موقع متخصص بالشؤون الصينية

هل أفلت الاقتصاد الصيني مواسم الازدهار؟

0


صحيفة واشنطن بوست الامريكية:
كيث ريتشبورغ:
أكد مسؤول بارز في الحكومة الصينية يوم الخميس الماضي ما تداولته مؤخراً مجموعة من الأرقام والمؤشرات من أن الاقتصاد الصيني المزدهر على مدى الفترة الماضية تراجع بشكل لافت في الشهور القليلة الماضية على وقع الأزمة الاقتصادية، وأن حقبة النمو ما فوق العشرة في المئة للاقتصاد قد أصبحت جزءاً من الماضي.

فقد صرح “يو بين”، المدير العام لوحدة الأبحاث “الماكرو اقتصادية” التابعة لمجلس الدولة الحاكم قائلاً: “نعتقد أن الصين تقترب من نهاية فترة النمو الاقتصادي المرتفع، ونحن اليوم نحتاج إلى نمو معتدل ومعقول”.

ويأتي هذا التباطؤ في الاقتصاد الصيني، وإن كان غير مفاجئ بالنظر إلى تقديرات المتابعين للاقتصاد، ليسدد ضربة أخرى للاقتصاد العالمي الذي يمر بأزمة خانقة، مع احتمال دخول بعض البلدان الأوروبية في مرحلة الركود المزدوج بعد فترة قصيرة من التعافي لم تدم طويلاً، لكن الصين كان يُنظر إليها باعتبارها محركاً مهماً ومحتملاً لإعادة تحريك عجلة النمو في الاقتصاد العالمي، وهو الدور الذي لعبته فعلاً قبل ثلاث سنوات عندما أسهم النمو الاقتصادي القوي في الصين المدعوم بحزمة التحفيز التي أقرتها الحكومة الصينية عقب اندلاع الأزمة المالية عام 2008 والمقدرة قيمتها بنحو 586 مليار دولار، في تفادي العالم لأسوأ ركود اقتصادي.

لكن تدبير الانكماش الاقتصادي الذي تشهده الصين حالياً يطرح أمام الحزب الشيوعي الحاكم العديد من التحديات، فمنذ تحرير الصين لاقتصادها وانفتاحها على اقتصاد السوق عام 1979 انخرط قادتها في اتفاق ضمني مع الشعب تعمل بموجبه على ضمان نسبة عالية للنمو الاقتصادي لإخراج البلد من الفقر مقابل تعزيز شرعية الحزب وضمان استمراره في الحكم. كما أن مساحات واسعة من الساحل الشرقي للصين أصبحت مزدهرة في ظل النمو الاقتصادي والفرص الكبيرة التي جاء بها الانفتاح، بحيث تحول ملايين الصينيين في غضون جيل واحد فقط إلى الطبقة الوسطى الأكثر استهلاكاً، وكان من الضروري الحفاظ على نسبة النمو العالية لاستيعاب العدد الهائل من الخريجين الجامعيين كل سنة وتوفير الوظائف للملايين من العمال المهاجرين من مناطقهم الريفية إلى شرق البلاد بحثاً عن العمل وفرص أفضل. واليوم مع تنامي التوقعات بتراجع النمو الاقتصادي، ينشغل المسؤولون الصينيون بالتداعيات المحتملة لذلك على الصعيد الاجتماعي، لا سيما قبل التحول الكبير في القيادة الصينية المرتقب بحلول عام 2012، فقد شهدت محافظة “جوانجدونج” على سبيل المثال وهي القاعدة التصديرية الأساسية في شرق البلاد، سلسلة من الإضرابات العمالية التي تُعزى أساساً إلى تراجع الطلب في أوروبا والولايات المتحدة.
وأكد المسؤول الصيني البارز في لقاء أمام الصحفيين أن نسبة النمو الاقتصادي في الربع الأخير من 2011 قد انخفضت إلى ما دون 9 في المئة بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي بالولايات المتحدة واستمرار أزمة الديون السيادية بمنطقة اليورو، وأضاف أن توقعات النمو في العام المقبل ستكون أقل من 9 في المئة متبوعة بنمو يتراوح بين 7 و8 في المئة حتى عام 2017، وأوضح المسؤول الصيني هذا الأمر قائلاً: “لقد نمت الصين بسرعة كبيرة على مدى العقود الثلاثة الماضية، لكن اليوم تغيرت بعض الأمور بما فيها العامل الديموغرافي وميزان الطلب والعرض في القوى العاملة”.

وتؤكد هذه التوقعات الاقتصادية ما كان يعرفه بعض المراقبين منذ مدة من أن الصين تدخل مرحلة مؤلمة من إعادة الهيكلة بسبب التحول من اقتصاد قائم على التصدير والإنفاق الحكومي السخي على مشاريع البنية التحتية إلى اقتصاد يتجه نحو الاستهلاك الداخلي.

وتشير الأرقام الأولية لشهر ديسمبر الجاري إلى تراجع في قطاع الصناعة الصيني بعد تقلص شهده شهر نوفمبر الماضي، وأفادت وزارة التجارة الصينية يوم الخميس المنصرم أن الاستثمار الأجنبي تقلص إلى ما دون العشرة في المئة، وذلك بسبب تراجع الاستثمارات الأميركية بنحو 23 في المئة، هذا فضلًا عن انحسار معاملات التصدير إلى الخارج بسبب تراجع الطلب الدولي، وبخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا.

وفي هذا الصدد تشير الأرقام إلى انحسار مبيعات السيارات الصينية بنسبة 2.4 في المئة خلال شهر نوفمبر الماضي مقارنة بنفس الفترة من العام الفائت، بالإضافة إلى هبوط في أسعار العقارات للشهر الثالث على التوالي مع انحدارها لأكثر من 40 في المئة بمنطقة شنجهاي، ناهيك عن سوق الأسهم الذي عرف اضطرابات عديدة طوال السنة الجارية، ولعل الدليل الأبرز على التباطؤ الاقتصادي في الصين إقدام البنك المركزي في بكين على خفض قيمة الاحتياطي المالي الذي يُشترط على البنوك الاحتفاظ به في محاولة لتشجيع الإقراض وضخ الأموال في الدورة الاقتصادية.

وتتصاعد مخاوف المسؤولين الصينيين من تداعيات هذا التراجع العام في نسبة النمو الاقتصادي على الوضع الاجتماعي والسياسي في وقت يتهيأ فيه الحزب الشيوعي للإشراف على انتقال السلطة داخل الحزب عام 2012، ويسعى زعماء الحزب إلى أن يمر هذا الحدث بسلام دون أن تعكر صفوه الاحتجاجات، أو المطالب الاجتماعية الضاغطة، وقد حاول “يو بين” في معرض حديثه عن الاقتصاد الصيني التقليل من حدة هذا التراجع باعتباره أمراً عادياً تمر به الدول المتقدمة، عندما تصل مرحلة النضج، مشيراً في هذا السياق إلى ألمانيا واليابان اللذين انطلقا بعد الحرب العالمية الثانية في البناء ونما اقتصادهما فقط ليعود إلى التباطؤ بعد انتهاء مرحلة الإعمار.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.