موقع متخصص بالشؤون الصينية

شكل العلاقات الصينية – الامريكية في عهد الرئيس جو بايدن

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
محمد زريق*:
بعد مراجعة العديد من التقارير والتصريحات لكِلا الجانبين الامريكي والصيني يتبين أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية لن تشهد تبدُلا جذريا، فقد يلجأ الرئيس الامريكي الى إدخال تعديلات على بعض التفاصيل الفرعية، أما في ما يتعلق بالخطوط العريضة للسياسة الأمريكية تجاه الصين فلن تتغير كما يظن البعض. لقد كان الرئيس الأمريكي واضحا منذُ البداية أن الصين هي المنافس الأول لبلاده وعلى الولايات المتحدة كبح جماح الصين السياسي وتقدمها الاقتصادي الهائل، وفي تصريح ناري حديث للرئيس الأمريكي قال إن الصين ستدفع ثمن انتهاكاتها لحقوق الانسان. هذه التصريحات مشابهة لتلك التي كان يطلقها الرئيس السابق دونالد ترامب خلال هجومه السياسي على الصين.
بيد أنه خلال الأسبوع المنصرم أجرى الرئيس بايدن مكالمته الهاتفية الأولى بالرئيس الصيني شي جين بينغ. خلال المكالمة أكّدَ الرئيس الأمريكي على تمسك الولايات المتحدة بالحفاظ على أمن واستقرار المحيطين الهندي والهادئ وأن تكون مصلحة الولايات المتحدة والشعب الامريكي على سلم الاولويات؛ للأسف أعربَ الرئيس بايدن وبطريقة لا تختلف عن سلفه عن قلق الولايات المتحدة من السياسات التي تتبعها الادارة الصينية في منطقي هونغ كونغ وشينجيانغ، وانتقد الخطوات المتسارعة التي تتخذها بكين في ما يتعلق بتايوان. قبل إجراء تلك المكالمة الهاتفية كان الرئيس بايدن قد أشار الى المنافسة الشديدة بين بلاده والصين، التي تحتدم من حيث التقدم الاقتصادي والسياسي الصيني الكبير، إضافة إلى القدرات العسكرية الهائلة التي باتت بحوزة جيش التحرير الشعبي الصيني.
بالمقابل دعا الرئيس الصيني نظيره الأمريكي إلى التعاون والتواصل البنّاء بهدف حل الأزمات المتراكمة والتي تفاقمت كثيراً في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. كما أن القيادة في الحزب الشيوعي الصيني قد دعت الإدارة الأمريكية إلى التعاون ومد اليد بدل الكيدية السياسية والسياسات الاقتصادية التدميرية. لكن يبدو أن الادارة الامريكية عازمة على وضع الصين في خانة الاتهام السياسي، فقد أكد وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن أن الولايات المتحدة عازمة على مساءلة الصين في ما خص حقوق الإنسان والإخلال بقواعد الديموقراطية في شينجيانغ وهونغ كونغ والتبت.
إن الصين أحرزت العديد من الانجازات في العقد الأخير، للمرة الأولى في التاريخ البشري الحديث تستطيع دولة غير غربية إحراز إنجاز تكنولوجي ضخم، فقد استطاعت الصين الحصول على تقنية الجيل الخامس وهي في طريقها إلى الجيل السادس. إن هذا الانجاز شكّلَ صدمة مدوّية في الأوساط الغربية وتحديداً في الولايات المتحدة، فبطريقة لا أخلاقية ولا قانونية تمَّ القبض على إبنة رئيس شركة هواوي الصينية في كندا وقد سلمتها السلطات الكندية إلى الولايات المتحدة، إن هذه الخطوة العشوائية تشير إلى الفشل الأمريكي الذريع والاختلال في الميزان التكنولوجي للمرة الأولى لمصلحة الصين بعد أن كانت الولايات المتحدة متربعة على عرش التكنولوجيا والتقنيات الحديثة. إن السياسة الرشيدة التي تتبعها الإدارة الصينية أدت مؤخرا إلى القضاء على الفقر المدقع وقد حققت الصين تقدماً اقتصادياً في ظل جائحة كورونا والركود الاقتصادي، مما يؤشر إلى صلابة الاقتصاد الصيني وقدرته على تحقيق النمو في أصعب الظروف.
غالبا ما تنتقد الإدارة الأمريكية الصين بخصوص انتهاك حقوق الانسان والقمع و”النظام غير العادل”، الا أنه في حقيقة الأمر تتبع الإدارة الصينية سياسة تنموية تجاه إقليم شينجيانغ وغيره من المناطق الريفية في الصين. في السنوات الأخيرة وسّعَت الصين شبكة المواصلات لتطال كافة المناطق الصينية وزادت من الميزانية المخصصة للتنمية والتعليم، فبات معظم سكان الأرياف من ذوي اليد العاملة الماهرة والمتخصصة. إنها طريقة ذكية للقضاء على التطرف والإرهاب، لأن الفقر والأزمات الاجتماعية هي بيئة حاضنة للإرهاب. تشير الأصابع الغربية إلى المعاهد الفنية ومراكز التدريب العلمي لدمج السكان الصينيين المهمشين وتحويلهم إلى طاقة منتجة على أنها مراكز قمع وتعذيب؛ ففي أكثر من مرة كذّبت الإدارة الصينية عبر تقارير موثقة هذه التلفيقات الغربية، ولكن يبدو أن الولايات المتحدة مصرّة على إبقاء حالة الكيدية.
التعاون الصيني- الأمريكي في عهد الرئيس بايدن سينحصر في القضايا العالمية والتي تهم البشرية، مثل: تغير المناخ والصحة (تحديداً في مكافحة COVID-19) والحد من التسلح؛ أما في ما يتعلق بالمنافسة الاقتصادية والكباش السياسي فالحال ما يزال غير واضح الأفق، ولكن من المستبعد التوصل إلى حالة من التهدئة. إن الرئيس بايدن ينتهج سياسة الانفتاح والانخراط بالمنظمات الدولية من جديد على عكس سلفه، مما يشكل فرصة ذهبية للصين لتحسين علاقتها مع الولايات المتحدة وإعادة ترميم ما دمره الرئيس ترامب، العلاقة الصينية – الأميركية هي أهم علاقة ثنائية في مجال العلاقات الدولية ولا يمكن التغاضي عنها، كل من الولايات المتحدة والصين تمتلكان اقتصاداً قوياً وجيشاً متطوراً ودوراً سياسياً متعاظماً على الساحة الدولية.
تعتمد الصين سياسة الانفتاح على الجوار والعلاقة المستقرة مع بعض الدول التي تجمعها بها مصالح متناقضة وخلافات إقليمية مثل كوريا الجنوبية واليابان والفيليبين، هذه السياسة الصينية الحكيمة تفوت فرصة صنع الخلافات الإقليمية والشقاق الآسيوي بين الصين ودول إقليمية أخرى. من الواضح أن منطقة آسيا-الهادئ ستكون على سُلم أولويات الرئيس بايدن؛ فالولايات المتحدة في طريقها إلى صنع إتفاق نووي مع إيران وإنهاء الصراعات في الشرق الأوسط، مثل إعادة فتح الحدود بين المملكة العربية السعودية وقطر، ومفاوضات السلام الجديّة لانهاء الحرب على اليمن، بالتالي إن الشرق الأوسط ليس أولوية للولايات المتحدة في هذه الحقبة لأن الخطر الأكبر الذي يهدد الاقتصاد الأمريكي ومكانة الولايات المتحدة في النظام الدولي الحديث قادم من الشرق تحديداً من الصين التي تحولت إلى المنافس الأساس لأمريكا.
أشار الباحث السياسي الصيني وانغ دا (Wang Da) إلى أن سياسة الرئيس بادين ستكون أكثر حدة من السياسة التي انتهجها الرئيس أوباما تجاه الصين، بالرغم من أن كِلا الرئيسين ينتميان إلى الحزب نفسه ولديهما رؤى متشابهة، فقد كان بايدن نائباً للرئيس أوباما، ولكن الوضع السياسي والاقتصادي للصين في تقدم متسارع وبات من الصعب على الولايات المتحدة ترويضها بالرغم من محاولات الرئيس ترامب فرض العقوبات الاقتصادية عن طريق الحرب التجارية والضرائب، يشير وانغ دا إلى أن سياسة الرئيس بايدن ستكون ليّنة أكثر في التعاطي مع الصين من الرئيس ترامب. إن الولايات المتحدة قلقة للغاية من امتلاك الصين للتكنولوجيا المتطورة ومن نموها الاقتصادي الهائل، لذا ستنصب جهود الإدارة الأمريكية الجديدة على الحد من هذا التقدم الصيني.
يشير الباحث لي شياو (Li Xiao) إلى أن إدراة بايدن ستُعيد ترميم التحالفات التي دمرتها سياسات الرئيس ترامب في شرق آسيا ومنطقة الآسيان، فأغلب أعضاء فريق عمل الرئيس بايدن قد كانوا قائمين على عقد اتفاقات في منطقة آسيا- الهادئ لمواجهة الصين اقتصاديا وسياسيا، مثل الشراكة عبر المحيط الهادئ. من جانبه، يعتبر الباحث جيانغ يانغ (Jiang Yang) أن الادارة الصينية يجب أن تقوم بتمتين علاقاتها مع جيرانها الآسياويين خصوصاً تلك الدول التي تجمعها علاقات مضطربة مع الصين، مثل الهند واليابان وفيتنام، من أجل سد الباب على الولايات المتحدة لخلق خلافات في المنطقة الآسياوية. يتوقع معظم الخبراء أن تزداد حدة حملة الرأي العام التي تشنها الولايات المتحدة على الصين في ما خص شينجيانغ وهونغ كونغ والتبت وتايوان، إلا أن هذه البروباغاندا المزيفة لن تؤثر على التقدم الصيني.
إن الولايات المتحدة في عهد الرئيس أوباما لا تشبه الولايات المتحدة في عهد الرئيس بايدن، فقدرات الولايات المتحدة في تقلص دائم، أما الصين فهي في تقدم مستقر، ومن المتوقع أن تصبح القوة الاقتصادية الأولى في السنوات القادمة، حتى أن حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيون لا يتفقون معها على معاداة الصين بسبب المصالح الاقتصادية الكبيرة التي تجمع أوروبا بالصين. إن الولايات المتحدة لا تزال القوة العظمى، ولكن هناك تحول من الأحادية القطبية إلى التنافسية مع الولايات المتحدة. إن العلاقة الصينية الأمريكية لن تكون أكثر سوءاً مما كانت عليه في عهد الرئيس ترامب، فالتعويل دائم على أن يكسر الرئيس بايدن الجليد ويرمم ما أفسده خلفه.

*محمد زريق ـ من لبنان ـ هو مرشح للدكتوراه في Central China Normal University، مهتم في سياسة الصين الخارجية تجاه المنطقة العربية مع تركيز خاص على مبادرة الحزام والطريق، لديه العديد من الكتابات والمنشورات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.