موقع متخصص بالشؤون الصينية

فرض أمريكا عقوبات على 33 شركة ومؤسسة صينية … هل هو إعلان عن بداية حرب باردة جديدة؟

0

صحيفة الشعب الصينية ـ
بقلم/ د. فايزة سعيد كاب، باحثة في الشؤون الصينية والعلاقات الصينية ـ الدولية:

أعلنت وزارة التجارة الأمريكية، نهاية الأسبوع الماضي عزمها إضافة 33 شركة ومؤسسة صينية، إلى القائمة الاقتصادية الأمريكية السوداء على خلفية ” الأمن القومي”، وبحسب رويترز، ذكرت وزارة التجارة الأمريكية إنها فرضت عقوبات على تسع شركات ومؤسسات، بالإضافة الى إدراج 24 شركة حكومية ومنظمة تجارية في القائمة الاقتصادية السوداء لدعم شراء المواد التي يحتاجها الجيش الصيني. كما ذكرت وزارة التجارة الأمريكية أن هذه الشركات مدرجة في “قائمة الكيانات” الخاصة بها في خطوة تمنع الشركة من الحصول على مكونات وتكنولوجيا من شركات أمريكية بدون موافقة الحكومة.

وقد اعتبرت الصين الإجراءات المذكورة أعلاه انتهاكا صارخا للقواعد الأساسية للعلاقات الدولية، وتدخل في الشؤون الداخلية للصين، ويضر بمصالحها. معربة عن بالغ استيائها ومعارضتها الحازمة لإدراج الولايات المتحدة الشركات والمؤسسات والأفراد الصينين في “قائمة الكيانات” الخاصة بها. وقال تشاو لي جيان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية خلال المؤتمر الصحفي المنعقد يوم 25 مايو، إن شؤون شينجيانغ هي شؤون داخلية بحتة للصين، ولا يحق لأي دولة التدخل فيها، وأن الصين تحث الولايات المتحدة إلى تصحيح أخطائها وإلغاء القرارات ذات الصلة والتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للصين.

بالرغم من أن الولايات المتحدة ارجعت حجة إضافة الشركات الصينية إلى القائمة الاقتصادية الأمريكية السوداء إلى انتهاك الصين حقوق الانسان في شينجيانغ، لكن في الواقع، الرئيس دونالد ترامب لم يتوقف عن التهديد بفرض عقوبات على الصين، بسبب جائحة فيروس كورونا الجديد. فمنذ أن بدأ تفشى فيروس كورونا الجديد مطلع يناير الماضي، علت أصوات بعض السياسيين والاعلاميين الغربيين خاصة الولايات المتحدة الذين يطالبون بالتحقيق في الصين ومطالبتها بالتعويض، وفرض العقوبات الاقتصادية عليها في حال رفضها التحقيق عن مصدر الفيروس، والافصاح عن الارقام الفعلية للإصابات، ومدى تأثير انتشار الوباء على مليار وثلاثمائة مليون نسمة، الدولة الأكبر في العالم من حيث عدد السكان.

وكان السيناتور الجمهوري الأمريكي ليندسي غراهام قد رفع مؤخرا إلى مجلس الشيوخ، مشروع قانون جديد يفوّض الرئيس دونالد ترامب بفرض عقوبات على الصين، بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد. وأكد غراهام في بيان منشور على موقعه الرسمي، أن مشروع القانون الجديد الذي يحمل تسمية “قانون المساءلة عن كوفيد-19″ سيفسح المجال أمام الرئيس لفرض عقوبات على الصين إذا فشلت الأخيرة في التعاون مع المحققين الدوليين وتقديم تقرير كامل بشأن الأحداث التي أدت إلى تفشي الفيروس.

وقد حذر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس من أن استغلال هذا الوباء للحصول على نتائج سياسية يشبه اللعب بالنار، قائلا:” إذا كنتم لا ترغبون في رؤية تكدس المزيد من الجثث، فعليكم التوقف عن تسييس هذا الوباء”.

ولا يخفى عن أحد، أن الصين أول دولة أعلنت عن تفشي فيروس كورونا الجديد في ووهان، مقاطعة هوبي الصينية، ونبهت العالم إلى خطورة الوضع وتوخي الحذر من الانتشار السريع للفيروس غير المعروف. وقد بذلت الصين جهودا متواصلة لمكافحة الوباء، حيث قررت الصين في الأيام الأولى من تفشي فيروس كورونا الجديد اعتماد سياسة وطنية للوقاية والرقابة الصارمتين، واعتبرت تعبئة ومشاركة الشعب كله الضمان الأساسي لكسب المعركة. كما تم تشكيل شبكة معلومات كثيفة، وأقامت المؤتمرات الصحفية والاحاطة العلمية حول وضع الوباء، واجتماعات تبادل المعلومات على جميع المستويات ببث آخر حالة للوضع الوبائي ونقل المعرفة عن الوقاية والسيطرة بسرعة ودقة.

وفي المقابل، في مواجهة ملايين المرضى وعشرات الآلاف من المتوفين، لم تتوصل حكومة الولايات المتحدة أبدًا إلى استراتيجية منهجية وكاملة للوقاية والسيطرة. وأشار آرثر كابلن، الأستاذ في مركز لانجون الطبي بجامعة نيويورك إلى أن البيت الأبيض لم يأخذ تهديدات تفشي الفيروس في الولايات المتحدة على محمل الجد، وبأن المحافظين الذين يؤمنون بالأسواق الحرة يضعون الأيديولوجيا فوق العلوم وبالتالي لا يمكنهم القيام باستجابة وطنية قوية لمواجهة الوباء.

تعد الولايات المتحدة في الوقت الحاضر أشد الدول تضررا في العالم بسبب الفيروس مع أكثر من مليون إصابة مؤكدة وحوالي 100 ألف حالة وفاة. ومع زيادة انتشار المزيد من المعلومات حول الاستجابة الضعيفة للحكومة الأمريكية والفوضى العارمة في المراحل المبكرة من تفشي الوباء، يحاول ترامب غسل يده من المسؤولية بدلا من الفيروس بتحميل الصين مسؤولية انتشار الوباء في الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأ سياسيوها في نشر نظرية مؤامرة فيروس كورونا المستجد، ولم ينفكوا مطلقا عن زرع فكرة أن الصين هي التي أنتجت الفيروس وهي مصدره، كما حثوا الدول الأخرى على المطالبة بأن تقدم لهم الصين تعويضا، مدّعين أنها هي المسؤولة عن تفشي الوباء العالمي.

قال لي هايدونغ، الأستاذ في كلية الشؤون الخارجية، لصحيفة غلوبال تايمز يوم 23 أن الجانب الأمريكي أطلق قائمة عقوبات ضد الشركات والأفراد الصينيين في هذا الوقت لإرسال إشارة إلى الصين مفادها أنه إذا لم يلب الجانب الصيني توقعاته بشأن بعض القضايا التي تهم الجانب الأمريكي، فإن الجانب الأمريكي سوف يأخذ سلسلة من العقوبات. ويعتقد لي هايدونغ أن العقوبات الأمريكية لها أسباب داخلية وخارجية. في الداخل، تظهر استطلاعات فوكس تراجع شعبية ترامب، وأن الأخير حريص على الخروج من هذا الوضع.

منذ الحرب العالمية الثانية أصبحت العقوبات الاقتصادية سلاحًا مشهّرًا للولايات المتحدة تهدد به كل من لا يحقق مصالحها حتى أصبحت أكثر الدول استخدامًا في العالم لسلاح العقوبات الاقتصادية وأكثرها مبادرةً لفرضه سواء من جانب واحد أو عبر الحشد الدولي لإقراره من خلال المنظمات الدولية لاسيما الأمم المتحدة. ومع الوقت، أصبحت العقوبات إحدى أدوات السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية تستخدمها هنا وهناك، عوضا عن الانخراط في حملات عسكرية مكلفة وغير مضمونة العواقب. كما أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على دول أخرى كانت جميعها خارج نطاق القانون الدولي، ومن بينها ما فرضته على إيران وسوريا وكوريا الشمالية وكوبا من عقوبات اقتصادية خانقة.

لم تعد العقوبات، سواء كانت اقتصادية أو عزلاً دبلوماسيا، مقدمات تُمهد لحروب، بقدر ما أصبحت بديلة للحروب، وفلسفة هذا النمط من الحرب الباردة بطبعتها الجديدة، خاصة في ظل حكم ترامب الذي يعتمد على استراتيجية العقوبات الاقتصادية بدلا من عامل الردع العسكري المكلف.

قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي في مؤتمر صحفي عقد على هامش اجتماع الدورتين 2020 يوم 24 مايو، أن بعض القوى السياسية الأمريكية تحاول أخذ العلاقات الصينية-الأمريكية كرهينة وتحاول دفع الدولتين إلى “حرب باردة جديدة”. وتابع أن هذه محاولة خطيرة لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، وتفسد نتائج التعاون التي حققها الشعبان على مدار أعوام، وتقوض تطور مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة ويعرض استقرار وازدهار العالم للخطر، مؤكدا أنه يتعين بذل الجهود لوقف هذه الممارسات الخطيرة.

انخرطت الصين والولايات المتحدة بشكل رئيسي في النزاعات التجارية في عام 2018، التي تطورت إلى دورة منافسة هيكلية انتقامية تغطي التكنولوجيا والأمن القومي والجغرافيا السياسية، مما أعاد تشكيل ميزان القوى العالمي. ويُعتبر الإعلان عن انهاء الحرب التجارية في نهاية عام 2019، بتوقيع اتفاقية المرحلة الأولى التجارية، ما هو إلا تدبيرا لحفظ ماء الوجه خلال الأزمة، لأنه غير كافي للحد أو القضاء على التوترات العميقة نهائيا. والدليل على ذلك ظهور توترات أخرى بين البلدين على السطح بعد تفشي الوباء مباشرة. مما يؤكد أيضا أن هناك علامات متزايدة على أن أكبر اقتصادين في العالم ينفصلان، وأن الولايات المتحدة والصين غير قادرتين على انقاذ هذا الوضع الخطير، حيث أن الحكومة الأمريكية تنظر بشكل متزايد على أن الصين ليست فقط تهديدًا اقتصاديًا لها، ولكن أيضًا الموجه الأقوى إلى تغيير النظام العالمي، وفي المقابل، تشهد الصين سلسلة من التغييرات الرئيسية في سياستها جعلتها أكثر معارضة ومواجهة مباشرة عما قبل، ما قد يُدخل البلدين في مفترق طرق حيث تمزق العلاقات الصينية ـ الامريكية بشكل مثير للقلق، وينقل المعسكرين المعاديين لحرب بادرة جديدة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.