موقع متخصص بالشؤون الصينية

الدور التاريخي للحزب الشيوعي الصيني في ديمومة التجديد لبناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
د. كاوه محمود*:

يخوض الحزب الشيوعي الصيني تجربة متجددة في بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية الذي يعتبر منعطفا تاريخيا، لا في مجال تطوير سياسة الحزب وتجدده المستمر فحسب، بل في مجال تجارب البلدان والاحزاب الاشتراكية والشيوعية في حقل بناء الاشتراكية، ايضاً.

وتتسم هذا التجربة بطابعها العالمي لان النضال من أجل المساواتية والعدالة الاجتماعية والاشتراكية مسألة عالمية تتعلق بابداع الجماهير وارادة الشغيلة والكادحين و كل الطبقات والفئات الاجتماعية ذات المصلحة في التغيير الاجتماعي، وعلى اعتبار ان ما حققته الشعوب في نضالها من أجل الاشتراكية تحمل طابعا أممياً.

لذا، من الطبيعي ان تأخذ تجربة بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية وهي تجربة مستمرة تحقق مديات واسعة من التنمية والتقدم على طريق تحقيق مجتمع رغيد الحياة، والتجارب الاخرى سواء المستمرة منها، وحتى تجربة انهيار الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي السابق، حيزاً واضحا في اهتمام الاحزاب الاشتراكية والشيوعية العالمية.

من الضروري ان تستند الأبحاث والتقييمات لمثل هذه التجارب على منهج معرفي ماركسي في تحليل الظواهر الاجتماعية ومتابعة المستجدات منها في المجتمع، والوصول الى استنتاجات فكرية ونظرية من خلال ربط الفكر بالواقع وبرهنته بالممارسة، والربط الديالكتيكي بين تجربة النضال الوطني للشعوب ونضال الشغيلة والكادحين من أجل القضايا الطبقية، وتحقيق الحياة الكريمة واللائقة للبشرية، وضمان التنمية والسلم على الصعيد العالمي، والاستفادة من كل هذه التجارب بنجاحاتها واخفاقاتها بعيدا عن الاستنساخ والمطابقة.

ان الديمومة والتحديثات المستمرة في بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، التي تعتبر تجربة ابداع للأمة الصينية في تحقيق انتصار حاسم في انجاز بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل، واحراز انتصارات عظيمة للاشتراكية في العصر الجديد، تعطي طابعا أمميا في مجال تطوير الممارسة والنظرية الماركسية، متجاوزا الطابع المحلي لتجربة البناء الاشتراكي، لتؤكد هذه التجربة مقولة لينين حول طريق الاشتراكية “كونه غير مُعَبد سابقاً، وان الشعوب ستصل بطريق نضالها الخاص الى بناء الاشتراكية”.

ان تطور الرأسمالية في ظل العولمة تعطي طابعا عالمياً لتجربة بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، كونه يطرح في مجال التنمية والتحديث و بناء عالم جديد بديلاً عمليا للراسمالية المعولمة وطريق النيوليبرالية في التنمية الاقتصاد، وتفتح أمام البشرية سبلا جديدة في التعاون الدولي والتنمية العالمية و بناء السلم العالمي.

بدأت عملية البناء في الصين بعد انتصار ثورة التحرر الوطني عام 1949 التي قادها الحزب الشيوعي الصيني، واتخذت عملية البناء الاشتراكي منعطفا كبيرا بعد الاعلان عن سياسة الاصلاح والانفتاح عام 1978. ويرجع سر نجاح عملية البناء وتطورها المتجدد الى دور الحزب الشيوعي الصيني الذي شهد هو نفسه تطورا وتجديدا في طروحاته ومفاهيمه على اساس دراسة الواقع والعمل من أجل تغيره نحو الأحسن، واتخاذه موقفا انتقاديا من الظواهر السلبية، بغية معالجتها، والسعي الى معالجة النواقص والثغرات في عملية البناء. وعلى اساس هذا المنهج واعتمادا على وثائق مؤتمرات الحزب الشيوعي الصيني والتجربة العملية في بناء الاشتراكية في هذا البلد، ينبغي دراسة هذه التجربة من قبل الاحزاب الاشتراكية والشيوعية بعيدا عن المواقف المسبقة والتي يرجع البعض منها الى الخلاف الصيني السوفييتي أبان فترة الستينات من القرن الماضي، أو التشكيك الايديولوجي المسبق بعيدا عن الدراسة المعرفية.

تشير تجربة بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية الى حقيقة مفادها دور الحزب الطليعي وأقصد بذلك دور الحزب الشيوعي في عملية قيادة التحولآت و بناء الاشتراكية، بدون وجود مثل هذا الحزب لا يمكن بناء الاشتراكية.

لقد تأسس الحزب الشيوعي الصيني عام 1921 في شنغهاي، وعقد مؤتمره بحضور 12 مندوبا يمثلون 50 عضوا. وبسبب طليعيته وقيادته السياسية للبلاد وصل عدد أعضاء الحزب في حزيران/ يونيو عام 2018، الى 89.56 مليون حسب اعلان دائرة التنظيم في اللجنة المركزية للحزب.

ان الحديث عن الدور الطليعي للحزب في بناء الاشتراكية يتعلق بالرسالة التاريخية للحزب في العصر الجديد، والتي تتحقق من خلال التوجهات السياسية التي تعطي أجوبة شافية للاسئلة المعقدة للبشرية في العصر الجديد، ويتطلب أيضا أن يكون الحزب دوما تنظيما من طراز جديد يتسم بالانضباط العالي والتجديد في كافة مجالات العمل الحزبي المنوَّع، وبهذه الشاكلة ينجز الحزب رسالته التاريخية المتمثلة ببناء الاشتراكية.

لقد انبثق الحزب الشيوعي الصيني عام 1921 في رحم الحراك الاجتماعي، وتطور من خلال قيادته للنضال الشاق للشعب الصيني ضد الاقطاعية والتدخلات الاجنبية، واستطاع تحقيق الدمج الموضوعي بين الماركسية اللينينية و حركة الطبقة العاملة، والحصول على ثقة الشعب الصيني في نضاله من أجل تحقيق الاستقلال الوطني وتحرير الشعب والعمل من أجل سعادته والمبادرة الخلاقة من أجل الابداع و التطور والتنمية البشرية.

وخلال هذا النضال قدَم الشعب الصيني تضحيات جسام في “حرب الافيون” والحفاظ على وحدة البلاد، ومواجهة الفقر والعوز، وتخطي الثغرات بارادة من فولاذ.

ان تجربة بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية تؤكد لجميع الاحزاب الشيوعية ضرورة الحفاظ على هوية الحزب ومنطلقاته الفكرية بشكل تجديدي لأداء الرسالة التاريخية للبشرية في بناء الاشتراكية و ايجاد بديل للامبريالية والرأسمالية المتوحشة.

•الدكتور #كاوه_محمود: كاتب وباحث، وسكرتير الحزب الشيوعي الكوردستاني ووزير الثقافة السابق.
– المقالة منشورة باللغة الكوردية في جريدة الحزب الشيوعي الكوردستاني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.