موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصينيون رواد العالم وأسياد الجيل الخامس

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
د. حمزة رافع الفضلي*:
أعلن الفضاء السيبراني للصين عن وجوده بكل ثقة وتَمكّن، فمنذ أول رسالة إلكترونية في 20 سبتمبر 1987، كانت أُرسلت الى العالم، أكدت هذا المحتوى المندفع إلى الأمام لتحقيق أعلى نجاح، إذ أشارت إلى: “من وراء سور الصين العظيم، يمكننا الوصول إلى أي ركن في العالم”. وبذلك، كشفت تلك الرسالة عن الاستراتيجية الصينية، والرغبة الجامحة لتكون قوة تقنية كونية، تمكنت خلال بضعة عقود من الزمن، في الوصول الى مختلف أركان الكرة الأرضية، ليس كمستهلك، بل كمنتج ومساهم في التطور العلمي والتكنولوجي العالمي، وقوة تتميز بطابع مؤثر في العصر الحديث(1).
في البدء كانت الاتصالات المتنقلة من G1 إلى 4 G موجهة نحو الأفراد، بتوفير المنتجات والخدمات عبر الاتصال فيما بينهم. أما الجيل الأخير 5G فهو موجّه الى “كل شيء” في العالم، أو ما يُسمّى بِ “أنترنت الاشياء”، فهو يستهدف أي شيء يمكن يلتصق به وحدة معالجة، وخاصية الإتصال بالإنترنت يُعتبر “شيىء” في “عالم إنترنت الأشياء”, وتتيحَ هذه الخاصية للإنسان التحرّر من المكان، والتحكم في الأشياء والأجهزة، دون الحاجة إلى تواجده في حيّز مُحدد.
أن الجيل الجديد من تكنولوجيا الاتصالات المتنقلة، سيوفر فرصة جيدة ضامنة للاتصالات من أجل الترابط وتطوير الذكاء الاصطناعي، الذي من شأنه أن يؤدي الى التحول من الابتكار في مجال واحد، الى الابتكار التأزري في جميع المجالات، ومن الخدمات الفردية إلى الخدمات الموجّهة نحو القطاعات. لذا، فأن الصناعة تتطلب ابتكارات مشتركة، ومعرفة متعمقة في تكنولوجيا المعلومات، مع كسر الحواجز، وتعزيز التكامل العميق للاتصالات المتنقلة، واستكشاف نماذج جديدة تماماً للأعمال التجارية تحقق مكاسب متبادلة، بالإضافة الى خلق مدن ذكية، ومجتمعات ذكية، في عالم ذكي، وهذا ما نلمسه في الصين ونتفاعل معه كل يوم .
آفاق جديدة في عالم جديد
استكمالاً لمسيرة النجاح، قامت الصين في بناء الشبكات الأساسية لجيلها القادم من الإنترنت، مع بُنية تحتية ضخمة لمدنها الذكية. فهناك أكثر من 500 مشروع تجريبي جاهز أو قيد الإنشاء، ما يمثل نصف إجمالي الإنتاج العالمي للمدن الذكية، لتصبح الرائدة والسبّاقة في تطوير أكبر تقنية إتصال عرفها البشر حتى الآن، والتي تعمل في شبكات الجيل الخامس 5G عن طريق منصات الذكاء الاصطناعي المُسمّى دماغ المدينة. أيضا قامت بإيجاد خطة انتقالية جديدة بين نسختي بروتوكول الإنترنت ونظام (اي بي في6) لتدقيق صحة عناوين المصدر، لضمان أمان الشبكة، مما يجعلها تقود العالم في تطوير إنترنت أضخم وأسرع وأكثر أمنا يسود في المستقبل (2). وبوصف الصين المحرّك الرئيسي لمشروع الاتحاد الاوروبي، والجهة الراعية لمركز الابتكار في المملكة المتحدة، فإنها تعمل بنشاط على بناء مجتمع بيئي عالمي غير محتكر للتكنولوجيا، وتضطلع ببحوث مشتركه وثيقه مع أكثر من 20 جامعة في جميع أنحاء العالم(3), وتسهم بشكل فعّال في تطوير التكنولوجيا اللاسلكية في المستقبل، وفي المعايير الصناعية وسلاسل التصنيع.
محور الصراع
“مصيدة ثيوكيديدس”(4)، أصبحت حقيقة واضحة في نظر المراقبين، المحللين الاقتصاديين والسياسيين المتتبعين للمواجهات ما بين الولايات المتحدة والصين. فالحرب التجارية أسالت الكثير من الحبر في الحديث عن مَن يكون القوة الأعظم عالمياً في مجال التكنولوجيا، في القرن الحادي والعشرين, وليس هناك مجال للنقاش أو الشك أن الـ5G هو الآن محور السباق بين الصين وأمريكا، إذا ما اعتبرنا أن هذه التقنية تشمل التسليح والبُنية التحتية، وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والحواسب الكمومية، والسيارات ذاتية القيادة (5)، فإن الصين تتطلع إلى شَغل موقع الصدارة الدولي في مستقبل الجيل الخامس، من خلال وضع معايير تقنية أساسية لن يكون أمام بقية العالم خيار سوى قبول نجاح رياديتها في هذا الحقل الواسع.
“الصين هي القصة الكبرى في القرن الحادي والعشرين”، وهو ما يُشير إليه الشعار الرنّان “صُنِع في الصين “2025” (6)، لذا، فأن “السباق الذي لا بد لواشنطن أن تفوز به”، على حد تعبير ترامب، بدا أشبه بمَن يصطاد الطيور السوداء في الظلام في بلد لا يوجد فيه طيور.
ختاماً, يكمن السّر في معادلة تقدّم الصين في بضع كلمات، من السهل إدراكها، لكن ليس من السهل تحويلها في العديد من دول العالم إلى أسلوب عمل على منوال الواقع الصيني، والمِثال على ذلك: الجدّية الصينية، الإتقان، الثواب والعِقاب دون تردّد أو مجاملة، التخطيط الصيني الجيّد في أعمال كل مؤسسة وكل فرد، والالتزام بنهج تنفيذ الخطة بدقّة، ومحاسبة المقصّرين في سياقاتها، دون قبول تأخير، أو تأجيل، أو أعذار ونقائص في طيّاتها.

نبذة عن الكاتب:
# د. حمزة رافع الفضلي: مُتخصّص في الشؤون الصينية، ومُقيم في جمهورية الصين الشعبية، وصديق مُقرّب للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحُلفاء) الصين.

المصادر:
1- عادل عبد الصادق, كيف وظفت الصين الشبكات الاجتماعية في خدمة التنمية.
2- الصين تقود التطور في الجيل القادم من الإنترنت تم الاطلاع عليه بتاريخ 10/6/2019: www.alriyadh.com/307972#
3- https://www.alahednews.com.lb/article تم الطلاع عليه بتاريخ12/6/2019.
4- أنور محمود زناتي, موسوعة تاريخ العالم، 2007.
5- آرثر هيرمان مقال, 5G الحرب من أجل مستقبل العالم.
6- شبكة الصين: http://arabic.china.org.cn/txt/2018-06/24/content_53244931.htm

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.