موقع متخصص بالشؤون الصينية

خبراء عرب يكشفون عن أفكار وطموحات تعزيز التعاون الصيني الإفريقي بمنتدى مراكز الفكر

0

 

صحيفة الشعب الصينية ـ
كتب – محمود سعد دياب:

29 أغسطس 2019/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/ شهد المنتدى الثامن لمراكز الفكر الصيني الإفريقي، الذي عقد في الفترة من 25 إلى 27 أغسطس 2019 في دار ضيافة الدولة دياويوتاى ببكين، حضورًا عربيًا قويًا من ممثلين رسميين وباحثين من مصر والجزائر والمغرب وموريتانيا وجيبوتي وغيرها، وهو المنتدى الذي نظمه معهد البحوث في أفريقيا بجامعة تشجيانغ للمعلمين، وذلك بالتعاون مع معهد البحوث الصيني الإفريقي، والمعهد الصيني للدراسات الدولية، تحت رعاية أمانة لجنة المتابعة لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي “FOCAC”.

وقد حضر فعاليات المنتدى قرابة 400 مسئول وسفير كممثل رسمي من 45 دولة إفريقية، فضلا عن مسئولين وخبراء من 51 دولة في مجال الفكر، وممثلين عن وزارة الخارجية الصينية ومؤسسات فكرية صينية معروفة، ويأتي عقده في هذا التوقيت بمناسبة الذكرى السنوية لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي، بهدف تنفيذ نتائجه وتوصياته، حيث دارت مناقشات عميقة بين ممثلو مراكز البحوث من الصين وإفريقيا، من شأنها أن تساهم في بناء مجتمع أوثق من المصائر المشتركة بين الصين وإفريقيا، وذلك من خلال تحقيق أهداف مبادرة الحزام والطريق وأجندة التنمية المستدامة للاتحاد الإفريقي 2063.

وقد تأسس منتدى مراز الفكر الصيني الإفريقي عام 2011، من قبل معهد “UNZJ” للبحوث في إفريقيا، وتم دمجه رسميًا في إطار منتدى التعاون الصيني الإفريقي “FOCAC”، كي يتحول لأن يكون آلية ومجالًا مهمًا لبناء دراسات إفريقية مميزة، ومنصة مهمة للباحثين من المجتمع المدني والحكومات للإقامة حوار مفتوح يعزز بفعالية التبادلات والتفاهم المتبادل بين الصين وإفريقيا من أجل حماية حقوق ومصالح البلدان النامية.

تعاون مصري صيني في الاتحاد الإفريقي

بصفتها رئيس الاتحاد الإفريقي هذا العام، فقد كانت كلمة مصر في المنتدى مهمة كشفت عما تحقق من إنجازات خلال فترة رئاستها للاتحاد للعام الحالي، حيث ركزت الدكتورة غادة كمال محمود الخبير السياسي المتخصصة في الشئون الإفريقية بمركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصري، على ما تحقق من إنجازات في مواجهة تحديات التنمية المستدامة في القارة السمراء وفقًا لأجندة 2063.

د. غادة كمال الخبيرة بمركز معلومات مجلس الوزراء المصري عن الشئون الافريقية

جهود مصر في القارة

حيث قالت الخبيرة بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري، إن مصر قامت من خلال الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، بتقديم دعم فني ومساعدات إنسانية وبرامج تدريبية، تستهدف بناء قدرات الكوادر الإفريقية، ووضع برامج للتعاون التنموي مع الدول الإفريقية في مختلف المجالات مثل الزراعة والتعليم والصحة والأمن والاستثمار والبنية التحتية، وكذلك التعاون بين الدول المتقدمة والنامية، فضلا عن المساهمة في تمويل وحشد التمويل لمشروعات التنمية المختلفة.

أهداف متوافقة

وأعلنت أن قضية التنمية المستدامة في إفريقيا تتصدر أولويات القيادة السياسية المصرية، في ضوء رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي 2019، وباعتبار مصر جزء من إفريقيا، مضيفة أن القاهرة مع الأشقاء الأفارقة والشركاء الدوليين تستهدف تحقيق مختلف الأهداف والطموحات السمراء في أجندة 2063، وأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، باعتبار أن تحقيقها يمصل الحل والعلاج لكافة مشكلات شعوب القارة، وأن أهداف الاستراتيجية المصرية تتلاقى مع نظيرتها الصينية في التعاون مع دول القارة، لأن كلاهما يركز على المشروعات التي تستفيد منها الشعوب وتحقق المنفعة والمصلحة المشتركة بما يتوافق مع اختيارات الدول الإفريقية لطرق التنمية المتناسبة مع ظروفها.

مشروعات تنموية

وأكدت أن تلك المشروعات تضمنت البنية التحتية مثل إنشاء محطات توليد الطاقة الكهربائية باستخدام الطاقة الشمسية في دول إريتريا وأوغندا وإنشاء سد روفيجي في تنزانيا، فضلا عن الشروع في تنفيذ مشروع طريق “القاهرة – كيب تاون” الذي يربط شمال القارة بجنوبها، ومشروعات الربط الكهربائي بين مصر والدول الإفريقية.

خطوات عملية

وأضافت أن مصر اتخذت خطوات عملية نحو تعزيز التجارة والاستثمار وحفظ الأمن والسلم وحل قضايا الشباب، من خلال إدخال اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية حيز التنفيذ، وتأهيل الشباب الإفريقي للقيادة ضمن البرنامج الرئاسي المصري واستضافة مدينة أسوان جنوب مصر لملتقى الشباب العربي الإفريقي، فضلا عن إنشاء مركز لمكافحة الإرهاب بدول تجمع الساحل والصحراء، وتقديم منح دراسية للعسكريين فيمجال الأمن والدفاع ومكافحة الإرهاب، وتنفيذ تدريبات مشتركة في مكافحة الإرهاب بين بعض الدول الإفريقية، واستضافة مصر لمقر مركز الاتحاد الإفريقي لإعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات، وإنشاء أقسام طبية مصرية بعدة دول إفريقية، وإرسال وفود طبية مصرية لتركيب المعدات وتدريب الكوادر الطبية بدول القارة، بالإضافة إلى استضافة مصر لمقر وكالة الفضاء الإفريقية.

التعاون الصيني الإفريقي

وأشارت الدكتورة غادة كمال إلى أن مصر تدعم منتدى التعاون الصيني الإفريقي “FOCAC”، والذي حضر الرئيس عبد الفتاح السيسي فعاليات النسخة الأخيرة منه في سبتمبر 2018، في إطار تعزيز العلاقات الصينية الإفريقية، موضحة أن مصر تعتبر مكون مهم في مبادرة الحزام والطريق “BRI” كونها نقطة الالتقاء بين طريق الحرير البحري والبري، ومن هنا فإن المشروعات التي تم تنفيذها أو يجري العمل فيها ومنها قناة السويس الجديدة والمناطق الاقتصادية على جانبي القناة عناصر مكملة وأساسية للمبادرة التنموية الصينية، ما يساعد على التعاون الثلاثي بين كل من مصر والصين وإفريقيا.

مكافحة الإرهاب والتطرف

وتطرقت في كلمتها أمام القادة الأفارقة والصينيين، إلى الملفات التي عملت عليها مصر خلال فترة رئاستها للاتحاد الإفريقي، حيث قالت إن ظاهرة الإرهاب باعتبارها أهم مهدد للأمن والاستقرار في القارة السمراء، والتحدي الأبرز أمام تحقيق التنمية المستدامة خاصة الاقتصادية والاجتماعية، موضحة أن إفريقيا تعاني من انتشار التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش وبوكو حرام، نتيجة تحويل مناطق الفراغ الأمني والتنموي بالدول إلى ملاذات آمنة لتلك التنظيمات الإرهابية، مؤكدة أن التنمية هي السلاح الحقيقي لمكافحتها والوصول إلى الأمن والاستقرار في إفريقيا.

معوقات وتحديات

وأوضحت أن القارة تشهد العديد من الحروب الأهلية والصراعات الإقليمية وانعدام الأمن، مرجعة ذلك إلى غياب التعددية، والمنافسة على الموارد النادرة وسوء الإدارة الاقتصادية، وأن هذه الصراعات لها تأثير مباشر على التنمية المستدامة بالدول التي تعاني من تلك الظاهرة، لافتة إلى أن غياب المساواة الاقتصادية والاجتماعية نتج عنها ارتفاع نسب البطالة وانتشار الفقر والفساد والأمراض، مضيفة أن القارة فشلت في الاستفادة من التنوع الديموجرافي خصوصًا وأن ثلاثة أرباع سكان القارة من الشباب، مطالبة بضرورة وضع استراتيجيات وسياسات للاستفادة من كتلة الشباب بوضع خطط شاملة تتضمن التوسع في التعليم والتدريب وخلق فرص عمل.

مساهمات مصر والصين

وكشفت عن أن مصر والصين، وعدد من الشركاء الدوليين، قدموا مبادرات لتحقيق التنمية المستدامة، في ظل تحديات بيئية خطيرة تواجه دول القارة مثل تدهور الأراضي وإزالة الغابات وفقدان التنوع البيولوجي، فضلا عن تأثير التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية سلبيًا على التنمية في السنوات المقبلة، رغم ما تملكه دول القارة من إمكانيات هائلة للنمو المستدام والحفاظ على البيئة.

روشتة علاج

وقدمت الدكتورة غادة كمال محمود، رؤية مصر للحل والعلاج ممثلة في “روشتة” تعتمد على التنسيق المصري الصيني لتحقيق الأهداف المشتركة على المستوى الإفريقي، وذلك من خلال تحقيق الاستقرار وإنهاء الصراعات باعتبارها شروط أساسية لتحقيق أجندة 2063، فضلا عن تشجيع ودعم جهود المصالحة الوطنية بين دول القارة، ودعم جيوش القارة تسليحيًا وفنيًا ولوجيستيًا بهدف مكافحة الإرهاب والسيطرة الأمنية، ومساعدة دول القارة على توفير بنية تحتية وهياكل مؤسسية سليمة وبيئة قانونية مناسبة، والاهتمام برفع المستوى التعليمي للمواطنين وإكسابهم المهارات العلمية والتكنولوجية، بجانب توفير الرعاية الصحية، وبناء شراكات مع الدول الأعضاء على المستوى الإقليمي والقاري بهدف النهوض بالقارة.

شريك قوي

وختمت حديثها، بأنه يجب النظر للقارة الإفريقية باعتبارها شريكا قويا لدول العالم لما تملكه من احتياطي استراتيجي من الموارد الطبيعية، وأن تقوم مراكز الفكر الإفريقية بدور فعال في تحقيق التنمية المستدامة في مختلف المجالات ودعم متخذي القرار.

الدكتور سليمان اعراج استاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر

نظرة جزائرية للتعاون

الدكتور سليمان أعراج أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، قدم رؤية بلاده لمستقبل التعاون بين الصين والدول الإفريقية، حيث قال إن الشراكة بين الجانبين سوف تسير بشكل متسارع تحت مظلة منتدى التعاون الصيني الإفريقي بهدف تحقيق التنمية والمنفعة المتبادلة بعيدا عن إملاء شروط معينة.

قاعدة إعلامية

وطالب ممثل الجزائر الرسمي في المنتدى، بضرورة بناء قاعدة إعلامية تخدم الأجندة التنموية للصين والدول الإفريقية، وتعمل على تنوير الرأي العام وزرع الثقة لديه خصوصًا فيما يتعلق بالقضايا المصيرية كقضية التنمية، ومواجهة التهديدات في البيئة الدولية، مضيفًا أن الإعلام صمام أمان يدعم المشروع التنموي الطموح الذي تسعى الصين والدول الإفريقية إلى بناءه ضمن مفهوم المنفعة المتبادلة

تأثير العولمة

وقال الدكتور سليمان أعراج إن وسائل الإعلام المحلية، بإمكانها حماية خصوصية مشروع الشراكة الصينية الإفريقية، موضحًا أن هناك صورة سلبية تروج في الإعلام عن واقع هذه الشراكة امتدت إلى كتابات بعض الباحثين وأبحاثهم الدراسية، تقول إن التواجد الصيني بالقارة السمراء بدافع المصلحة أو التنافس حول الموارد، مشيرًا إلى أنه تبرير مرتبط بالقوى التقليدية الغربية المحتكرة للسوق الإفريقية، مضيفًا أننا قد نجد الكثير من التقارير تبتعد عن الحديث عن اعتبار “إجماع بكين” بديلا عن “إجماع واشنطن” .

استراتيجية الطمأنينة

وطالب بضرورة تصويب تلك الأطروحات، من خلال تعزيز التعاون وتكثيف دور مراكز الدراسات والأبحاث، واستراتيجية إعلامية مشتركة يضعها الاتحاد الإفريقي والصين، لتوضيح أن التعاون قائم على أساس اقتصادي ما يساهم في خلق بواعث الطمأنينة داخل المجتمعات، وفق مفاهيم العلاقات الدولية، وذلك لارتباطه بقضايا التنمية وتحسين جودة حياة الشعوب في الدول الشريكة، مع دور إعلامي يستهدف زيادة اهتمام الرأي العام بالمنتجات الصينية والإفريقية ما يساهم في زيادة معدلات الطلب وزيادة جودة المنتجات ما يؤدي لتعزيز التفاهم والارتباط بين الجانبين.

كسر الصورة السلبية

وأكد سليمان أعراج أن كسر الصورة السلبية التي يصنعها الإعلام الأخر، يتطلب تنويع مسارات وحضور الإعلام في المشهد الإفريقي والصيني كقوة ناعمة يجب تعزيزها في مواجهة

القوة الحادة التي أضحت عنوانا لسياسة الدول الكبرى والقوى الإقليمية، مع توضيح أن الشراكة الصينية الإفريقية تشكل بديل مرن وتوجه تنموي يتوافق مع اعتبار أنه بإمكانها توسيع الفرص والخيارات بما يخدم مبادرة المصير المشترك للبشرية، مقترحًا وضع حملة إعلامية مباشرة يكون عنوانها: “الصين قريبة من إفريقيا”، وذلك في إطار الاحتفالات بالعيد الـ70 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.

موقع الجزائر

وطالب بضرورة تعزيز الشراكة بين الصين والجزائر في إطار منتدى التعاون الصيني الإفريقي “FOCAC”، بوصف الجزائر تمتلك موقعًا متميزًا على طريق الحرير قريب من الأسواق الأوروبية ودول شمال وغرب القارة السمراء، وذلك بهدف دعم التقارب الشعبي والثقافي من جهة، والتعاون السياسي والاقتصادي من جهة أخرى.

الدكتور ناصر بوشيبة رئيس جمعية التعاون الأفريقي الصيني للتنمية.

رؤية المغرب

الدكتور ناصر بوشيبة رئيس جمعية التعاون الإفريقي الصيني للتنمية، قدم رؤية المغرب للتعاون الصيني الإفريقي، حيث قال إن الصين منذ الخمسينات حرصت على إقامة علاقات أخوية مع الدول الإفريقية، مبنية على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية، مضيفًا أن 26 دولة إفريقية بالأمم المتحدة صوتت على قرار الاعتراف بالحكومة المركزية في بكين كممثل شرعي وحيد للبلاد في الأمم المتحدة والمحافل الدولية، وذلك في أكتوبر 1972، لكي تتولى الصين قيادة العالم الثالث، حيث كانت بجوار دول القارة شريكًا مهما وطورت وجودها التجاري وساعدت الدول اقتصاديًا خلال فترة الثمانينات، التي عانت منها إفريقيا من ظروف اقتصادية سيئة تواكبت مع بداية عصر الإصلاح والانفتاح، في حين تخلت المجموعات الدولية عن خططها التنموية في القارة، ما مكن دول القارة من تجاوز التوقعات السلبية التي وضعها المجتمع الدولي وحولها لأن تكون أرض الفرص الاستثمارية الواعدة.

إنجازات ملموسة

وأضاف أنه قد تحققت إنجازات ملموسة أخرى قد ظهرت مثل تيسير حركة التجارة انطلاقًا من المعرض الأول للاستيراد الذي استضافته شانغهاي نوفمبر الماضي، موضحًا أن التجار ورجال الأعمال الأفارقة تمكنوا من أن تخترق منتجاتهم الأسواق الصينية من خلال هذا المعرض، فضلا عن الاهتمام بالتدريب وبناء القدرات بافتتاح المعهد الصيني الإفريقي في إبريل 2019، والذي من شأنه توفير أساس قوي للبحوث النظرية اللازمة لتحفيز النمو، بالتواكب مع الزيادة الحالية لأعداد الحاصلين على المنح الدراسية في الصين

المبادرات الثمانية

وأشار بوشيبة إلى أن الجانبين، يعملان حاليًا على تنفيذ المبادرات الثمانية التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ خلال قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي سبتمبر 2018، وأن المراكز البحثية لها دور رئيسي في تقديم مقترحات كيفية التنفيذ وتقييم ما تم إنجازه، مطالبًا بتعزيز مشاركة المؤسسات الفكرية الإفريقية في مختلف الآليات لتقييم الإجراءات لتكون بمثابة مرجع أمثل للأعمال المستقبلية.

تعاون صيني مغربي

وأكد أن جمعية التعاون الإفريقي الصيني للتنمية التي يتولى رئاستها، تسعى لإدخال الطب الصيني التقليدي إلى المغرب، بهدف خفض تكاليف العلاج مع تحسين الظروف الصحية في الوقت نفسه، بما يتضمن ذلك تدريب الأطباء المغاربة الشباب، فضلا عن السعي إلى زيادة عدد المنح الدراسية لطلاب الدكتوراه.

ولفت ممثل المغرب في المنتدى إلى أن الباحثين ومراكز الفكر بإمكانهما تحديد الخطوط الرئيسية للشراكة بدراسة تاريخ العلاقات بين كل دولة إفريقية والصين، وتحديد طرق التعاون المثلى وفقًا لظروف واحتياجات كل بلد على حدة، وأن كتابه المعنون بـ “تاريخ العلاقات بين المغرب والصين 1958-2018″، قد يكون بمثابة مرجع متواضع للباحثين المهتمين، مطالبًا بإنشاء منصة تواصل بين مختلف مراكز البحوث الصينية والإفريقية.

الدكتور يربان الخراشي باحث وكاتب موريتاني في الشأن الصيني والعلاقات العربية الصينية

رؤية موريتانيا

فيما قدم رؤية موريتانيا الدكتور يربنا الخراشي، الباحث والكاتب الموريتاني في الشأن الصيني والعلاقات العربية الصينية، الذي قال إن مقترح الصين ببناء مجتمع المصير المشترك للبشرية من شأنه أن يدعم إحلال السلام والتنمية في العالم، خصوصًا وأن تاريخ الصين شاهد على حبها للسلام وبسالتها في الحرب إن فرضت عليها، موضحًا أنه خلال فترتي الإمبراطوريتين تانغ (618- 907) وسونغ (970- 1279)، كانت مساهمة الصين تمثل أكثر من 50% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ومع ذلك لم تسع الصين إلى احتلال العالم، بالإضافة إلى صعودها السلمي الجاري، مما يجعلها طبيعيا الدولة الأمثل الحاملة والحامية للواء السلام العالمي، مضيفًا أن سور الصين العظيم، يعتبر دلالة واضحة على رغبة الصين في حماية نفسها من الأعداء، مع احتفاظها بالسلام في الوقت نفسه.

قطار التنمية الصيني

وأضاف الباحث الموريتاني أن ركوب قطار التنمية الصيني السريع فرصة تحقق نقلة تنموية غير مسبوقة، مشيرًا إلى حملة التشويه غير المبررة التي تتعرض لها فكرة بناء مجتمع المصير المشترك الإفريقي الصيني من بعض أصحاب الدوافع الخفية، موضحًا أن مستقبل القارة بأيدي شبابها الذين يدركون جيدًا الاتجاه العام للوضع العالمي والتغيرات التي حدثت كي تضع الصين على القمة منافسة كبريات الاقتصاديات العالمية، مضيفًا أن هذا الهجوم بمثابة من يسكب الماء في الغربال، وأنه لن يستطيع أحد إيقاف مسيرة الشعبين الصيني والإفريقي نحو الشراكة والتنمية، وأن القارة لن تكون ضحية لانسحاب أية قوة عظمى من المشهد العالمي.

مشاهد تعميق الإصلاح والانفتاح

وأكد أن سياسات تعميق الإصلاح والانفتاح أسفرت عن إنجازات عدة، أهمها انفتاح القطاع المالي الصيني وتدويل العملة الصينية، وتحويل تحويل الصين من أكبر مصنع إلى أكبر سوق في العالم، ومن دولة مصدرة إلى مستوردة وغيرها من السياسات التي تحمل في طياتها إنكار الذات وتتيح فرصًا تنموية كثيرة لدول القارة.

الرحالة دوهوان هو وثق علاقة الصين بالمغرب العربي

وأورد في كلمته، ان الأسير الرحالة الصيني دوهوان، كان أول صيني وطأت أقدامه أرض المغرب العربي في القرن الثاني الهجري “751- 762 ميلادية”، وأن مذكرات أسفاره (经行记) التي كتبها بعد عودته إلى الصين سنة 762م، كانت أول مصدر صيني موثوق يصف بشكل دقيق حياة العرب والمسلمين في تلك الفترة، ويؤكد أن علاقة الصين بتلك المنطقة البعيدة جغرافيًا عنها قديمة قبل اكتشاف الأمريكتين ودخول أوروبا عصر النهضة والتقدم.

إحياء طريق الحرير

وأضاف أن الرئيس شي جين بينغ هو الأب الروحي لفكرة إحياء طريق الحرير، أو مبادرة الحزام والطريق التي وصفها بمشروع القرن، وأنها تمثل نسخة الصين بثقافتها، وحضارتها، وتاريخها للعولمة التي تتيح للعالم تطورا تشاركيا، فيما تضع الصين على طريق تحول اقتصادها على المستوى البنيوي، ووصول العملة الصينية للعالمية، وطريق بكين للإفلات من الكماشة الأمريكية، وتحويل مركز الاقتصاد العالمي من الغرب إلى الشرق، وخلق ظروف جيوسياسية عالمية جديدة.

الحزام والطريق طوق نجاة الدول الإسلامية

وأشار إلى أن “الحزام والطريق” تعتبر طوق نجاة للدول الإسلامية، موضحًا أن طريق الحرير بفروعه المختلفة يمر من 25 دولة مسلمة منضوية تحت راية منظمة التعاون الإسلامي، وذلك من أصل 65 دولة على طول الطريق، وأنه حتى إقليم شينجيانغ بوابة طريق الحرير على العالم ذي أغلبية مسلمة، مؤكدًا أن التقارب بين دول المسلمين من السهل أن يأتي من خلال طريق الحرير الذي يربط مدن بخاري وسمرقند بطهران وأنقرة ودمشق والقاهرة وعدن، ما يعني إحياء جسر الحضارات القديم بين الصين والعالم الإسلامي خاصة الدول العربية، على المستوى الثقافي والاقتصادي .

موريتانيا والصين

وأضاف أنه في 19 يوليو سنة 1965، أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا والصين، في ظروف دولية استثنائية فرضتها الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، والتي قسمت العالم لمعسكرين، مضيفًا أن العلاقات بين البلدين صمدت خلال أكثر من 50 عامًا صمود جبل تشين لينغ في ظل عالم متغير تغير تضاريس الكثبان الرملية في الصحراء الموريتانية، موضحًا أن الرئيس الموريتاني الراحل المختار ولد دداه لعب دورًا محوري في حث الدول الإفريقية على التصويت لصالح القرار الأممي رقم 2758، الذي ينص على إعادة كافة الحقوق للحكومة المركزية في بكين، واعتبار ممثلها الممثل الشرعي والوحيد للصين بالأمم المتحدة، وذلك خلال رئاسة موريتانيا منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليًا) في ذلك التوقيت.

شريان الحياة الموريتاني من الصين

ولفت إلى المحطات المضيئة في العلاقة بين البلدين، مثل تنفيذ ثاني أكبر مشروع صيني في إفريقيا وهو ميناء الصداقة الذي يعد شريان الحياة للاقتصاد الموريتاني، وبوابتها على العالم الخارجي، بتكلفة تقدر بحوالي 330 مليون يوان، ويأتي بعد المشروع الصيني الأكبر في القارة وهو مشروع سكك حديد تنزانيا، مضيفًا أن هناك مشاريع أخرى مثل بناء دار الثقافة ودار الشباب ومحطة توليد كهرباء نواكشوط العاصمة، ومشروع توسيع شبكة تزويد العاصمة بالمياه، والمستشفى الوطني، والملعب الأوليمبي، وقصر المؤتمرات و القصر الرئاسي ومقر الوزارة الأولى ووزارة الخارجية، وأن جل معالم مدينة نواكشوط الحديثة بنيت بأيادى وأموال أبناء النهر الأصفر حفدة التنين المهرة.

سواحل شمال وغرب القارة

وأشار إلى أنه رغم أن سواحل شمال وغرب إفريقيا لم تكن ضمن نطاق طريق الحرير البحري القديم، إلا أن الصين اهتمت بانضمامها إلى المبادرة نظرًا لأهميتها الجيواستراتيجية وقربها من أوربا وأمريكا، فضلا عن كونها المنطقة البكر الغنية بثروات الطبيعة، فضلا عن أنها جزء من الخزان البشري القادم من جنوب الصحراء، ما جعل منها حلقة مهمة في أي مبادرة ذات بعد عالمي.

مخاض ميلاد عالم جديد

وأكد أن انضمام دول شمال غربي القارة للمبادرة وسط حروب الاستراتيجيات الدائرة حاليًا، يمكن أن يحدث نقلة لها، نظرًا لوجود عالم جديد متعدد الأقطاب يوشك أن يخرج إلى النور، مضيفًا أن المبادرة فرصة لإحياء طريق القوافل عبر الصحراء، ما يخلق ظروف جيوسياسية جديدة بالمنطقة تفضي لحل مشكلة الصحراء من زاوية اقتصادية، وهو ما عجزت عنه الحروب والسياسة، وجذب المزيد من الدعم المالي والفني الصيني لمجموعة دول الساحل الخمسة، فضلا عن تمكن موريتانيا من استغلال الموقع الاستراتيجي لمنطقة أنواذيبو الحرة المفتوحة وإمكانها أن تكون جسر اقتصادي هام إلى إفريقيا والعالمين العربي والأوروبي.

الحزام والطريق واستراتيجية التنمية الموريتانية

وقال إن مبادرة الحزام والطريق، تتلاقى واستراتيجية التنمية الموريتانية (2016-2030)، موضحًا خمسة مجالات للتعاون بين البلدين أهمها في مجال استكشاف واستغلال وتصدير الحديد الخام، خصوصًا وأن الصين في أمس الحاجة إلى تنويع مصادرها منه، وقطع الطريق أمام استراليا والبرازيل للتحكم في مصير هذه السلعة الاستراتيجية، خاصة في ظل بلوغ إجمالي حجم صادرات العملاقين إلى حوالي 85% من إجمالي واردات الصين من هذه المادة، ما قد يمكن شركة اسنيم من تحقيق حلمها بالانضمام إلى الخمس الأوائل لمصدري خامات الحديد بحلول عام 2035 م، مشيرًا إلى أن الانضام إلى المبادرة قد يكون قناة جلب وتوطين لصناعة الصلب في بلاده، خاصة في ظل سياسات الصين الهادفة إلى تحسين مؤشرات جودة المناخ بغلق مصانع الصلب، مما سيخلق عشرات الآلاف من فرص العمل بالإضافة إلى خلق عشرات الفرص الاستثمارية ذات القيمة المضافة للاقتصاد الوطني في القطاعات المغذية لهذه الصناعة.

صيد الأسماك

ولفت إلى أن الخطة الصينية الخمسية الثالثة عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (2016- 2020)، تتضمن بندا حول تعميق التعاون مع موريتانيا لتعزيز التعاون في مجال صيد الأسماك، وأنه حاليا هناك عدة شركات صينية تعمل في مجال صيد الأسماك ومعالجتها، قد استثمرت حوالي 200 مليون دولار في تلك الصناعة، وتملك قرابة 200 سفينة صيد في مياه بلاده البحرية، معربًا عن أمله أن تكون المبادرة قناة لنقل المهارات والخبرات، وتكوين وتطوير اليد العاملة الوطنية، وتمكينها من أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا صناعة وتعليب الأسماك ومشتقاتها، خاصة أن موريتانيا تملك شواطئ حاضنة لثاني أكبر ثروة سمكية في العالم، وتضم أكثر من 300 نوع من الأسماك مع إنتاج سنوي يبلغ حوالي 1.8 مليون طن.

وأوضح أن الصين تعتبر أكبر شريك تجاري لبلاده، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين سنة 2013 حوالي 2.34 مليار دولار، مع تحقيق فائضا في الميزان التجاري لصالح موريتانيا بلغ حوالي 1.14 مليار دولار، مضيفًا أنه خلال سنة 2018 وبعد انهيار أسعار خامات الحديد عالميًا، تناقص حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى حوالي 1.988 مليار دولار مع حدوث عجز في الميزان التجاري بقيمة 176 مليون دولار.

وقال إن انضمام موريتانيا إلى مبادرة “الحزام والطريق”، وتفعيل رؤية وطنية تتقاطع مع هذه المبادرة، قد يشكل إعادة لإحياء دورها التاريخي التجاري كهمزة وصل بين شمال إفريقيا وغربها، وبالتالي تحويلها إلى جسر اقتصادي من جسور قطار طريق الحرير فائق السرعة، مما قد يكسبها المزيد من المزايا الاقتصادية، والاستثمارية، والدبلوماسية في شبه المنطقة، بل أكثر من ذلك قد يشكل فرصة لتنويع مصادر الاقتصاد الموريتاني الوطني، وبالتالي كسر معادلة مستقبلها المرهون بأسعار المادة الخام.

جيبوتي حجر الزاوية في الحزام والطريق

فيما قال عادن عمر عبداللاهي مدير معهد الدراسات السياسية والاستراتيجية في جيبوتي، إن تعزيز التعاون بين بلاده والصين تنامي بسرعة في الفترة الأخيرة، ما أثار غضب الغرب الذي كان يتجاهل من قبل الاستثمار في هذا البلد الصغير المطل على مضيق باب المندب جنوب البحر الأحمر، خصوصًا وأن مساعدات بكين لها من شأنها أن تحولها إلى مركز إقليمي للتجارة والتموين في إفريقيا، ما يرفع معدلات الاقتصاد ويحسن من معيشة المواطنين.

وأضاف أن الصين ترى أن بلاده حجر الزاوية في مبادرة الحزام والطريق، لذا فقد تحركت عام 2017 لبناء أول قاعدة عسكرية صينية خارج الحدود وذلك على أراضي جيبوتي، بهدف حماية طريق التجارة الذي يمر عبر مضيق باب المندب إلى قناة السويس في مصر ومن ثم الأسواق الأوروبية، ذلك الطريق الذي يتضمن نسبة كبيرة من صادرات النفط العالمية والسلع التجارية الأخرى، مشيرًا إلى أنها خطوة رفعت من مكانة البلد الإفريقي، لكنها بالمقابل أثارت بعض المخاوف الغربية، على الرغم من أن الولايات المتحدة بنت قاعدتها “معسكر ليمونيه” قبل الصين بسنوات، مضيفًا أن الصين بشكل تدريجي قللت من الاعتماد على إرسال سفن إمداد لحماية قوافلها التجارية البحرية، وتتجه إلى إنشاء قواعد في الخارج، مبررًا تلك الأهمية بأن كثير من الدول ترى ضرورة إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي لمراقبة وحماية الملاحة في تلك المنطقة، لأن منطقة خليج عدن والبحر الأحمر عبارة عن مساحة مائية حساسة يمر عبرها كميات كبيرة من الشحنات التجارية العالمية.

وأضاف أن الصين ضخت استثمارات في المشروعات الاقتصادية المحلية، مثل القطار الكهربائي عالي السرعة بين أديس أبابا وجيبوتي، وخط أنبوب المياه من إثيوبيا، والمطار الجديد على الساحل، فضلًا عن المنطقة التجارية الدولية الحرة في جيبوتي التي خلقت المئات من فرص العمل، ما وفر مساحة للتعاون مع المجتمعات المحلية، مشيرًا إلى أنه عندما يفكر الناس بالمستقبل فإنهم يتجهون نحو الصين، وأن الرافعات العملاقة في ميناء “دوراله” أصبحت معلمًا بارزًا لجيبوتي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.