موقع متخصص بالشؤون الصينية

رؤية صينية: هل تحررت أوروبا من أسر العلاقات الامريكية ـ الإيرانية؟

0

صحيفة الشعب الصينية:
قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في مقابلة صحفية أجريت معه في 19 من يناير الجاري، أن أوروبا وأمريكا لديهما مقاربات مختلفة لقضية العلاقات مع إيران، ولتفادي تأجيج الوضع في الشرق الأوسط، يجب أن تستمر المفاوضات بين أوروبا وإيران. ما يعد مناشدة أوروبية مرة أخرى لأمريكا خلال التدهور الأخير الذي تشهده العلاقات الامريكية ـ الإيرانية، وفي نفس الوقت، كشفت أوروبا بقيادة ألمانيا أنها أصبحت مرة أخرى “رهينة” العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية.

يعتقد ماو شياو هونغ، نائب مدير مركز أبحاث التبادل الثقافي الصيني الألماني لجامعة شنغهاي للدراسات الدولية، أن مكانة السياسة الدولية للدول الاوروبية في ترجع مستمر، كما أن تأثيراتها في الشرق الأوسط منخفض أيضا. وبعد 13 عامًا من المفاوضات الصعبة تم التوصل أخيرًا إلى الاتفاق النووي الإيران في ظل الترويج المباشر لألمانيا، وكان ذلك إنجازًا دبلوماسيًا فخورًا لألمانيا. لكن انسحاب أمريكا أحرج مباشرة أوروبا. وأصر الاتحاد الأوروبي على أن الاتفاق النووي الإيراني لا يزال ساري المفعول، لكن في الواقع، أن جميع الأطراف لم تواصل الالتزام بالاتفاقية بعد انسحاب أمريكا. وبالنسبة لإيران، لم تعد أوروبا وألمانيا شريكين موثوقين ومعتمد عليهما بشكل خاص.

بالإضافة إلى ذلك، فإن أمريكا غير راضية عن حلفائها الأوروبيين. بعد انسحاب أمريكا من الاتفاقية النووية الإيرانية، دعت أوروبا إلى اتباع خطواتها الخاصة، ولم ينسحب الحلفاء الأوروبيون فحسب، بل أرادوا إنشاء آلية جديدة لتجاوز أمريكا أيضًا، الأمر الذي أزعج الاخيرة. وبعد مقتل سليماني، انتقد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مباشرة الحلفاء الأوروبيين لعدم منحهم الدعم الكافي: “العمل الأمريكي أنقذ بالفعل العديد من الأرواح في أوروبا، وحلفاؤنا الأوروبيون لم يفهموا على الإطلاق.”

من الناحية الاقتصادية، ستتأثر التجارة بين أوروبا وإيران أيضًا بالعلاقات الأمريكية ـ الإيرانية والوضع الأمني الإيراني لفترة طويلة. على سبيل المثال، ألمانيا قائدة الاتحاد الأوروبي، في الواقع، تتمتع ألمانيا وإيران بتقليد طويل من التبادلات الاقتصادية والتجارية، حيث يأتي حوالي 30٪ من المنشآت الصناعية الإيرانية من ألمانيا، كما تعد ألمانيا أكبر مصدر أوروبي لإيران. وبعد توقيع الاتفاقية النووية الإيرانية في عام 2015، أظهر التعاون الاقتصادي والتجاري الألماني الإيراني اتجاهًا تصاعديًا، ولكن بعد انسحاب امريكا من الاتفاقية النووية الإيرانية واستئناف العقوبات في عام 2018، تراجعت التجارة الثنائية بين ألمانيا وإيران بشكل حاد، وخسرت الشركات الممولة من ألمانيا مليارات اليورو. علاوة على ذلك، وفي ظل أوضع الحالي، من الصعب على أوروبا وإيران استئناف التبادلات الاقتصادية.

من الناحية الأمنية، لا يستبعد أن ينقل بعض المتشددين الشيعة المؤيدين لإيران غضبهم وكراهيتهم تجاه أمريكا إلى أوروبا حتى ولو ستحافظ إيران على أقصى درجات ضبط النفس. وبعد تدهور العلاقات بين أمريكا وإيران، اعتقد رئيس الاستخبارات الألمانية اوغست هانينغ سابقًا، أنه يمكن استهداف المنشآت اليهودية على الأراضي الألمانية والوكالات الإسرائيلية والقواعد الأمريكية. ويحتمل أن تشهد الهجمات الإرهابية تصاعدا في جميع أنحاء أوروبا. علاوة على ذلك، قد تتأثر النتائج الحالية للتحالف الدولي ضد “الدولة الإسلامية” إذا انسحبت القوات الأجنبية المتمركزة في دول الشرق الأوسط بسبب جولة جديدة من الفوضى في الشرق الأوسط. بمعنى آخر، بغض النظر عن تنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابية أو بعض المتشددين الشيعة المؤيدين لإيران، قد يتم شن هجمات في أوروبا مستقبلا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن إبطال الاتفاقية النووية الإيرانية بالكامل سيحدث رد فعل متسلسل. ومنذ فترة طويلة، كان المحللون قلقين من أن امتلاك إيران النووي سيؤثر على دول مجاورة مثل مصر والسعودية وتركيا، وقد يؤدي إلى سباق نووي بين قوى الشرق الأوسط، وهذا يشكل تهديدًا ليس لأمن الشرق الأوسط فقط، ولكن أيضًا لأمن واستقرار أوروبا والعالم بأسره. ناهيك عن أن موجة اللاجئين التي جلبتها حرب الشرق الأوسط سوف تتدفق مرة أخرى إلى أوروبا، مما يزيد من الضغوطات على أوروبا.

الاتفاق النووي الإيراني لم يتحقق بسهولة، رغم أنه ليس الحل النهائي للمشاكل المعقدة في الشرق الأوسط، إلا أنه يمكن أن يصبح على الأقل أساسًا مهمًا. وفي الوضع الحالي، ليس أمام أوروبا خيار آخر سوى الاستمرار في لعب دور الجسر، أو كما اقترح وزير الخارجية الألماني السابق زيغمار غابرييل، “البحث عن كل الوسائل الممكنة جنبًا إلى جنب مع روسيا والصين لمنع تصاعد الصراع الأمريكي ـ الإيراني”، وهكذا فقط يمكن أن يكون هناك أمل أكبر للاستقرار والأمن في الشرق الأوسط وللسلام العالمي.

تستطيع أوروبا كقارة اقتصادية وثقافية وليست عسكرية صياغة سياسة مستقلة تجاه إيران التي تتماشى حقًا مع مصالح أوروبا الخاصة وتفضي أيضًا إلى أمن الشرق الأوسط والسلام العالمي، ما يمكنها من تجنب تصاعد الصراع بين أمريكا وإيران. وإلا، فإن أوروبا ستفقد فرصة التأثير على القضية النووية الإيرانية وتحسين العلاقات مع إيران.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.