موقع متخصص بالشؤون الصينية

الحِزب الشيوعي الصِّيني: مِن الشّعب وللشّعب

1

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
بشار جابر*
تحتفل جمهورية الصين الشعبية قريباً بالعيد الوطني السبعين لتأسيسها، وتُعدُ هذه الدولة بقمة التعداد السكاني العالمي بنحو مليار ونصف المليار مواطن، وتحل بالمركز الثاني عالمياً بالناتج المحلي الإجمالي، وبأكثر من (13.6) تريليون دولار أمريكي للعام 2018. هذه الدولة عانت من حروب متعددة قبل تأسيسها، واستطاعت أن تنهض من رماد الحرب وتنتفض لتصبح بمصاف الكبار في أقل من 70 عام، وبالطبع يُنسب هذا الفضل الى طرفان: القيادة والشعب.
لا يُخفى على أحد الدور الرئيس للحزب الشيوعي الصيني في النهوض بدولته، وبخاصة المواطنين الصينيين الذين أصبحوا يستيقظون كل يوم على مشاريع جديدة تنجز أو تبدأ أو تُجَدد.. فمنذ نشأته في العام 1921 بإرادات فولاذية وبأيادي 13 قيادي صيني – بينهم الرئيس المحرر “ماو” – خاض هذا الحزب عدداً من الحروب الداخلية والخارجية، (1) فهو لم يولد ببيئة مستقرة، بل وُلد من رحم المُعاناة ومواجهة الحروب الاستعمارية على أرض الصين المُعذّبة، وبرغبة الشعب الصيني وتكتله من حوله، وصل الحزب الى الحكم بعد إنجازاته المذهلة في الحرب الثورية التي وحّدت الصين، وبالطبع تعتبر قصة نجاح هذا الحزب مذهلة للعالم كله، بقدرته على الصمود بوجه العقبات المختلفة – خاصة الامبريالية والرأسمالية الغربية الطامعة بالصين-، وصولاً بالصين الى مصاف الدول العظمى.
وعلى مدى قرن تقريباً لم يُغيّر الحزب مبادئه الجوهرية، ولكن طورها ليعتمد على الاشتراكية بألوان صينية، لتحقيق الأهداف العليا المنشودة، وهي موضّحة بدستور الحزب المُحدّث بالدورة الـ18 للعام 2017، وأن الهدف الأعلى والأسمى هو “تحقيق الشيوعية”، (2) ويُلاحظ بأن الحزب يجدد نفسه بأفكار ومعتقدات متجددة لا تخالف أساسه الشيوعي بل تنسجم مع مسيرته وأيديولوجيته، لأن هدفه هو خدمة الشعب الصيني الذي وُلد الحزب في أوساطه وأريافه، وبين عُمّاله ومثقفيه. لذلك، نجده يعتمد الماركسية-اللينينية والماوية مروراً بنظرية أمين عام الحزب الشيوعي الصيني “دينغ شياو”، ونظرية التمثيلات الثلاثة، بالإضافة الى النظرة العلمية للتنمية، ووصولاً الى فكر الرئيس “شي جين بينغ” حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية لعصر جديد كدليل للعمل. (3)
كما أن الرئيس “شي جين بينغ” الذي يُمثل نواة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني والحزب بأكمله، يُعلّم أن الصين تقف على أعتاب انطلاقة تاريخية جديدة، لذلك طرح عدداً من الأسئلة للوصول للتنمية المعاصرة: “ما نوع الاشتراكية ذات الخصائص الصينية التي تتطلب منا الحقبة الجديدة أن ندعمها ونطوّرها، وكيف يجب علينا أن ندعمها ونطورها”، وتكمن الإجابة الموضحة بالدستور بأنه منذ بدء الإصلاح والانفتاح وصولاً الى الإنجازات الصينية، فإن الحزب “صاغ طريقًا، وشكل نظامًا نظريًا، وأنشأ نظامًا عملياً، وطوّر ثقافة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية”، (4) وأيضاً طبيعة هيكل الحزب الشيوعي الصيني تساعده بالإشراف على كوادره، فنجد اللجنة المركزية لفحص الانضباط، المتخصصة بتتبع الفساد، ومحاكمة غير المنضبطين بالتعليمات، وكمِثال عليها فقد عُوقب (1.3) مليون مسؤول بسبب حالات فساد مختلفة، والتي شملت “النمور والذباب”. (5)
كما أن الحزب يضع “الشعب” بقومياته المختلفة في سلم أولوياته، فهذا الحزب “طليعة” الشعب ومن الشعب وله، فهو محرره من الامبريالية والاستعمار الاستيطاني الغربي والاقطاعية، وصولاً لتأمين النصر في الثورة الديمقراطية الجديدة وتأسيس الدولة، وهو شريك الشعب في الوصول الى الاشتراكية بالنكهة الصينية، (6) كما تُعتبر التنمية أولوية الحزب العليا في حكم البلاد وتجديد شبابها، ويلتزم الحزب بفلسفة التنمية المتمحورة حول الشعب وصولاً لـ”مجتمع اشتراكي متناغم”، ويؤكد الحزب على أن التنمية هي للشعب وتعتمد على الشعب، وأن ثمارها يتم تقاسمها بين الشعب. (7)
في الختام، تبنّيِ الحزب لأفكار متجددة هو سبيل الاستدامة والسمو نحو القمة، ويذكرني هذا بمقولة إدارية نصها – إن لم تتقدم تتقادم -، ويبدو بأن الحزب سبق العالم بتحديث خططه وتفكيره، لمواكبة العولمة وفي مواجهة الرأسمالية الجشعة وقوى الشر المتربصة به وبالشعوب وبالعالم، وبالطبع تم بلورة الفكر الجديد مع الاحتفاظ بالمبادئ والثوابت الشيوعية، مما أتاح له الاستمرارية والديمومة، بالإضافة الى أن الخبرات المتراكمة على مدى عقود من العمل أضاف لقيادات وكوادر الحزب خبرة فأصبح كيان الحزب في تجدّد ومتعلم وقادر على التكيف مع المتغيرات من حوله، مع الاحتفاظ بجوهره، كما أن علاقة الاحترام بين الحزب والشعب هي أساس الاستمرارية، فعدد منتسبي الحزب فاق 95 مليون عضو حتى نهاية العام 2018، فالحزب إذن يقوم بعمله والشعب يجني ثمار النجاح المشترك.
#بشار_جابر: المسؤول الأكاديمي في الاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين، ومُحلِّل سياسي واقتصادي أردني، وطالب دكتوراة في التجارة الدولية (الاقتصاد التجاري) جامعة UIBE.

هوامش:
(1) Zhang Peng, China Radio International, History of the Communist Party of China, 2016-06-14 , available at: http://english.cri.cn/12394/2016/06/14/3441s930746_3.htm visited: 18-9-2019

(2) Constitution Of The Communist Party Of China, 2017, P:1 available at: http://www.china.org.cn/20171105-001.pdf visited: 19-9-2019
(3) Ibid, P:2
(4) Ibid, P:3
(5) Chinese Government, Five years of accomplishments, 2017, available at: http://english.www.gov.cn/19thcpccongress/achievements/2017/10/18/content_281475911928290.htm visited: 20-9-2019
(6) Ibid, P: 1
(7) Ibid, P: 4

تعليق 1
  1. مروان سوداح يقول

    مقالة ممتازة تعبر عن فهم الصين ومعرفتها الدقيقة استاذ بشار ايها الاكاديمي المخضرم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.