موقع متخصص بالشؤون الصينية

“باتشاي” في الصين: البطيخ بدلا من التمر للإفطار

0

 

موقع الصين بعبون عربية ـ
أحمد سلام*:
عبادة واحدة وعادات مختلفة.. يستقبل المسلمون في كافة أرجاء المعمورة شهر رمضان الكريم بعادات وتقاليد مختلفة من مكان إلى آخر. فمثلا في الصين يسمى شهر رمضان (باتشاي)، ويستقبل مسلمو الصين الشهر المبارك بطريقة مختلفة بعض الشيء عن نظرائهم في الدول العربية والإسلامية، وذلك لاختلاف العادات والتقاليد المتوارثة.
وتقوم الجمعية الصينية الإسلامية في بكين، والتى تُعد من أهم المؤسسات الدينية في جمهورية الصين الشعبية، بتحديد مطلع شهر رمضان وفقاً للحسابات الفلكية وليس برؤية الهلال كباقي الدول العربية والإسلامية، حيث يتوجب على المسلمين بالصين إتمام الصيام ثلاثين يوماً، وينتشر بالصين قرابة أربعة وثلاثين ألف مسجد.
ويتركز المسلمون في العديد من المناطق بالصين، ومنها منطقة شينجيانغ الويغورية ذاتية الحكم ومقاطعة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوي، كما يعيش عدد كبير من المسلمين في بكين بمنطقة نيوجيه وهي منطقة تشتهر ببيع اللحوم المذبوحة وفق الشريعة الإسلامية، إضافة إلى المصاحف والملابس الإسلامية والسجاجيد والسبحة الإسلامية.. إلخ.


ويحتفل الصينيون بشهر رمضان قبل قدوم الشهر وذلك بالقيام بتنظيف المنازل وتزيينها باللوحات القرآنية وتزيين المساجد، وفرشها بالسجاد الجديد، وفي رمضان تشارك جميع المساجد في ختم القرآن، كما هو الحال في باقي بلاد العالم الإسلامي. كما تحرص المساجد خلال شهر رمضان على فتح أبوابها أمام المسلمين وغير المسلمين من أجل تعريفهم بالدين الإسلامي.
ويعتبر تنظيم مأدب الإفطار الجماعي من أجل زيادة الروابط بين المسلمين من أبرز مظاهر شهر رمضان في الصين. حيث تتميز موائد الطعام في الصين بالتصميم الدائري والمتحرك في نفس الوقت، بجانب تنوع أصناف الطعام، ولا يفطر المسلم الصيني على التمر أو اللبن ولكن في عاداتهم يتم الإفطار بتناول البطيخ والشاي الأخضر، ثم الذهاب لصلاة المغرب والعودة لتناول وجبة الإفطار التى يستغرق تناولها ساعة أو ساعتين، حيث يتم التحاور بين أفراد العائلة أو الأصدقاء ومناقشة كافة الأمور حتى الانتهاء من تناول الأطعمة التى تحتوي في العادة على لحم الضأن ويتم تقديم الأرز المسلوق في نهاية الوجبة، أما الحلويات فهي عبارة عن كعكة من التمر والزبيب والمشمش المجفف والسكر والسمسم.

 

** مسجد نيوجيه:
ومن عادات المسلمين الصينيين في شهر رمضان أيضا، التجمع في المساجد في العشر الأواخر من الشهر للاحتفال بليلة القدر، والإكثار من الصلاة وقراءة القرآن الكريم. ولعل أشهرها (مسجد نيوجيه)، أكبر مساجد بكين.
ويقع مسجد نيوجيه بشارع نيوجيه (Niújiē) ومعناه لغويًا شارع البقر، وهو من أهم مناطق بكين التي تتركز فيها طقوس الذبح الإسلامية، وأطلق عليه هذا الاسم لكونه كان مكانًا لتجارة الأبقار – وهي التجارة التي سيطر عليها المسلمون لقرون من الزمن – في بكين، ويرجع تاريخ نشأة منطقة “نيوجيه” إلى عصر أسرة تانغ (4-294هـ/ 618-907م)، وتُعد هذه المنطقة من المناطق الكبيرة التي يتركز فيها مسلمو بكين.
ويعتبر مسجد نيوجيه ثاني أقدم المساجد في الصين وأقدمها في شمالي الصين، وهو أول مسجد بني في مدينة بكين. وقد اختلفت الآراء حول تحديد تاريخ بنائه: ففي حين يقترح بعض الباحثين أن المسجد تم بناؤه في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، ترجّح بعض الدراسات الأخرى أن المسجد يرجع تاريخ بنائه إلى عام 384ھ /994م، إلا أن هناك اتفاق بين معظم الباحثين الصينيين أن المسجد يعود تاريخ بنائه إلى عصر أسرة سونغ وتحديدًا عام 386ھ /996م.


** صلاة التراويح في الصين:
تقام صلاة التراويح في الصين في عشرين ركعة، وبين كل ركعتين يردد دعاء (يا مقلب القلوب والأبصار ويا خالق الليل والنهار) ثلاث مرات، وبين كل أربع ركعات يُحمد الله – تعالى- ويُقال (سبحان ذي الملك والكبرياء والجبروت، سبحان الملك الحي الذي لا يموت، سبوح قدوس رب الملائكة والروح) ثلاث مرات أيضا. وبعد الانتهاء من صلاة التراويح يُقال بصوت جماعي: (اللهم إنا نسألك الجنة، ونعوذ بك من النار، يا مجيد، يا أرحم الراحمين)، وبعد ذلك تُصلى صلاة الوتر جماعة والدعاء إلى الله تعالى بالأدعية الماثورة

** المسلمون العرب والأجانب في الصين:
يتواجد في الصين عدد كبير من المسلمين الأجانب (من كافة الجنسيات العربية والأفريقية والآسيوية.. إلخ)، وعلى وجه الخصوص الوافدين من بلدان عربية، ومن بينهم دبلوماسيون ودارسون وتجار ومستثمرون.
ويُعد شهر رمضان فرصة لتجمع المصريين والعرب المتواجدين في الصين لاستعادة الذكريات والأغاني الرمضانية وتناول الإفطار معا حيث يمتد السهر حتى وقت السحور. وعادة يتجمع المسلمون العرب المقيمون في بكين بأحد المساجد العربية والكائن بالسفارة السودانية، حيث يقومون بأداء صلاة التراويح ويتم تقديم الحلويات العربية المعتادة مثل الكنافة والجلاش والفاكهة والتمر والمشروبات الساخنة من شاي وقهوة وخلافه، ويتجاذب الجميع أطراف الحديث بعد الانتهاء من أداء صلاة التراويح، وفي العشر الآواخر تكون صلاة التهجد.
وتقوم العديد من السفارات العربية بدعوة أبناء الجاليات لحضور إفطار جماعي إما ببيت السفير أو بأحد الفنادق أو المطاعم العربية أو الإسلامية المنتشرة ببكين.
** مذكراتي الرمضانية بالصين:
في عام 1999، وأثناء دراستى بجامعة بكين وقبيل حلول شهر رمضان الكريم اتفقنا كدارسين مسلمين على أهمية التواصل مع إدارة الجامعة، وطلبنا منهم بالفعل أن يسمحوا لنا باستخدام مطبخ الطلبة وقاعة الطعام، وذلك للقيام بإعداد وجبات وتناول الإفطار الجماعي للطلبة الدارسين من العرب والمسلمين. وفي حقيقة الأمر فقد سُمح لنا بعد إجراءات روتينية صعبة باستخدام المطبخ وقاعة تناول الأطعمة. حيث قمنا بتكوين فريق يتناوب على عمليات إعداد الأطعمة والوجبات ثم تناولها سوياً بشكل جماعي ونتجاذب أطراف الحديث والمعلومات الدينية. وبعد تناول وجبة الإفطار كنا نصلى صلاة المغرب في جماعة، وبعد ذلك يقوم كل منا بالمهمة المكلف بها من حيث تنظيف المكان والأدوات وغيره. ومما يسعدني أن الأغاني الرمضانية المصرية كانت حاضرة معنا دائما، مما يجعلنا نعتز بوطننا وبلدنا مصر الغالية دائماً.
أما خلال الفترة من 2009 – 2013، وإبان عملي كمستشار اعلامي لجمهورية مصر العربية ببكين، فقد كان شهر رمضان فرصة لتجمع أكبر عدد من المصريين إما ببيت السيد السفير المصري أو بقيام المكاتب الفنية الإعلامي والسياحي والثقافي بدعوة المصريين المقيمين بالصين والدارسين في أحد الفنادق الكبرى أو المطاعم العربية وذلك لتناول وجبة الإفطار ويتكرر هذا الأمر عدة مرات خلال الشهر الكريم، ويتم تقديم المأكولات المصرية مثل الفول والطعمية والمشويات وذلك مع الاستماع إلى آذان الشيخ محمد رفعت وابتهالات الشيخ النقشبندي، وكذا أشهر الأغاني الرمضانية ويتم إعداد مسابقات وتقديم الهدايا للمصريين وأبنائهم وسط جو أسري وعائلي وجو رمضاني وروحاني جميل.
ومن اللافت للنظر أن حرية العقيدة الدينية للمسلمين الصينيين والأجانب محمية بشكل فعال في جميع أنحاء الصين. حيث ينص الدستور الصيني على “أن مواطني جمهورية الصين الشعبية يتمتعون بحرية العقيدة الدينية”، و”لا يحق لأي من أجهزة الدولة أو المنظمات الاجتماعية أو الأفراد إرغام أي مواطن على الاعتقاد بأي دين أو عدم الاعتقاد به، ولا يجوز التعصب ضد أي مواطن يعتقد بأي دين أو لا يعتقد به”. و”أن الدولة تحمى النشاطات الدينية الطبيعية”. خاصة وأن الصين دولة متعددة القوميات ولدى الكثير من الأقليات القومية الصينية عقيدة دينية خاصة.
** الأزهر الشريف:
في الحقيقة لا يخلو أي حديث مع المسلمين خلال شهر رمضان من ذكر فضل الأزهر الشريف خاصة المتحدثين باللغة العربية، حيث لطالما كانت مصر، وخاصة جامعة الأزهر بالقاهرة، وجهة مهمة للمسلمين الصينيين الذين يسعون لتعلم الإسلام. ولعل أشهرهم ومن أوائل الدارسين تلك المجموعة المكونة من أربعة طلاب مسلمين والتى حضرت إلى مصر في عام 1931. وهناك علماء صينيين كثيرين، مثل يوسف ما ديشين، أول من ترجم معاني القرآن الكريم إلى الصينية، تعلموا ودرسوا بالأزهر منذ القرن التاسع عشر. وجمهورية الصين (1912-1949) قامت بإرسال بعض المسلمين، مثل محمد ما جيان وغيرهم من الطلاب المسلمين إلى الدراسة في الأزهر في مصر، كما درس الإمام وانغ جينغزاي في جامعة الأزهر في مصر مع العديد من الطلاب المسلمين الصينيين الآخرين.
في النهاية، لا يسعني إلا أن أتقدم بأخلص التبريكات بمناسبة شهر رمضان الكريم أعاده الله على الجميع بالخير، وعلى مصرنا الحبيبة بكل الخير والنماء، وحفظ الله مصر وشعبها وقائدها وتحيا مصر دائماً وأبداً.
*مستشار إعلامي يابق في سفارة مصر في بكين ـ خبير بالشؤون الصينية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.