موقع متخصص بالشؤون الصينية

الابتكار يدفع عجلة النمو السياحي في التبت في عصر الاقتصاد الرقمي

0

وكالة أنباء الصين الجديدة ـ شينخوا ـ
بقلم محمد مازن:
” دا وا” رجل تبتي أباً عن جد، يسكن في قرية تراشيغانغ في بلدة لولانغ السياحية الدولية بمدينة نيينغتشي في منطقة التبت ذاتية الحكم بجنوب غربي الصين. من مظهره وملامحه يستشف الناظر من الوهلة الأولى أنه مجرد مزارع بسيط لم يأخذ حظه من التعليم، لكنه في الواقع يتمتع بحذاقة في التعامل مع التكنولوجيا ويدير منزله الآن باحترافية كفندق صغير.
تنتشر الفنادق العائلية بكثرة في القرية الصغيرة في إطار جهود الحكومة المحلية لرفع مستوى معيشة القرويين وتعزيز التنمية السياحية في نيينغتشي، ومساعدة التبت على التحول الى مقصد سياحي دولي.
يستخدم الرجل البالغ من العمر 46 عاما، والعائل لـ 3 أبناء، هاتفا ذكيا في الترويج للنُزُل العائلي والرد على أسئلة الراغبين في تأجير سرير أو غرفة منفصلة للاستمتاع بجمال الطبيعة وسحر المناظر الخلابة في المنطقة المحيطة. وعلى منضدة بسيطة تتوسط غرفة الضيافة الرئيسية، يضع دا وا رمز الاستجابة السريعة (كيو آر) الخاص بفندقه العائلي الصغير على تطبيق ويتشات، لمسحه عند الدفع أو الرغبة في الإطلاع على عروضه وخدماته.
“الكثير من السياح يختارون منزلي للإقامة فيه عندما يتصفحون صفحتي”، يقول المزارع بفخر وهو يطلعنا على صور بعض النزلاء السابقين وشهادات التكريم المتعددة التي حصل عليها. وبالإضافة إلى تطبيق “ويتشات”، يستخدم الرجل موقع “ويبو” الصيني الذي يعتبر نسخة من تطبيق “تويتر” الشهير لتعزيز عمله التجاري.
تبلغ مساحة النزل العائلي حوالي 400 متر مربع، ويحتوي على 9 غرف و18 سريرا. ويقدم ثلاث وجبات للمقيمين حسب الطلب، كما أنه مزود بخدمة الواي فاي، فيما يعمل أفراد عائلة دا وا على خدمة الضيوف بمبدأ توزيع الأدوار فيما بينهم مثل الموظفين في الفنادق العادية.
وفي زيارة إلى منزله نظمتها اللجنة المنظمة لـ”منتدى تنمية التبت 2019″ للضيوف الأجانب، قال دا وا “: لم يكن ذلك ليحدث لولا السياسات الجيدة ومساعدة الحكومة المحلية”، مشيرا إلى التزام الحكومة المحلية في السنوات الأخيرة بمساعدة الرعاة والمزارعين للخروج من الفقر.
تقع قرية تراشيغانغ على الطريق الوطني السريع 318، أحد أجمل طرق الصين، على بعد 75 كم من مدينة نينغتشي. وتتمتع البلدة بمناظر خلابة ووسائل نقل مريحة وموارد بشرية وطبيعة وافرة، ما أهلّها لتحقيق قفزة تنموية كبيرة بفضل خطة محلية تقودها بلدة لولانغ السياحية الدولية، مدعومة بفكر مبتكر لتعزيز الفنادق العائلية وغيرها من الصناعات المرتبطة بالسياحة اعتمادا على الموارد المحلية.
ويوجد بالقرية 327 عاملا في السياحة موزعين على 66 منزلا و51 فندقا عائليا تضم أكثر من 1200 سرير. وفي 2018 استقبلت القرية إجمالي 75 ألف سائح وحققت إيرادات بلغت 4.6 مليون يوان بينها 2.85 مليون يوان للفنادق العائلية.
وقال دا وا :” الحكومة ساعدتني في بناء المنزل وأتاحت لي أيضا فرصة الحصول على دورات تدريبية مجانية في التسويق والإدارة عبر الانترنت مع أصحاب الفنادق العائلية هنا”.
وبات نزل دا وا العائلي أحد دور الضيافة السياحية الأكثر شعبية التي يقصدها بعض المشاهير، وفقا لقوله. ويستضيف 30 سائحا على الأقل شهريا، ويجني حوالي10 آلاف يوان شهريا، ما يمثل قفزة كبيرة مقارنة بدخله السابق من عمله الزراعي.
وأضاف:” في الماضي كان السياح يأتون إلى القرية ويختارون بعد ذلك المكان. لكن بفضل تطور البنية التحتية للإنترنت أصبح السياح الآن يحجزون الغرف مباشرة عبر الإنترنت، ويأتون إلى هنا بأنفسهم بمساعدة الخرائط على الإنترنت”.
وتتوفر منصة ذكية على الانترنت لمنطقة نينغتشي تقدم للسياح معلومات محددة حول المنطقة والمنتجعات والمطاعم والفنادق ووكالات السفر ونسبة التدفقات السياحية وكذلك تقارير عن حركة المرور وتوقعات الطقس.
وتنعم بلدة لولانغ السياحية الدولية التي تشتهر باسم سويسرا الشرق، وتعني” وادي ملك التنين” و” المكان الخالد”، بمناخ معتدل وكميات كافية من الأكسجين رغم ارتفاعها الذي يصل في أعلى نقاطها إلى أكثر من 5 آلاف متر. وفي المنطقة ذات المناظر الطبيعية الخلابة التي تبلغ مساحتها 10 كيلومترات مربعة، يمكن للمرء أن يجد مناظر طبيعية واسعة النطاق بما في ذلك الأنهار الجليدية والجبال والأودية والغابات والبحيرات، كما يمكنه أن يختبر الحياة التبتية التقليدية بخصائصها الفريدة.
وأصبحت بلدة لولانغ للسياحة الدولية، التي تقدمها حكومة المنطقة كمشروع سياحي رائد، وجهة رائعة للسياح الذين يريدون تجربة أسلوب الحياة التبتي الريفي التقليدي بمفهوم يجمع بين” التناغم بين الإنسان والطبيعة والحداثة والهدوء والابتكار والاستجمام والراحة”، بعد ضخ استثمارات ضخمة من حكومة مقاطعة قوانغدونغ الصينية بقيمة 3.8 مليار يوان.
وتجمع البلدة التي تشبه المنتجع منشآت تجارية وصناعية وسياحية بما في ذلك 3 فنادق من فئة النجوم الثلاث “بولي وايرغراندي وبيرل ريفر” ومنطقة خدمات داعمة ومركز إداري ومنطقة مشاة تجارية. وأقيمت شبكة طرق معبدة لتحسين الاتصال بين مراكز البلدة الرئيسية والقرى المجاورة. وتتوفر فيها بنية تحتية عامة قوية من محطات مياه وتدوير للقمامة ومعالجة للصرف الصحي.
وفي الجانب الغربي من لولانغ يوجد مركز فني تحت اسم “ميكر” يديره شي بينغ هوي من قوانغدونغ. حيث قال شي لنا خلال جولة تفقدية اصطحبنا خلالها للتعرف على المركز إن “البلدة السياحية شيدت باستثمارات من مقاطعة قوانغدونغ لدعم تنمية التبت. ومنذ افتتاحها أمام العامة في عام 2016، استقبل المنتجع أكثر من مليون وافد، ما عزز النمو الاقتصادي المحلي ورفع دخل الناس الذين يعيشون في المناطق الريفية المحيطة”.
ويتولى مركز “ميكر” التخطيط السياحي للمنطقة والصناعات المرتبطة. وبُني باستثمارات بلغت 130 مليون يوان. ويتضمن حضانة لريادة الأعمال وقواعد تدريب ومراكز تمويل وخدمات مالية ويوفر مناطق عمل للشركات. ويعتمد على أفكار خلاقة في الإقامة مبنية على الإبداع والأزياء والراحة والاستجمام واقامة أنشطة ثقافية بانتظام لتلبية مطالب الفئات المختلفة.
وللتخفيف من وطأة الفقر بالاستفادة من مزايا الاقتصاد الرقمي واستخدام إنترنت الأشياء، قال شي إن المركز يقدم ملابس تبتية محلية وأواني حجرية ومنتجات خشبية محلية وبخورا تبتيا ومنتجات حرجية من أعشاب وفطر وفواكه جافة ولحوم ثيران الياك المطبوخة للبيع وفقا لنماذج بيع متصلة وغير متصلة بالانترنت.
ويستفيد المركز من الكمبيوتر العملاق تيانخه-2 ويعمل على جذب الموارد وفرق البحث العلمي والقوة التقنية للمقاطعات والمناطق الأخرى إلى التبت، فضلا عن إقامة مشاريع خاصة في الطب الوراثي والبيولوجي التي تشتد الحاجة إليها في التبت.
وبفضل تلك الجهود، أصبحت تراشيغانغ التي تعني بالصينية “الحظ السعيد” اسماً على مسمى، إذ تتميز الآن ببنايات مرتبة، بينما يعيش أهلها حياة أفضل من السابق في مكان كان يصعب الوصول اليه ومرافق وخدمات غائبة، إلا أن حلم أهل القرية الآن قد تحقق بالسكن في بيوت جيدة وحياة سعيدة بفضل ثمار التحول الديمقراطي في التبت.
وعلى نفس الطريق السريع الوطني جنت قرية با جي، أكبر قرية إدارية في بلدة با يي، ثمار قربها من التنمية السريعة التي شهدتها مدينة نينغتشي على كافة المستويات، حيث يسكن القرية 476 شخصا بمجموع 100 أسرة ، بما في ذلك 189 عاملا. وفي عام 2018 وصل إجمالي الدخل الاقتصادي للقرية إلى أكثر من 21 مليون يوان ونصيب الفرد الواحد من الدخل القومي للقرية 25,700 يوان.
وأحسنت با جي الاستفادة من فرص البناء الحضري في مدينة نينغتشي لإنشاء كيانات اقتصادية مثل فريق نقل للسيارات والتعاونيات المهنية في الزراعة والتربية. من خلال التطوير المستمر، قدمت القرية نموذجا تعاونيا في التنمية الاقتصادية يعتمد على جذب الأعمال والاستثمار وتحقيق الأرباح الجماعية وتقاسمها. وتتوفر بالقرية حديقة للخدمات اللوجستية الصناعية، ومع الوقت تم تحسين الوعي البيئي تدريجيا في هذه القرية. ففي عام 2018 ، كسبت 18.14 مليون يوان من النقل والصناعة الحقيقية والسياحة واللوجيستيات والتجارة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.