موقع متخصص بالشؤون الصينية

علاقات الصين وإفريقيا.. أولوية ذات ميزة تفضيلية وتفاضلية

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
محمد بن الحبيب*:
يهتم المواطن الأفريقي بالعلاقات مع الصين في مختلف المجالات، وبضمنها الاقتصادية والسياسية بدرجة كافية من الثقة، وبعيداً عن ذلك “الحذر” الذي يبدونه عندما يتعلق الأمر بأمريكا وأوروبا، ويتجلى ذلك بالاهتمام بمضمونها ونتائجها بعيداً عن أدواتها وآلياتها بشكل يعكس نوعاً من الإرتياح لمنحى هذه العلاقات، والأمل المسبق في نتائجها وتطورها في المستقبل، وليس ذلك مجرد إنفعال حدسي أو رمي تكهني، وإنما هو نتيجة لتفاعل عوامل عديدة مع مكونات نموذج الانبعاث والصعود الصيني.
وقد لا يكفي وقوفنا على الملاحظة الأولية لهذا الموقف الإيجابي من العلاقات الصينية الإفريقية، بل يجب البحث عن الروابط المشتركة التي تدفع باتجاه توثيق هذه العلاقات وتطورها، خصوصاً عندما ندرك أن العلاقات الصينية الإفريقية لها عمق تاريخي متجذر منذ العصور القديمة، ففي زمن إمبراطورية أسرة “مينغ” الملكية في الفترة (1368-1644)، حيث وصلت قوارب التجارية والديبلوماسية العظيمة إلى شرق أفريقيا بالصومال وكينيا، نجد أن هناك صورة لعلاقة ودّية وإنسانية راقية، حيث كانت رحلة هذه القوارب تهدف إلى التعريف بعظمة الإمبراطورية الصينية مع تحقيق أهداف إقتصادية.
وقد تجسّدت صورة المودة والصداقة في تبادل الهدايا الصينية الثمينة بالحيوانات الأفريقية الغريبة، ولعل الصورة الجميلة والإيجابية التي يحتفظ بها الإنسان الأفريقي حول العلاقات الصينية الأفريقية، هي انعكاس لهذه البداية الودية، كما يبرز أن نعومة السياسة الدولية الصينية أصيلة ودائمة عبر التاريخ، وليست سلوكاً مؤقتاً أو مرتبطاً بهدف مناسباتي، ولكن يبقى السؤال المطروح ما هي العوامل ذات الخصوصية التي تدفع بهذه العلاقات الإيجابية ويجعلها ذات أولوية له وتعطيها هذه الميزة التفضيلية في العلاقات الدولية في الوسط الإفريقي؟
بالعودة إلى أغلب الدراسات التي تناولت مُحدّدات العلاقات الصين – أفريقيا، بالإضافة إلى نمط تعاطي الدول الأفريقية ودولة الصين، سواء بشكل منفرد على غرار الدول التي قطعت شوطاً كبيراً على الصعيد التجاري والاقتصادي، مثل مصر والسودان وجنوب أفريقيا والجزائر ونجيريا وكيينيا وزيمباوي…الخ، أو في التفاعل العميق لقارة أفريقيا مع دولة جمهورية الصين الشعبية، مثل ما هو الحال في منتديات العلاقات الصينية والأفريقية منذ تأسيس المنتدى عام 2000، الذي يُحدد لنا الدافع التنموي والإقتصادي والتجاري بشكل بارز وظاهر على كل الدوافع الأخرى، خاصة إذا تأملنا في الأرقام المهمة التي تدل على حجم العلاقات الاقتصادية الكبيرة منها، حيث وصلت التبادلات التجارية إلى 151 مليار دولار 2018، كما هو الحال بالنسبة للاستثمارات الصينية في الدول الأفريقية، والتي سجلت ارتفاعاً تجاوز 20% في السنوات العشر الماضية، تجسده أكثر من 10.000 شركة صينية متنوعة النشاط بين قطاعي التصنيع والخدمات، إلا أن هذه النتيجة في ظل السياسة الرشيدة التي تطبقها الصين منذ أربعين عاماً والمتمثلة في الإصلاح والانفتاح، وبفضل التسيير الحكيم والأمثل للرئيس الصيني شي جين بينغ، في الحقيقة عبارة عن انعكاس لذلك القبول والنجاح للعلاقات السياسية الثنائية بين الدول الأفريقية وجمهورية الصين الشعبية، بل هو يعبّر أيضاً عن أولوية كبيرة تحظى بها الصين في معرض العلاقات الدولية، والتي من المؤكد أنها محط منافسة كبيرة وشرسة، فلا نظن أن هذا الحجم من العلاقات الآفروصينية يتم تحقيقه في هدوء تام بعيداً عن المناوءات الأوروبية والأمريكية خصوصاً، والذي يعرف بشراسته وميله إلى الاستغلال والسيطرة الممتدة من الثقافة الاستعمارية القديمة.
قد يتبادر إلينا أن هذه المفارقة بين ودّية العلاقات الصينية وشراسة الإستغلال الغربية، هو العامل الوحيد في تحقيق الصين لميزة تفاضلية في بناء علاقات صينية مع أفريقيا، لكن أردتُ أن أشير هنا، الى أن هناك محدّدات عامة أكثر من هذه المقارنة، بل تتعداها إلى عوامل تاريخية وسياسية واقتصادية وثقافية.
نعود إلى عام 1996 حيث أعلن السيد جيانغ تسه مين رئيس جمهورية الصين الشعبية الأسبق، مبادئ حاكمة للعلاقات الصينية مع أفريقيا، في كلمته التي ألقاها في قمة الإتحاد الأفريقي وتمثّلت في التالي:
ـ الالتزام ببناء المساواة والاحترام المتبادل لسيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
ـ جعل الصداقة بين الطرفين التزاماً بأولوية في كل الظروف والأحوال.
ـ تنمية هي الهدف المشترك للطرفين في إطار تبادل المنافع.
ـ التطلع إلى المستقبل وبتصور يطمح إلى الأفضل دائماً.
ـ وأخيراً، توسيع أطر التعاون والتشاور الدوليين.
أعتقد أن إعلان مثل هكذا مبادئ راقية وإنسانية لا يكون إلا من دولة تستشعر وحدة المستقبل وتعتبر أن هناك روابط قوية تجمعها بالدول الأفريقية.
نعم الصين تدرك جيداًس التحديات وفي التاريخ المعاصر جمهورية الصين الشعبية والدول الأفريقية توحدت مصالحها، إذ وجمعت بينهما تجربة نضالية تكاد تكون مشتركة في مواجهات الاستعمار ضمن الحركات التحررية، حتى ولو اختلفت أشكاله وتباعدت جغرافيتهما ولكن ذلك كفيل بتوحيد الشعور لدى الطرفين.
على الصعيد السياسي ومنذ مطلع الخمسينات كانت المصالح السياسية مشتركة، وهي شراكة وليدة للنضال المشترك حيث كان الاعتراف المتبادل بين الصين والدول الأفريقية على غرار اعتراف مصر بالصين مطلع الخمسينات من القرن الماضي، ودعم الصين للحركات التحريرية الأفريقية كالثورة الجزائرية..
كما هناك عوامل ثقافية تعتبر من أهم المحددات التي تكرس التقارب الصيني الأفريقي، حيث يوجد حيث تتمتع ثقافتهما بالزخم الروحي والعراقة التاريخية المحتفظة بالكثير من الطقوس والعادات، مما يجعل رحلة الاستكشاف طويلة بينهما، كما أن التقدير لكل المعالم والمآثر الثقافية يكون عميقاً بينهما.
بالإضافة إلى أن المنهج الذي تتأسـس عليه العلاقات الإقتصادية من طرف جمهورية الصين الشعبية، سواءً فيما تعلق بالمنهج الإشتراكي الصيني، وما عرفه من اصطلاحات هيكلية جعلت منه نموذجاً خاصاً لتنمية الدول أو ذلك الاحترام الذي تقيدت به الصين بالنسبة للشؤون الداخلية في أفريقيا وعدم استغلال الأدوات الاقتصادية لأغراض سياسية، كما هو الحال في سلوك الدول الغربية تجاه أفريقيا، كل ذلك يجعل من التعاون الإقتصادي بين الصين وأفريقيا بطابع خاص مثمر ومشجع للتطوير ويعود بالنفع لكليهما.
كما يُعتبر إعلان الرئيس المُلهم شي جين بينغ في العام 2013، عن بعث طريق الحرير المنبثق من عمق 2000 سنة للمسارات التجارية الصينية، المؤَسِسَة لقاعدة صلبة لمبادرة الحزام والطريق، والتي تعتبر من الناحية الاقتصادية طموحاً عظيماً، فهي تقوم على بُنى تحتية بينية لأكثر من 60 دولة، وترمي نحو تنمية شاملة وعميقة وُمستدامة، وتعبر أيضاً عن جنوح الصين إلى سياسة عالمية عادلة وإنسانية مستقرة وآمنة، بل والتزام إستراتيجي بهذا التوجّه تميّزت به كل المجموعات الدولية الحالية التي لم تجعل قوتها مُستديمة لتفريطها في السلام العالمي.
إن هذه الخصائص لخلفية العلاقات الصينية الأفريقية سواء على مستوى:
– المبادئ الحاكمة للعلاقات الصينية الأفريقية؛
– المميزات التاريخية والسياسية والثقافية التي تمهد دائماً لتطور العلاقات بين الطرفين؛
– انتهاءً بالالتزام الإستراتيجي بالمصالح المشتركة والتنمية المتبادلة والحفاظ على السلام العالمي؛
تجعل الصين تتمتع بميزة تفاضلية لها في توطيد علاقاتها مع أفريقيا بل ويجعلها ذات أولوية، مقارنة مع التكتلات القائمة وهذا ما يُشير إليه المفكّرون والكتّاب والسياسيون في إفريقيا وبخاصة في الدول العربية، ويجعل العلاقات الأفريقية مع الصين محل استحسان وقبول رسمي واجتماعي لِما تبعثه من اطمئنان وآمان في هذه المجتمعات، وهو يدعم أيضاً الاستقرار السياسي المحلي، كون التوجه نحو الصين بإقامة شراكة قوية صينية أفريقية على مبادئ قوية أساسها تحقيق علاقة “رابح – رابح” للطرفين، وكذا التنمية في الاتجاهين، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وهي خصائص تُميز الصين في علاقاتها الخارجية وانفتاحها على العالم بأسره، القائم على الدفع بالتقارب السياسي والتاريخي والثقافي، مما يُقلّل من الأضرار وأشكال الإستغلال الأخرى التي تفرزها العلاقات الأفريقية مع الدول الغربية.

** #محمد_بن_الحبيب: كاتب في الجزائر في مجال السياحة والصناعة التقليدية، وعضو في الفرع الجزائري للاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكُتاب العرب أصدقاء (وحُلفَاء) الصين، وعضو في الجمعية الجزائرية للتوعية والتنمية الاجتماعية، وعضو في الجمعية الجزائرية للتراث والبيئة وتحسين المناطق الصحراوية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.