موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصفقة الصينية – الايرانية: استراتيجية صينية محدّثة تجاه الشرق الاوسط

0

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
محمد زريق*:

وقّعت الصين وإيران مؤخرا اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة بمئات مليارات الدولارات على مدار 25 عاما.

تشير العديد من الاراء والتحليلات السياسية إلى أن هذه الاتفاقية ستشكل دفعة الى الامام لمبادرة الحزام والطريق، تحديدا في المنطقة العربية وآسيا الوسطى.

إن هذه الاتفاقية هي تثبيت لـ “الحلف” الصيني – الايراني وتمتين لدعامات المثلث الاوراسي (الصين – روسيا – إيران)، بالتالي إن الصين باتت تمتلك وجهة على مضيق هرمز والخليج الفارسي ووصول لثروات هائلة من الموارد الطبيعية. بالرغم من الشرخ الايديولوجي بين النظام الاسلامي في إيران والنظام الشيوعي في الصين، إلا أن طهران تتلاقى مع بكين من ناحية الصراع مع الولايات المتحدة وسياسة العقوبات والحرب السياسية والاقتصادية الباردة التي فرضتها الادارات الاميركية المتتالية، أخص بالذكر الحرب التجارية التي أعلنها الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب على الصين.

هذه الصفقة ستؤدي إلى زيادة النفوذ الصيني في منطقة الشرق الاوسط، علما أن الصين تجمعها علاقات فوق العادة مع دول مجلس التعاون الخليجي، ومؤخرا  طرحت الادارة الصينية مبادرة للتقارب الايراني – السعودي، وكانت قد طرحت في السابق خطة لحل الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي. بالتالي، إن الادارة الصينية تعمل وفق استراتيجية بسط السلام والاستقرار في المنطقة، مما يشكل بيئة خصبة لتنفذ المشاريع الاقتصادية والانمائية المقترحة.

إن الولايات المتحدة مع إدارة الرئيس بايدن تعيد النظر باستراتيجيتها تجاه الشرق الاوسط، التي اعتمدت غالبا على القوة الصلبة وتأجيج الخلافات السياسية والدينية، فالرئيس بايدن قد دعا إلى إنهاء حرب اليمن وأظهر نيته بإعادة التفاوض مع إيران للوصول إلى حل للملف النووي. لذا، إن الولايات المتحدة تعيد النظر بسياساتها السابقة تجاه المنطقة وتحاول إعادة هيكلة استراتيجية جديدة لمحاولة وقف التقدم الصيني. إن إيران حاليا هي في موقع قوة، وذلك يعزى إلى الاتفاق الضخم مع الصين، والمحادثات مع السعودية بوساطة عراقية ونيّة الغرب بإعادة التفاوض بخصوص الملف النووي.

إن التحالف الصيني – الايراني سيشكل رافعة لمبادرة الحزام والطريق التي أعلن عنها الرئيس الصيني شي جين بينغ في أيلول عام 2013 من جامعة نزارباييف في أستانا خلال زيارة له إلى كازاخستان. عندما ألقى خطابه الشهير بعنوان “تعزيز الصداقة بين شعوبنا والعمل معًا لخلق مستقبل مشرق”. من بين كلماته، “لإقامة علاقات اقتصادية أوثق، وتعميق التعاون وتوسيع مساحة التنمية في منطقة أوراسيا، يجب علينا اتباع نهج مبتكر والتكاتف في بناء” حزام اقتصادي على طول طريق الحرير “. قد نبدأ بالعمل في مجالات فردية وربطها بمرور الوقت لتغطية المنطقة بأكملها “. بهذه الكلمات ، قدم الرئيس الصيني للعالم مفهوم الحزام والطريق ، أو الحزام الاقتصادي لطريق الحرير (丝绸之路经济带).

إن الاتفاقية الصينية – الايرانية لا تقتصر فقط على التبادلات الاقتصادية، بل تشمل التعاون العسكري المشترك وتدعيم الروابط الثقافية والتبادلات الاكاديمية والبشرية وغيرها، بالتالي إنه اتفاق طويل الامد وغير قابل للكسر. إن الصين ستستفيد كثيرا من الموارد الطبيعية الهائلة التي تمتلكها إيران والتي تحتاجها الصين، خصوصا بعد الاعلان عن مبادرة الحزام والطريق التي زادت من احتياجات الصين للموارد الطبيعية. إن زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ إي إلى القادة العرب وتوقيع اتفاقية تعاون شاملة مع إيران هي اشارة إلى أن الصين تنتهج استراتيجية جديدة ومحدّثة تجاه منطقة الشرق الاوسط.

إن هذه الخطوة الصينية جاءت مباشرة بعد المحادثات الثنائية بين الولايات المتحدة والصين في ألاسكا والتي لم تكن مرضية للجانب الصيني. تشير بعض التقارير إلى أن الشرق الاوسط سيكون ساحة منافسة مفتوحة بين الشرق والغرب، تتقدمها الولايات المتحدة والصين، بسبب الحاجة إلى الموارد الطبيعية والموقع الجغرافي المميز.

في الآونة الاخيرة توترت العلاقات بين الصين والاتحاد الاوروبي بحجة انتهاك الصين لحقوق الانسان في إقليم شينجيانغ، مما أسفر عن توقيف أعمال كبرى الشركات في الصين وأوروبا ومنع بعض الشركات الغربية من استيراد البضائع الصينية، مثلا منع استيراد قطن شينجيانغ. إن السياسة التي انتهجها الغرب ضد أفغانستان والعراق وفيتنام وغيرها من الدول من الصعب أن تعطي جدوى مع الصين، فالصين تمتلك نظاماً متيناً وجيشاً قوياً وثاني أقوى اقتصاد، بالتالي إن السبيل الوحيد هو التعاون ووضع سياسة الكيديات جانبا.

إن الحرب الاقتصادية والمشاحنات السياسية الدائمة سيكون لها أثر سلبي على الاقتصاد الدولي ككل. لكل من الولايات المتحدة والصين روابط اقتصادية في الشرق الأوسط، لا سيما مع دول مجلس التعاون الخليجي، لذلك من غير المرجح أن تلغي الصين وجود الولايات المتحدة في المنطقة، ومن المستحيل أن تردع الولايات المتحدة الصين عن تقدمها.

إن الاتفاقية الثنئاية ستعزز اندماج إيران في محيطها الاوراسي، علما أن إيران ستكون مرتاحة أكثر في التعامل مع جيرانها الشرقيين على التعامل مع الغرب. قد تتحول إيران إلى مركز تلاقٍ إقصادي في حال تم توقيع الاتفاق النووي وتحسنت العلاقات مع الغرب. إن هذه الاتفاقية هي تمهيد لنظام عالمي جديد قائم على التعاون والتواصل السلمي بعيدا عن الصراعات والقوة الصلبة.

 

*دكتور في العلاقات الدولية، مختص في سياسة الصين الخارجية تجاه الشرق الاوسط.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.