موقع متخصص بالشؤون الصينية

امرأة الصين الحديدية… وو يي قيادية صلبة ومفاوِضة عنيدة

0

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
د. تمارا برّو:
شهدت السنوات الأخيرة وصول العديد من النساء القياديات إلى مناصب مؤثرة وحسّاسة في العديد من البلدان منهنّ مثلاً المستشارة الألمانية أنجلينا مركل، رئيسة مجلس النواب البولندي إلزبييتا فيتيك ، رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن وغيرهنّ الكثير من النساء اللواتي دخلن معترك الحياة السياسية، وحققن نجاحات باهرة في المناصب التي أوكلت إليهن.

وإذا كان العالم لم ولن ينسى رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر التي تعدّ إحدى الوجوه البارزة في السياسة العالمية والملقبة بالمرأة الحديدية، فهو أيضاً لم ينسَ إمرأة الصين الحديدية التي هزّت عرش العالم وو يي Wu Yi.

لقد منح الدستور الصيني النساء حق التمتع بالحقوق السياسية إسوة بالرجال، كما منحهن حق الانتخاب وحق الترشيح. وخلال الثورات التي خاضتها الصين أبدت المرأة شجاعة كبيرة، وكان لها دور مميز فيها ما دفع الزعيم ماو تسي تونغ Mao Zedong إلى القول” إن الأزمنة تغيرت، الرجل والمرأة متساويان، فما يمكن أن ينجزه الرجل يمكن أن تنجزه المرأة”. لقد أدرك ماو أنه لا يمكن بناء صين جديدة بدون مشاركة المرأة، فحثّها على المشاركة في تحمل المسؤولية في المجتمع وأطلق مقولته الشهيرة “النساء نصف السماء”.

أما الرئيس شي جين بينغ Xi Jinping فقد شجّع المرأة على أن تصبح قائدة في مجالات السياسة والأعمال، ورأى أن كل سيدة صينية لديها فرص التفوق في الحياة وتحقيق أحلامها. وفي خطابه في اجتماع قادة العالم حول المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة المنعقد في العام 2015  قال “إن المساواة بين الجنسين” قضية عظيمة” لأن مراجعة التاريخ تظهر أنه بدون تحرير المرأة وتقدمها، لن يتحقق تحرير البشرية وتقدمها”.

لقد برزت نساء صينيات تولين مناصب مهمة وكبيرة في الصين مثل Jiang Qing  (زوجة ماو تسي تونغ) و وو يي(Wu Yi) القيادية الصلبة التي أسند إليها تولي مهمات صعبة في ظروف عصيبة كانت تعصف بالبلاد.

ولدت وو يي في مدينة ووهان في إقليم هوباي، وتخرجت من معهد البترول في بكين عام 1962 وحصلت على إجازة في هندسة مصافي النفط. تولّت مناصب عدة منها نائبة لعمدة بكين ما بين عامي 1988- 1991 ، ونائبة لوزير التجارة والعلاقات الاقتصادية الخارجية بين عامي 1991-1993،  ومن ثم وزيرة للتجارة الخارجية والتعاون الاقتصادي بين عامي 1993-1999، إلى جانب اختيارها منذ العام 2002                                                                          عضواً في المكتب السياسي للحزب الشيوعي ومجلس الدولة الصيني. وفي العام 2003 عُينت نائباً لرئيس مجلس الدولة. وفي العام نفسه كانت الصين تعاني من تفشي وباء السارس الذي أدى إلى وفاة مئات الصينيين، فطلب رئيس مجلس الدولة ون جيا باو   Wen Jiabaoمن وو يي قيادة حملة مكافحة السارس، وبهذا الخصوص تقول وو يي “في الحقيقة كنت أفتقر إلى الثقة في هذه القضية، وكانت صعبة جداً بالنسبة إليّ، وأنا في الستينيات من عمري، أن أعمل في هذا القطاع غير المألوف، شعرت بالضغط الكبير في ذلك الوقت”. ومن ثم تولت وو يي وزارة الصحة واتخذت لمعالجة وباء السارس مجموعة من الاجراءات وعدّلت التعامل السابق غير الفعّال للحكومة مع أزمة السارس، وتمكنت في النهاية من مكافحة هذا المرض ما زاد من سمعتها الجيدة ومحبتها من قبل الشعب. ونظراً لنجاحها في معالجة أزمة وباء السارس عُينت في العام 2004 مديرة لجنة مكافخة الأيدز تحت قيادة مجلس الدولة الصيني.

عندما تولت وو يي حقيبة التجارة الخارجية برزت كقيادية صلبة وفذة ومفاوِضة عنيدة وواثقة من إمكاناتها، وظهر هذا جليّاً في المباحثات التي خاضتها مع نظرائها في العالم للتمهيد لدخول الصين في منظمة التجارة العالمية، ومع المسؤولين الأميركيين حول اتفاقات الاستثمار والتجارة وحقوق المليكة الفكرية، فقد قال الممثل التجاري للولايات المتحدة الأميركية ميكي كانتور  Mickey kantor الذي تولى عملية المفاوضات مع Wu Yi “اعتقدت أنها كانت أفضل مفاوض تجاري في العالم”.

لقد أثارت وو يي إعجاب العالم بنبرتها الناعمة والهادئة وابتسامتها الساحرة، هذه الابتسامة التي وصفها وزير التجارة الأميركي السابق دونالد ل. ايفانز   Donald L. Evansبانها مؤشر على أعصاب وو يي القوية وعقلية المهندس.

تُعد وو يي إمرأة استثنائية صلبة وشرسة بالدفاع عن الصين، وكان لديها نظرة عميقة للأمور التي أسندت إليها، شخصية محنّكة في عالم السياسة. شغفها لبلدها دفعها إلى عقد المؤتمرات والاجتماعات مع أكبر قادة العالم لدخول الصين إلى العالمية.

لم تكن وو يي في شبابها ترغب في دخول معترك الحياة السياسية، بل كانت تريد أن تصبح رائدة أعمال كبيرة، فهي ترى أنه في الشركة يمكن تطوير التفكير الخاص بالإنسان.

وبسبب قوة أعصابها وإرادتها القوية وحنكتها الدبلوماسية وقتالها الشرس من أجل مصالح بلادها، لم يكن مستغرباً أن يصفها الإعلام بالمرأة الحديدية. ولم يكن غريباً أن تختارها مجلة فوربس الأميركية 4 مرات من ضمن قوائمها السنوية للنساء الأكثر تأثيراً في العالم.

لقد تركت وو يي أثراً في نفوس الصينيات فعلى خطاها برزت نساء صينيات شجاعات ومقاتلات لا يشق لهن غبار أظهرن نجاحات كبيرة في المناصب التي تولينها سواء أكانت سياسية أو تجارية أو اقتصادية. فمن بين سيدات الأعمال الصينيات اللواتي حققن نجاحات كبيرة Zhang Xin صاحبة شركة كبيرة تعمل في مجال العقارات و Hu Weiwei إحدى مؤسسي شركة Mobike   للدراجات التشاركية وDong Ming Zhu رئيسة شركة  Gree electricوWu Yajun  رئيسة مجلس إدارة شركة  Longfor  Properties وSun Yafang التي شغلت منصب رئيسة مجلس إدارة  شركة هواوي من عام 1999 إلى عام 2018. أما في الحياة السياسية فقد تنامى حضور المرأة الصينية التي أظهرت نجاحات، ربما لا يمكن للرجل أن يحققها، بسبب أسلوبها الهادئ والرصين وقوتها الناعمة، وهذا ما دفع الصين طوال السنوات الماضية إلى مخاطبة العالم بلسان امرأة وضمان وجودها كواحدة من المتحدثين الرسميين باسم وزارة خارجيتها على سبيل المثال  Hua Chunying و Jiang Yu التي تتولى حالياً منصب سفيرة الصين في البانيا و Zhang Qiyueg التي شغلت منصب سفيرة الصين في بلجيكا وأندونيسيا. ونساء أخريات تولين مناصب كبيرة في الصين كـ Fu Ying التي عُينت في العام 2010 نائبة لوزير خارجية الصين، وحالياً تشغل منصب رئيسة لجنة الشؤون الخارجية للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، وSun Chunlan  عضو في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني ونائبة رئيس وزراء جمهورية الصين الشعبية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.