقوانين والأنظمة التي تفرضها السلطات الصينية المعنية والتي بالتالي تحفظ أمنهم وحقوقهم تجاه أي معتدي حتى لو كان من أقرب المقربين إليهم.

هل يمكن معرفة قصة حصولكم على جواز السفر الصيني؟

بعد زواجي بمدة خمس سنوات، وعند تجديدي لتأشيرة الإقامة في الصين، وبمبادرة لطيفة من إحدى موظفات الجوازات الصينية، أعلمتني أنني أستطيع أن أتقدم للحصول على البطاقة الخضراء للإقامة الدائمة، كما أفادتني بلائحة المستندات المطلوبة لذلك.

قمت بتجهيز كافة المستندات المطلوبة وتصديقها، وبعد الإنتظار لعدة أشهر، حصلت على هذه البطاقة الخضراء، التي سهلت لي العديد من الإجراءات خلال تنقلي داخل مدن الصين وكذلك إجراءات المغادرة والدخول عند منافذ الصين البرية والجوية.

عند إستلامي لهذه البطاقة الخضراء، إبتسمت لي هذه الموظفة في قسم الجوازات وقالت لي: إنك تستطيع الآن التقدم بطلب الحصول على الجنسية الصينية….. لم أصدق في بادئ الأمر حيث إن هذا الموضوع كان مجرد حلم ….حلم منذ أن كنت في ريعان الشباب.

بالطبع فإن المستندات المطلوبة للحصول على الجنسية الصينية هي بتفاصيل أكثر دقة، وتطلب مني السفر عدة مرات إلى بلدي الأم للحصول على عدد من هذه المستندات وكذلك السفر إلى إحدى الدول الأجنبية التي عملت داخل أراضيها للحصول إيضاً على بعض المستندات المطلوبة، ولكن في النهاية، حصلت على الجنسية الصينية وعلى الجواز الصيني، وأصبحت رسمياً مواطناً صينيا، وبذلك أصبح ما بداخل قلبي ونفسي حقيقة على الورق بختم رسمي من السلطات الصينية المعنية……كما وعدت موظفة الجوازات الصينية ذات الوجه المبتسم دائماً أنني سوف أكون مواطناً صينياً صالحاً. ً

وأود أن أختم هذا اللقاء الرائع بأنني أحببت هذه الأرض وأحببت أهلها، ويوما ما سوف يحين الوقت ِللأعانق ترابها ….. وربما سوف ألتقي مجددا تلك السيدة العجوز الطيبة، وسأقول لها …..أنا هنا فعلاً …. في الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.