موقع متخصص بالشؤون الصينية

تعزيز تعاون منظمة “سيكا” وسيلة للحفاظ على السلام والأمن والاستقرار في آسيا

0

وكالة أنباء الصين الجديدة ـ شينخوا ـ
بقلم جلال شين:
من المقرر أن تعقد القمة الخامسة لمؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا (سيكا) في طاجيكستان في يوم 15 من شهر يونيو الجاري، حيث ستكون مسألة تعزيز التعاون الأمني الإقليمي إحدى القضايا الرئيسية خلال هذه القمة.
في عام 1992، تأسست “سيكا” التي تتخذ من العاصمة القازاقية أستانا مقرا لها منذ عام 2014. وتضم المنظمة 27 دولة كأعضاء دائمين و13 دولة أو منظمة أخرى بصفة مراقبة، بما فيها سبع دولة عربية، وهي مصر وفلسطين والأردن والإمارات العربية المتحدة والعراق والبحرين وقطر، بينما تشارك جامعة الدول العربية كمنظمة مراقبة.
بعد مرور 27 عاما، أصبحت سيكا منتدى تعاون أمني هو الأكبر تغطية وعضوية وتمثيلا في آسيا، هدفه توفير منصة تستفيد منها جميع الأطراف المعنية في تعزيز التواصل وتعميق الثقة المتبادلة وتقوية التعاون.
— الحاجة الملحة إلى تعزيز التعاون الأمني الإقليمي
راهنا، يمر العالم بتغييرات لم يسبق لها مثيل خلال السنوات الـ100 الماضية، وتشهد المنطقة الآسيوية تغيرات وتحديات جديدة. وإدراكا منها لذلك، يزداد وعي الدول الأعضاء للمنظمة بأهمية العمل معا لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة. وفي إطار ذلك، اتخذت “سيكا” إجراءات بناء الثقة في خمسة مجالات رئيسية، وهي السياسة العسكرية والتهديدات والتحديات الجديدة والاقتصاد والعلوم الإنسانية والبيئة، إضافة إلى 14 مجالا فرعيا.
ومنذ إنشائها، تمسكت “سيكا” بأهداف الثقة والحوار والحفاظ على السلام والأمن والاستقرار في آسيا، وقد لعبت دورا فريدا في تشجيع الحوار بين الحضارات وتعزيز التعاون الإقليمي. ويدل تاريخ تطور المنظمة على أن المفهوم المتمثل في تعزيز إجراءات الثقة في المجالات المتعددة الأطراف يتماشى مع تيار تنمية العصر والمطالب الأمنية من الدول الآسيوية ككل. وتعزز إجراءات بناء الثقة التي اعتمدتها بالفعل الثقة المتبادلة بين الدول الأعضاء، وهو ما يعد شرطا ضروريا لتحقيق السلام والأمن والاستقرار في المنطقة الآسيوية.
وتبين التطورات والتغيرات في الأوضاع الدولية والإقليمية أن الحفاظ على الأمن الإقليمي يتطلب تضافر جهود الجميع. ويتسق تعاون “سيكا” مع التطلعات المشتركة للدول الآسيوية في استكشاف مسار الأمن والتنمية على الصعيد الإقليمي، ومع اتجاه العصر نحو السلام والتنمية والتعاون والربح المشترك للجميع، وأظهرت المنظمة حيويتها مع اعتناق مبدأ التعاون من خلال التشاور والبناء المشتركين، وإتباع روح العصر التي تتسم بالانفتاح والشمول.
وما يميز آسيا اليوم هو وضعها الفريد والهام في عملية السلام والتنمية في العالم، إذ أنها المنطقة الأكثر حيوية وإمكانية في العالم. وتقود آسيا الاقتصاد العالمي وتتسيد عملية التعاون والتكامل الإقليمي، في حين يرتقي الموقع الاستراتيجي لآسيا في التنمية العالمية. وفي الوقت نفسه، تعد آسيا أيضا “المنطقة المنكوبة” أو “منطقة الخطر” جراء التهديدات الأمنية والصراعات والاضطرابات، ويعاني التعاون في المجال الأمني بآسيا من “أوجه قصور” عدة، إذ ما تزال المسائل الأمنية التقليدية مثل الاضطرابات والصراعات المحلية قائمة، وأصبحت التهديدات الأمنية غير التقليدية مثل الإرهاب بارزة على نحو متزايد، ورفقة ذلك برزت الحاجة الملحة لتعزيز التعاون الأمني الإقليمي.
— الأمن المشترك هو السبيل للخروج من “الورطة”
نظرا لكثرة عدد الدول الأعضاء، فإنه من الصعب تنسيق مصالح جميع الأطراف. مع ذلك، فإن ما تحتويه الدول الآسيوية من تنوع يساهم في توفير الحكمة اللازمة لحل المشاكل.
“حتى الآن لم تشكل آسيا إطارا أمنيا شاملا يغطي المنطقة بأكملها، على الرغم من أن هناك بعض الهياكل الأمنية الإقليمية ودون الإقليمية، مثل منظمة شنغهاي للتعاون، والمنتدى الإقليمي لرابطة دول جنوب شرق آسيا (أسيان) وبعض آليات التعاون في مجال الأمن البحري بين الصين والأسيان”، حسبما ذكر قاو تسو قوي ، نائب رئيس معهد البحوث الإستراتيجية الدولية من جامعة الحزب المركزية.
وقال قاو إن “سيكا” تتيح منبرا مهما يخول جميع الأطراف مناقشة واكتشاف إمكانية إنشاء هيكل أمني شامل على هذا الأساس، وهو ما يندرج أيضا ضمن إطار جهود المنظمة.
وحول كيفية حل المشاكل الأمنية رأى روان تسونغ تسه، نائب الرئيس التنفيذي في الأكاديمية الصينية للدراسات الدولية، أن الأمن المشترك هو المخرج لحل المشاكل، مؤكدا أن الحوكمة الأمنية في آسيا ينبغي أن تلبي احتياجات آسيا، حيث تركز على الأمن المشترك والتمسك بالنهج الآسيوي والاحترام المتبادل والتوافق وإيلاء العناية من جميع الأطراف ولكل الدول الآسيوية، وهي ليست بقليلة.
وقال روان إن “سبب التأخر في حل بعض القضايا الساخنة في آسيا لمدة طويلة، يرجع إلى تعقد المشكلة نفسها، ليس هذا فحسب بل المفهوم الصفري الذي تتبناه بعض الأطراف”، مشيرا إلى أنه لا يمكن لآسيا مواجهة التحديات في القرن الحادي والعشرين بأسلوب وعقلية القرن العشرين، إذ ينبغي أن تولي جميع الأطراف اهتماما متزايدا إزاء العمل على التسوية الفعالة للخلافات والاحتكاكات وسد أوجه القصور في مجال الأمن مستقبلا.
وقال وو شين بو، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد الدراسات الدولية في جامعة فودان ومدير مركز البحوث الأمريكية، إنه من الصعب إنشاء آلية أمنية واحدة تغطي المنطقة بأسرها نظرا لاختلافات كبيرة فيما يتعلق بالمصالح الضمانية بين الدول في منطقة آسيا وتنوع وتباين أنماط الأمن. ولذلك، ينبغي بناء منصات متغايرة في مختلف المناطق دون الإقليمية.
من جهته، اعتبر لي شيانغ يانغ، رئيس معهد البحوث الإستراتيجية العالمية لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إنه غالبا ما تقف وراء مصادر المخاطر الأمنية أو التهديدات الأمنية القائمة في آسيا لعبة مصالح بين الدول الكبرى، موضحا “مع تدخل الدول الكبرى، من المحتمل أن يزداد هذا الخطر. ولذلك، فإن الاعتماد على الحوار والتشاور والتسوية السلمية هو أمر بالغ الأهمية، وإلا فإن العواقب التي ستُجلب على المنطقة والعالم كله سيكون من الصعب تقييمها.
— تنمية آسيا تعتمد على التعاون المشترك للدول الأعضاء
السلام والأمن والرخاء والازدهار هي تطلعات مشروعة مشتركة لشعوب جميع الدول الآسيوية. بالتالي فإن الأخذ بيد الدول الآسيوية وإنهاضها هي مهمة تشترك فيها جميع هذه الدول. وعليه ينبغي أن تأخذ جميع الأطراف مفهوم اﻷمن الآسيوي بشكل جدي بغية تعزيز بناء إطار التعاون في مجال الأمن الإقليمي.
وأشار ليو جيان تشاو، مساعد وزير الخارجية الصيني ونائب مدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية المركزية، إلى أن جوهر مفهوم الأمن الآسيوي يكمن في أربعة جوانب:
الأول هو الأمن المشترك. ما يسمى الأمن المشترك يعني عدم السعي وراء تحقيق الأمن الذاتي المطلق لبلد واحد أو مجموعة من الدول فقط، بل تهيئة بيئة أمنية مشتركة لجميع الدول.
الثاني هو الأمن الشامل. ولا يقتصر على الأمن التقليدي، ولكن أيضا على الأمن غير التقليدي، بما في ذلك الأمن العسكري والأمن الاقتصادي، وأمن المعلومات، والأمن الغذائي والأمن البيئي وأمن الطاقة. وتحتاج هذه المجالات إلى جهود مشتركة من المجتمع الدولي.
الثالث هو الأمن التعاوني. من المستحيل الحفاظ على أمن المنطقة بأسرها بدون التعاون. لذلك، للحفاظ على البيئة الأمنية العامة في آسيا، وبناء الهيكل الأمني العام، فمن الضروري أن تعمل جميع الدول على تعزيز التعاون من خلال تضافر جهود التعاون والثقة المتبادلة.
الرابع هو الأمن المستدام. بغية تحقيق استقرار طويل الأجل في المنطقة، فنحن بحاجة إلى حل بعض القضايا الساخنة العالقة في المنطقة، وعلينا أن نعمل معا لبناء الهيكل الأمني في المنطقة.
في هذا الصدد، طرح يانغ مينغ جيه مدير معهد بحوث تايوان التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، نائب رئيس الأكاديمية الصينية للعلاقات الدولية الحديثة، ثلاثة مقترحات: أولا، إنشاء آلية تعاون أكثر فعالية في مجال الأمن النووي للتعامل مع مسائل الأمن النووي. وثانيا، تعزيز بناء البنى التحتية للشبكة الإقليمية وإنشاء آليات أمنية معينة للتعامل مع مسائل أمن الشبكات. وثالثا، إنشاء آلية للتعاون في مجال الفضاء وتعزيز الثقة المتبادلة الإستراتيجية وتبادل المعلومات الاستخباراتية للتعامل مع مسائل الإغاثة في حالات الكوارث الطبيعية.
اختصارا، تنمية آسيا تعتمد على التضافر المشترك للدول الأعضاء للمنظمة، ويعتمد مستقبل آسيا على التعاون المشترك للدول الأعضاء. ومن خلال منبر مؤتمر “سيكا”، سيكون من المفيد جدا للدول الآسيوية تعزيز الحوار والتواصل ومناقشة كيفية الحفاظ على الأمن الآسيوي، بحيث يمكن إسماع العالم بأن الدول الآسيوية قادرة على أخذ زمام إدارة الشؤون الآسيوية، لما تتمتع به من حكمة ومقدرة عبر التعاون المشترك لحفظ وتعزيز السلام والأمن والاستقرار في آسيا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.