موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين تحارب الفقر في “سقف العالم” بالتنمية والابتكار

0

وكالة أنباء الصين الجديدة ـ شينخوا ـ
بقلم محمد مازن:
في ظل قيادة الحزب الشيوعي الصيني، حققت منطقة التبت ذاتية الحكم جنوب غربي الصين أكثر التحولات الاجتماعية اتساعا وعمقا في تاريخها. وبفضل الدعم القوي من الحكومة المركزية والشعب في جميع أنحاء البلاد، نمت التبت القديمة الفقيرة والمتخلفة إلى تبت جديدة تتميز بالازدهار الاقتصادي والثقافي والتقدم الاجتماعي الشامل والبيئة الايكولوجية السليمة والحياة السعيدة.
هذا هو الواقع الذي تعيشه التبت حاليا. فلم تعد التبت منطقة منعزلة مغلفة بالغموض والأساطير، بل تنفذ اليوم سياسة أكثر انفتاحا على العالم، وتجري تعاونا بشكل أوسع مع العالم.
وفي زيارتي الأولى إلى التبت، لمست تطورا كبيرا في مشاريع البنية التحتية– طرق ثعبانية وسكك حديدية وأنفاق تشق الجبال الشاهقة، وخطوط طاقة على ارتفاعات عالية، وأبنية متباينة الارتفاعات، تتناسب مع الخصوصية الثقافية للمنطقة، والمستقبل الذي تراه الحكومة المركزية لها.
“المنطقة تغيرت في السنوات الستين الماضية” عبارة سمعتها عدة مرات على ألسنة مسؤولين مركزيين وإقليميبن، لكنهم في الوقت نفسه يتحلون بالواقعية، ويؤكدون أن مهمتهم لا تزال طويلة وشاقة والتحديات كثيرة.
ومع حرصها على تعزيز التنمية والتكنولوجيا في كافة ربوع الصين، لم تقف الحكومة الصينية مكتوفة الأيدي أمام التضاريس الوعرة للمنطقة، بل جاهدت بكل إمكاناتها ومواردها من أجل 3.44 مليون مواطن يعيشون هناك بهدف تحقيق التنمية الشاملة لأهالي تلك المنطقة.
قرية شيغا مونبا نموذجا
على الطريق الواصل بين نيبنغتشي ولاسا، توقفنا في قرية شيغا مونبا، حيث تنتصب قرية جميلة، بيوتها متراصة بشكل منظم وألوان جميلة وسط الجبال.
هبطنا في مطار ميلين القريب الذي افتتح في سبتمبر٢٠٠٦. إن هذا المطار هو أول اختيار مناسب للسائحين للدخول والخروج من التبت نظرا لارتفاعه المنخفض وثراء المنطقة بالأوكسجين.
وبنيت قرية شيغا مونبا في ٢٠٠٣ لإعادة توطين سكان محافظة موتو على الحدود مع نيبال. وانتقل المزارع باي ما دينغ تسنغ إلى تلك القرية في ٢٠٠٣ مع والده في إطار برنامج حكومي محلي لتحسين حياة الفقراء. كانت حياته صعبة كما يقول من جراء نقص البنية التحتية والطرق الممهدة ووسائل النقل.
وعملت الحكومة المحلية على تطوير وتحديث القرية من جميع الجوانب، وإنشاء مصنع للورق، كما أقامت متحفا لبيع المشغولات اليدوية التي ينتجها أبناء القرية.
وبنى الرجل، حاله حال كل القرويين هناك، منزله بمساعدة الحكومة من خلال قرض ميسر كما يزرع في حوالي 9 فدادين شعيرا وأعشابا طبية يتم تصديرها إلى الخارج. ويتراوح متوسط دخل الأسرة في القرية الآن بين 3 آلاف و3500 يوان ( دولار واحد يساوي 6.9 يوان) شهريا.
نجاحات في القضاء على الفقر
وضربت الصين نموذجا في انتشال الفقراء وتحسين حياة الريفيين. وحققت منطقة التبت تقدما حاسما في قضية التخفيف من الفقر في عام 2018، بانتشال 180 ألف شخص من تحت خط الفقر. وفي العام الماضي، أطلقت أكثر من 700 مشروع لتخفيف وطأة الفقر، ودرّبت 36 ألفا من المزارعين والرعاة المنكوبين بالفقر، ووفرت 47 ألف وظيفة جديدة في مجال الحماية البيئية، وفقا لما ذكر لنا تشي تشا لا رئيس الحكومة المحلية.
وأعلنت لاسا مؤخرا انتشال آخر 44 ألف شخص من تحت خط الفقر في العام الماضي، ما يشير إلى انتصار الحملة ضد الفقر، الذي كانت الظروف الطبيعية القاسية جزءا من أسباب رسوخه في المنطقة.
المنطقة للجميع وكذلك الثمار والكسب
إن حكومة الصين تعمل بجد لتعزيز إحساس الناس من جميع العرقيات بالمشاركة والكسب، وضمان أن ثمار التنمية يتقاسمها الجميع. وتبرز قرية تراشينغ التابعة لبلدة لولانغ السياحية الدولية كمثال بارز أيضا على جهود الحكومة في القضاء على الفقر الريفي. وتقع القرية على الطريق الوطني ٣١٨، المصنف من بين أجمل الطرق في الصين.
على الطريق الذي يشق الجبال واحدا تلو الآخر بشكل ثعباني يمكنك أن تلحظ جهود الحكومة الصينية في الحفاظ على البيئة، أنهار نظيفة ووديان وسهول بكر جميلة، وتتمتع البلدة بمناظر خلابة ووسائل نقل مريحة وموارد بشرية وطبيعة وافرة.
وحققت القرية قفزة تنموية كبيرة وارتفعت دخول سكانها بشكل كبير بفضل خطة محلية تقودها بلدة لولانغ للسياحة الدولية، مدعومة بفكر مبتكر لتعزيز الفنادق العائلية وغيرها من الصناعات المرتبطة بالسياحة اعتمادا على الموارد المحلية.
وتنتشر الفنادق العائلية بكثرة في القرية الصغيرة في إطار جهود الحكومة المحلية لرفع مستوى معيشة القرويين وتعزيز التنمية السياحية في نيينغتشي، ومساعدة التبت على التحول الى مقصد سياحي دولي.
قابلنا رجل يبلغ من العمر 46 عاما، يدير منزله بهاتف ذكي بحذاقة تكنولوجية مستخدما الانترنت وتطبيقات شعبية مثل ويتشات وموقع ويبو رغم حظه القليل من التعليم. ويضع رمز الاستجابة السريعة (كيو آر) الخاص بفندقه العائلي الصغير لمسحه عند الدفع أو الرغبة في الإطلاع على عروضه وخدماته.
وتتوفر بالنزل كافة الخدمات التي يمكن أن يحتاجها السائح بما في ذلك خدمة الواي فاي. ويقول صاحبه “داو وا” ويعني القمر، إنه يستضيف 30 سائحا على الأقل شهريا، ويجني حوالي١٠ آلاف يوان.
وبحسب ما ذكر لنا المسؤولون المحليون من بيانات، يوجد بالقرية 327 عاملا في السياحة موزعين على 66 منزلا و51 فندقا عائليا تضم أكثر من 1200 سرير. وفي 2018 استقبلت القرية إجمالي 75 ألف سائح وحققت إيرادات بلغت 4.6 مليون يوان بينها 2.85 مليون يوان للفنادق العائلية.
لولانغ: مشروع سياحي رائد بخصائص تبتية
وتبرز التنمية الأكثر إعجابا واتفاقا مع العصر الجديد في بلدة لولانغ نفسها. البلدة السياحية تشبه المنتجع لكن يزيد أنها متكاملة تنمويا. لولانغ تبرز كنموذج رائع يجمع بين التنمية الإيكولوجية والتكنولوجية بخصائص تبتية محلية. وتقدم الحكومة هذا المنتجع الجبلي كمشروع رائد في إطار جهودها لتحويل التبت إلى مقصد سياحي دولي.
وتنعم البلدة التي تشتهر باسم سويسرا الشرق، بمناخ معتدل وكميات كافية من الأوكسجين رغم ارتفاعها الذي يصل في أعلى نقاطها إلى أكثر من 5 آلاف متر. وتوفر تجربة أسلوب الحياة التبتي الريفي التقليدي بمفهوم يجمع بين” التناغم بين الإنسان والطبيعة والحداثة والهدوء والابتكار والاستجمام والراحة”.
اصطحبنا مدير المنطقة ويدعى شي بينع هوي في جولة تفقدية للمركز الفني وعرفنا أن “البلدة أقيمت باستثمارات ضخمة من حكومة مقاطعة قوانغدونغ الصينية بقيمة ٣.٨ مليار يوان لمساعدة التبت”، ما يدل على تضامن المقاطعات الصينية مع بعضها والتفافها حول أهداف الحكومة المركزية بينما تمضي قدما في تحقيق أهدافها المحلية.
وتشهد البلدة على حجم التطور السياحي في المنطقة. ومنذ افتتاحها أمام العامة في عام 2016، استقبلت أكثر من مليون وافد، ما عزز النمو الاقتصادي المحلي ورفع دخل الناس الذين يعيشون في المناطق الريفية المحيطة.
وتتضمن حضانة لريادة الأعمال وقواعد تدريب ومراكز تمويل وخدمات مالية وتوفر مناطق عمل للشركات. وتعتمد على أفكار خلاقة في الإقامة مبنية على الإبداع والأزياء والراحة والاستجمام وإقامة أنشطة ثقافية بانتظام لتلبية مطالب الفئات المختلفة.
كما تستفيد من مزايا الاقتصاد الرقمي واستخدام إنترنت الأشياء. ويوجد بها مركز تجاري سياحي ثقافي يضم 458 منتجا وأكثر من 2000 سلعة من 17 فريقا محليا موزعين على 7 مناطق تبتية، تتنوع ما بين ملابس تبتية محلية وأواني حجرية ومنتجات خشبية محلية وبخور تبتي ومنتجات غابات من أعشاب وفطر وفواكه جافة ولحوم ثيران الياك مطبوخة للبيع وفقا لنماذج بيع متصلة وغير متصلة بالانترنت.
وتعمل البلدة على جذب الموارد وفرق البحث العلمي والقوة التقنية للمقاطعات والمناطق الأخرى إلى التبت، فضلا عن إقامة مشاريع خاصة في الطب الوراثي والبيولوجي التي تشتد الحاجة إليها في التبت.
الإزدهار المشترك
وبالقرب من مدينة يينغتشي نفسها تجد قرى استفادت جيدا من التطور الذي شهدته المدينة. وفي قرية “با جي” يمكنك أن تلحظ الثراء بشكل واضح يبدو على سكان القرية التي تبعد عن مدينة نينغتشي ٥ كم فقط.
منازل واسعة مكونة من طابقين أو ثلاثة تحيط بكل منها حديقة خاصة تجمع اشجارا وأزهارا متنوعة، وعند دخولك لأي منها تتأكد من صدق هذا الإحساس على الفور.
لوه سانغ رجل ثري يصل دخله السنوي إلى ٤٠٠ ألف يوان. ويملك لوه الذي يعيش في منزل فخم مكون من ٣ أدوار، ٨ سيارات وشاحنتين، حيث يكسب رزقه من تأجير هذا الأسطول في الأعمال اللوجيستية.
لفت الرجل الذي يفصله عن الستين أقل من عامين إلى أنه غير نشاطه أكثر من مرة، حيث كان ينقل مواد حجرية ورملية من الغابات لاستخدامها لكنه اضطر الى تغيير نشاط عمله الى السياحة بعد تشديد الحكومة للاجراءات المحافظة على البيئة والغابات.
ولم يظهر الرجل غضاضة في ذلك، قائلا إن “ما تفعله الحكومة بالطبع هو الصحيح ويصب في صالح المنطقة والبيئة”.
ويسكن القرية 476 شخصا بمجموع 100 أسرة، بما في ذلك 189 عاملا. وفي عام 2018 وصل إجمالي الدخل الاقتصادي للقرية إلى أكثر من ٢١ مليون يوان ونصيب الفرد الواحد من الدخل القومي للقرية ٢٥ ألف و٧٠٠ يوان.
لا تقدم بدون تعليم جيد وتعزيز صحة الإنسان
لكن هذا ليس كافيا لإعداد إنسان جيد، لذلك حرصت الحكومة على إعطاء جل الاهتمام لتعليم وصحة سكان المنطقة.
وتحت شعار”خلق كل الظروف لنمو صحي للطلاب وإسعاد المدرسين والتنمية المتناغمة للمدرسة” تمسكت مدرسة نينغتشي الابتدائية رقم ٢ في مدينة نينغتشي بالإصلاح والتحسين والتميز ومواكبة العصر والابتكار الرائد منذ تأسيسها العام ١٩٧١.
وتقدم المدرسة مثالا للتعايش السلمي بين أبناء القوميات العرقية المختلفة حيث يدرس أكثر من ١٨٠٠ طالب من قوميات الهان والهوي والتبت والمونبا واللوبا والدنغ جنبا إلى جنب في ٢٤ فصلا للغة التبتية و٢٠ فصلا للغة الصينية.
وإلى جانب تعليم الطلاب كيفية التعامل مع البيئة الخاصة بالتبت في المدرسة، يتعلم الطلاب الفنون والموسيقى والرقص والعلوم والآداب بروح الحضارة والتناغم والعملية والاستمتاع بالتعلم والسؤال المستمر والممارسة مع إرساء صفات الأمانة والشجاعة والحيوية والوحدة في نفوس الطلاب. وتغطي المدرسة مساحة ٣٩٢٠٩ أمتار مربعة فيما تبلغ مساحة الانشاءات ٢٣٣٠٢ متر مربع.
ونجحت التبت في تحقيق أرقام مبهرة في نسبة الالتحاق بالمدارس. وفي عام 2018، بلغ صافي معدل الالتحاق بالمدارس الإبتدائية 99.5 بالمائة والإعدادية والثانوية والتعليم العالي 99.5 بالمائة و82.3 بالمائة و39.2 بالمائة على التوالي.
وفي المجال الطبي، يوجد في التبت حاليا 1547 مؤسسة طبية من مختلف الأنواع، متوفر بها 16787 سريرا ويعمل فيها 19035 شخصا من العاملين في المجال الطبي، حيث زادت الأرقام 24 مرة و35 مرة و23 مرة على التوالي مقارنة بتلك قبل الإصلاح الديمقراطي. ويبدو تأثير التطور في المجال الصحي جليا في ارتفاع متوسط عمر الفرد الى 68.2 سنة من 35.5 سنة قبل 1959، عام ادخال الاصلاحات الديمقراطية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.