موقع متخصص بالشؤون الصينية

فيروس كورونا الجديد والتعاون الصحي بين الصين وأفريقيا

0

 

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
عادل علي*:

 

 

يُعد التعاون في مجال الصحة والطب ومكافحة الأوبئة والأمراض المعدية أحد المجالات المهمة ذات البعد التاريخي في العلاقات بين الصين وأفريقيا، إذ ترجع بداياته إلى عام 1963، وهو تاريخ قيام الصين بإرسال أول فريق طبي إلى القارة السمراء، وتحديدا إلى الجزائر.

واكتسب هذا التعاون طابعا مؤسسيا منذ تدشين منتدى التعاون الصيني – الأفريقي (فوكاك) عام 2000، حيث أصبح أحد البنود المهمة على جدول أعمال المنتدى ومبادراته الرئيسية، وخاصة في ظل الأوبئة والأمراض المعدية العديدة التي تعرضت لها الكثير من الدول الأفريقية، وتجلت أحدث مظاهره خلال الآونة الأخيرة، لاسيما في ضوء تفشي وباء فيروس كورونا الجديد (كوفيد -19) في الصين، وبدء تمدده وانتشاره في مختلف أرجاء القارة.

فمنذ ما يقرب من نحو ستة عقود من الزمن، تقوم الصين بمساعدة أفريقيا في المجال الصحي والطبي، وتجلت البداية في عام 1963 بإرسالها 100 من العاملين في مجال الرعاية الصحية إلى الجزائر، المستقلة حديثا آنذاك، وهو العدد الذي شهد زيادة مطردة منذ ذلك الحين، حيث وصل إلى نحو 26 ألف عامل طبي، قدموا خدماتهم إلى حوالي 280 مليون مريض في 71 دولة ومنطقة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا وأوقيانوسيا. ومن بين 1100 شخص يمثلون عدد أعضاء فرق المساعدة الطبية الصينية الذين يتم إيفادهم إلى 56 دولة حول العالم، فإن هناك 979 شخصا منهم يقدمون خدمات نوعية في المجال الصحي لـ 54 دولة أفريقية. وتتوزع الفرق الطبية الصينية في أفريقيا على 103 مواقع عمل، ويتواجد الكثير منها في المناطق الجبلية النائية.

الدور الصيني في مساعدة أفريقيا في المجال الصحي، يرتكز في أحد ملامحه على وثيقة أصدرتها الحكومة الصينية في يناير عام 2006، حددت فيها مبادئ وأهداف ومعالم سياستها تجاه أفريقيا، وأشارت إلى تعاون الجانبين في مجال التنمية المجتمعية وخاصة في المجال الصحي، وتضمنت تعهد الحكومة الصينية بمواصلة إرسال المساعدات الطبية والأدوية للبلدان الأفريقية، والمساعدة في تحسين جودة البنية التحتية الطبية وتدريب العاملين في المجال الطبي، والتعاون في علاج الأمراض المعدية مثل نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) والملاريا وغيرها من الأمراض.

وقد أدرج منتدى التعاون الصيني – الأفريقي التعاون في المجال الصحي ضمن المبادرات الثماني الكبرى للتعاون بين الصين وأفريقيا، الأمر الذي من شأنه دفع التعاون الصحي بين الجانبين إلى آفاق أكثر رحابة. وتعد خطة التعاون في مجال الصحة العامة من بين خطط التعاون العشر بين الصين وأفريقيا التي أصدرتها قمة جوهانسبرج لمنتدى التعاون الصيني – الأفريقي عام 2015، كما تعمل الصين منذ القمة المشار إليها على دفع التعاون على “طريق الحرير الصحي”، وتم تنظيم اجتماع رفيع المستوى عام 2018 حول موضوع “تعميق التعاون الصيني – الأفريقي في المجال الصحي، والبناء المشترك لطريق الحرير الصحي”.

في كلمته في افتتاح قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني – الأفريقي عام 2018 في 3 سبتمبر ببكين، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ “تحرص الصين بإرشاد هدف إقامة مجتمع مصير مشترك أوثق بين الصين وأفريقيا في العصر الجديد، وعلى أساس ما حققته “خطط التعاون العشر” بين الصين وأفريقيا، على التعاون الوثيق مع الدول الأفريقية وإعطاء الأولوية لتنفيذ “الحملات الثماني” في السنوات الثلاث القادمة والمستقبل”.

من ضمن المبادرات الثماني التي أشار إليها الرئيس شي كأولوية لتنفيذها في إطار التعاون الوثيق بين الصين وأفريقيا، مبادرة التعاون في المجال الصحي، وتتضمن تعهد الحكومة الصينية بتحسين وتطوير 50 مشروعا في إطار المساعدات الطبية لأفريقيا، مع منح الأولوية لبناء المشاريع الكبرى، مثل: مقر المركز الأفريقي لمكافحة الأوبئة ومستشفى الصداقة الصينية – الأفريقية، وإجراء التواصل بشأن الصحة العامة والتعاون في تبادل المعلومات، وتنفيذ مشاريع التعاون الصيني – الأفريقي في مكافحة الأوبئة، بما فيها الأمراض المعدية الجديدة والمتجددة ومرض البلهارسيا والإيدز والملاريا، وتكوين المزيد من الأطباء المتخصصين لأفريقيا والاستمرار في إرسال الفرق الطبية إلى أفريقيا وتحسين أدائها، ومواصلة الجولات الطبية، بما فيها “رحلة النور” و”رحلة الحب” و”رحلة الابتسام”، وتنفيذ مشروع القلوب المتلاحمة للنساء والأطفال والفئات المستضعفة.

وفي تطبيق عملي لما نصت عليه وثائق ومبادرات التعاون بين الصين وأفريقيا في المجال الصحي، قامت الصين بدور بارز في مساعدة الدول الأفريقية، ولاسيما في غرب أفريقيا، على مواجهة تفشي وباء الإيبولا عام 2014، حيث أرسلت بكين بصورة عاجلة الفرق الطبية وخبراء الأمراض المعدية إلى كل من غينيا وليبيريا وسيراليون لمساعدتها في التغلب على الوباء. وفي فترة مكافحة وباء الإيبولا، حضر أكثر من 1200 عامل طبي صيني في 13 دولة أفريقية باعتبارها مناطق تفشي الوباء أو المناطق المجاورة لها. وفي مستشفى الصداقة الصينية – الغينية، ساعد الأطباء الصينيون على إنشاء أقسام جديدة مثل مركز خاص لمعالجة الجروح ومركز آخر لمعالجة الأمراض الخطيرة. وفي فترة ما بعد تفشي وباء الإيبولا، ساعدت الصين في بناء مختبر الأمن البيولوجي في سيراليون، ومركز معالجة وباء الإيبولا في ليبيريا، إضافة إلى بناء المركز الأفريقي للسيطرة على الأمراض.

وطبقا لبيانات اللجنة الوطنية للصحة بالصين، فقد قامت الفرق الطبية الصينية بإجراء جراحات مجانية لإزالة إعتام عدسة العين لنحو 2857 مريضا من 5 دول عربية أفريقية، وهي جيبوتي وموريتانيا والسودان وجزر القمر والمغرب منذ عام 2014. ليس ذلك فحسب، بل قامت أيضا بإنشاء 30 مستشفى في أفريقيا، وتبرعت بكميات من الأدوية والمعدات الطبية لها بعد عام 2006، كما بدأت تعمل على مساعدة أفريقيا بنشاط في الوقاية من الملاريا ومكافحتها ومكافحة فيروس فقدان المناعة المكتسبة (الإيدز) خلال السنوات الأخيرة. وبالإضافة إلى ما سبق، تقدم الصين منحا حكومية للفنيين الصحيين الأفارقة لتلقي الدراسات والتدريبات لديها، حيث يحصل أكثر من ألف عامل طبي أفريقي كل عام على تدريبات قصيرة الأجل في مجال الصحة من قبل العمال الطبيين الصينيين.

وبلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين وأفريقيا في مجال الطب والأدوية في عام 2017 مليارين و432 مليون دولار أمريكي، فيما بلغت قيمة التجارة بين الصين وأفريقيا في الطب الصيني التقليدي نحو 80 مليون دولار أمريكي في ذات العام. وأصبحت تجارة الخدمات للطب التقليدي نقطة نمو جديدة للتعاون الصيني – الأفريقي.

وبحسب صحيفة (الشعب) اليومية، فقد وقعت الحكومة الصينية عقودا للطب التقليدي مع جزر القمر وغانا وتنزانيا ومالاوي وأثيوبيا، حيث قدمت خدمات للأفارقة من خلال العلاج الطبي والبحث العلمي والرعاية الصحية، كما أرسلت أكثر من ألفي طبيب للطب الصيني التقليدي إلى الدول الأفريقية. وتحتضن تونس مركز العلاج الطبي الصيني التقليدي الوحيد في أفريقيا الذي يقدم خدمات التشخيص والعلاج السريري وتدريس العلاج بالوخز بالإبر الصينية.

في ظل هذا الزخم من المساعدات في المجال الصحي والطبي التي تقدمها الصين للدول الأفريقية، وإذ لم يكد عام 2019 يوشك على إسدال الستار على لحظاته الأخيرة، إلا وكان العالم على موعد مع وباء جديد، بدأت بؤرته الرئيسية بمدينة ووهان حاضرة مقاطعة هوبي بالصين، ثم تحول إلى وباء عالمي أو جائحة وفقا لتقييم منظمة الصحة العالمية، وهو وباء فيروس كورونا الجديد (كوفيد -19)، نجحت الصين بفضل قيادتها الحكيمة وتماسك والتزام شعبها في مواجهته بحزم حظي بإشادة وتقدير مختلف دول العالم ومنظماته.

ورغم أن القارة السمراء كانت بمنأى عن انتشار وباء فيروس كورونا الجديد، بيد أن هذا الصمود لم يستمر طويلا، إذ سرعان ما نجح الفيروس في اختراق حدود القارة، رغم ما اتخذته دولها من إجراءات احترازية عديدة، كحظر التجمعات، وتعليق الدراسة في الجامعات والمدارس، وتعليق الرحلات الجوية، وإغلاق المحلات التجارية، ومنع صلاة الجماعة والجمعة في المساجد وتعليق القداس في الكنائس لوقف تفشي الوباء. وتشير الإحصائيات والأرقام المعلنة إلى تجاوز عدد حالات الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا في أفريقيا 2000 حالة، وأعلنت 44 دولة من أصل 54 دولة اكتشاف إصابات بالفيروس.

تشير الخبرات السابقة لتعامل دول القارة مع حالات تفشي الأوبئة مثل الإيبولا، إلى أن الأنظمة الصحية في أفريقيا تعاني من الهشاشة، فضلا عن النقص الشديد في الموارد. وبالتالي، فإن انتشار الوباء في أفريقيا سوف يترك تداعيات كارثية على الدول وشعوبها، وكذلك على الأنظمة الصحية بشكل خاص، وتاليا على اقتصادياتها، ولاسيما في الدول الأشد فقرا في القارة.

مكمن الخطورة فيما يتصل بانتشار وباء فيروس كورونا الجديد في أفريقيا يتجلى – وفقا لمنظمة الصحة العالمية – في عدم جاهزية أنظمتها الصحية بصورة ملائمة لمواجهة الفيروس. فخلال اجتماع لوزراء صحة دول الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا، دعا المدير العام للمنظمة الدول الأفريقية إلى تشكيل جبهة موحدة لتكون أكثر صلابة لمكافحة فيروس (كوفيد -19)، معبرا عن أن مصدر قلقه الرئيسي هو احتمال تفشي الفيروس في الدول التي تعاني من ضعف في أنظمتها الصحية.

وفي ضوء ما يجمع بين الصين وأفريقيا من مصير مشترك في السراء والضراء، وكذلك ما يجمع بين الجانبين من علاقات إخاء وصداقة وشراكة استراتيجية، بجانب إعراب منظمة الصحة العالمية عن قلقها الشديد بشأن انتشار الفيروس في القارة السمراء في ظل معاناتها من هشاشة نظمها الصحية، وأيضا دعوة مسؤول بالمنظمة إلى فتح ممر إنساني لتسهيل إيصال المعدات الطبية والأدوية الضرورية لمكافحة الفيروس. بادرت الصين إلى تقديم العون والمساعدة إلى الدول الأفريقية لدعم جهود الأخيرة في مكافحة مرض فيروس كورونا الجديد، حيث أعلنت بكين عن تقديم مساعدات طارئة بشأن مواد مكافحة المرض إلى أفريقيا وتسليمها على دفعات، وكذلك مواصلة حث الشركات الصينية وكذا المؤسسات الخاصة الصينية لتقديم دعم فعال للدول الأفريقية لمكافحة المرض.

وأبدت الصين اهتماما كبيرا بانتشار الفيروس في أفريقيا، وقامت بتزويد الدول الأفريقية والاتحاد الأفريقي بمختلف أنواع المساعدات المادية، بما في ذلك الكواشف ومنتجات الحماية الطبية. كما قام خبراء صينيون بعقد مؤتمرات عبر الفيديو بشأن تبادل الخبرات في مكافحة المرض مع نظرائهم الأفارقة، وحشدت الفرق الطبية الصينية في أفريقيا للمشاركة بنشاط في مكافحة المرض في الدول الأفريقية حيث يعملون هناك. وقامت العديد من الشركات الصينية والمنظمات غير الحكومية والصينيين الذين يعيشون في أفريقيا بتقديم المساعدات إلى الجانب الأفريقي.

تدرك الصين أن القارة السمراء تواجه تحديات عديدة بشأن الوقاية من تفشي الأمراض والسيطرة عليها. ولذا، أعلنت – على لسان الرئيس شي جين بينغ – استعدادها للإسراع في تفعيل مبادرة الرعاية الصحية ضمن المبادرات الثماني الرئيسية التي أُعلن عنها في قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني – الأفريقي 2018، ودعم بناء المراكز الأفريقية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، وتعزيز التعاون الصيني – الأفريقي في مجال الصحة العامة والوقاية من الأمراض والسيطرة عليها. وأكد الرئيس شي أن الصين تعتزم تزويد الدول الأفريقية بالمزيد من الإمدادات الطبية التي تحتاجها بشكل عاجل، من بينها معدات الاختبارات.

وقامت الصين بجمع التبرعات لدعم الدول الأفريقية في مكافحة فيروس كورونا الجديد. فعلى سبيل المثال، تبرع السفير الصيني لدى تونس بنصف راتبه الشهري لدعم جهود الأخيرة في مكافحة الفيروس. وتبرعت الجالية الصينية في مدينة شيانغتان بمستلزمات بقيمة 200 ألف يوان صيني لدعم الجزائر في مكافحة الوباء. وأطلقت سفارة الصين في جنوب أفريقيا مبادرة إنسانية لتقديم الدعم إلى حكومة جنوب أفريقيا لمواجهة الفيروس، بتبرعها بمبلغ 3 ملايين راند (عملة جنوب أفريقيا) من رجال أعمال صينيين مغتربين في هذا البلد.

لقد أصبحت مكافحة فيروس كورونا الجديد مجالا جديدا لاختبار الصداقة القوية بين الصين وأفريقيا. ففي الوقت الذي أبدت فيه القارة الأفريقية – دولا ومنظمات – تضامنها ودعمها القوي لجهود وخطوات الصين – حكومة وشعبا – في سياق معركتها ضد الفيروس، فقد أبدت الصين أيضا استعدادا كبيرا لمساعدة الدول الأفريقية في جهودها تجاه مكافحة انتشار الوباء فيها. وهو ما يعكس ما يحظى به التعاون في المجال الصحي مع القارة السمراء من أولوية في أجندة وأولويات التحرك الصيني تجاه دول وشعوب أفريقيا، ودور الصين المهم في الحفاظ على الصحة العامة في أفريقيا، وصولا إلى تحقيق هدف مجتمع المصير المشترك بين الصين وأفريقيا، بما يعود بالنفع ليس فقط على 2.5 مليار شخص في الجانبين، وإنما أيضا تعزيز الصحة العامة على المستوى العالمي.

 

* إعلامي وباحث مصري في الشؤون الصينية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.