موقع متخصص بالشؤون الصينية

تشيان مينجيان: سفير فوق العادة للصين في بلاد الارز

0

موقع الصين بعيون عربية-

د. محمد زريق*:

يشير القانون الدبلوماسي الذي يعتبر جزءا من القانون الدولي والذي ينطوي على مجموعة من المواثيق والاعراف الدبلوماسية كعمل بحد ذاته ودور الشخص الدبلوماسي في مد الجسور بين الدول.

في مؤتمر فيينا عام 1815 اعتمد نظام المراتب الدبلوماسية بمقتضى القانون الدولي وفي عام 1961 تم اعتماد اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية كمصدر قانوني لتحديد الإجراءات والضوابط الخاصة بالعمل الدبلوماسي بين الدول وتنص الاتفاقبةعلى الحقوق والواجبات الخاصة بأفراد البعثات الدبلوماسية، كما أتت على تحديد عدة مفاهيم كالحصانة الدبلوماسية وقطع العلاقات.

يعتبر السفير دبلوماسيا من مرتبة عالية، وتتحدد مهامه في التمثيل الرسمي لرئيس أو ملك البلاد، ويتمتع عادة بصلاحيات “المندوبين المفوضين”، ويتصف معظم السفراء بصفة “رؤساء بعثة”.
يعتبر الفينيقيون أول من مارس الدبلوماسية، ففي عام 1566 كتب أوتافيانو ماجي باسهاب عن “الدبلوماسي المثالي” وارتباط العمل الدبلوماسي بالفينيقيين خصوصا حول حوض البحر المتوسط، أي أماكن تواجد الفينيقيين آنذاك.

تطور العمل الدبلوماسي مع الزمن، إلى أن بات مقونناً ومتعارفاً عليه في التعاملات الرسمية بين الدول وفق قواعد وسلوكيات محددة ثابتة عبر الزمن ولا تتأثر بمدى حجم الدول من حيث التعداد السكاني أو الثروات أو النفوذ السياسي، لذا إنَّ كافة الدول سواسية في التعاملات الدبلوماسية وتنطبق عليها قاعدة “المعاملة بالمثل”.
وضع العديد من الفلاسفة والمنظّرين تعريفات للشخص الدبلوماسي وتحدثوا عن الصفات التي يجب أن يتحلى بها، أقتبسُ هنا على سبيل المثال لا الحصر عن روسو دي تشاموي الذي اعتبر أن “الدبلوماسيين يُحكم عليهم بمقدار ضخامة موائدهمُ ونبَل أصلهم، وحسن مظهرهم”. أما إرنست ساتو ذكرَ أن السمات الأساسية للشخص الدبلوماسي هي “الانفتاح والجدية، والتواضع، وروح الفكاهة والحفاظ على الهدوء عند التعرض للضغوط. كما أن الدبلوماسي يجب أن يكون حَصِيفا وصبوراً؛ فلا يبالغ في الخَجل ولا يُفرط في الإثارة والانفعال. وينبغي أن يعرف عادات وتقاليد وتاريخ مستضيفيه معرفةً تامةً وشاملةً. وأن يكون قادراً على وضع نفسه في مكان مَحدثه”.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كتب هارولد نيكولسون تعريفا مُحدثا للدبلوماسي ينص على الاتي “الصفات الرئيسية للدبلوماسي هي الصدق والإتقان والهدوء والتواضع”. وقال اللورد جوري بووث، رئيس الإدارة الدبلوماسية البريطانية، في عام 1974 إن الدبلوماسي المثالي “يجب أن يكون قادرا على أن يختلق أي شيء، ويأكل أو يشرب أي شيء ويظهر كما لو كان يحبه، وألا يندهش من أي شيء. وأن يتم كل ما سبق دون أن يفقد القدرة على مراعاة مشاعر الاخرين أو الشجاعة”. ويذكر السير كريستوفر ماير، سفير بريطاني سابق في واشنطن، أن صفات الدبلوماسي هي الفضول النِهم عن الدول الاخرى والقدرة على تحليل المعلومات والابلاغ عنها بدقة وبسرعة بما في ذلك الاخبار التي لا ترغب حكومة دولته في سماعها. والاهم من كل ذلك أن الدبلوماسي يحتاج إلى “عقل سريع البديهة، ورأس صلب، ومْعَدة قوية، وابتسامة حانية ونظرة باردة”.
باختصار يمكنني القول إن الدبلوماسي أو السفير هنا، هو فرد بأمة، فهو يمثل دولة وحكومة وشعب بأكمله، لذا إن مهمته ليست فردية بل مهمة نبيلة للتقريب بين الدول ومد جسور التعاون والانفتاح وبالنهاية تحقيق مصلحة دولته. تربط لبنان علاقات دبلوماسية جيدة بمعظم دول العالم، شرقية كانت أم غربية، في هذا الاطار أود الاضاءة على العلاقة الدبلوماسية بين لبنان والصين ودور السفير الصيني في تعزيز العلاقة. لا يمكن حصر العلاقة الثنائية بين لبنان والصين بفترة اعتراف لبنان بجمهورية الصين الشعبية والتبادل الدبلوماسي الرسمي بين الامتين، فالعلاقة أبعد من ذلك بكثير فلبنان كان جزءا من طريق الحرير القديم وقد وطئت القوافل الصينية المحمّلة بالبضائع الاراضي اللبنانية ومن على شواطئنا انطلقت في رحلات تجارية بحرية باتجاه مناطق أخرى. بالتالي إن التبادل بين لبنان والصين قديم العهد ويمكن القول إن التجّار كانوا سفراء لبلادهم في لبنان وغيره من الدول، فقد قاموا بإحضار عناصر الثقافة الصينية الى مجتمعاتنا ونقل عناصر الثقافة العربية الى الصين، وهذا قد يفسر انتشار الاسلام في الصين، وتحديدا الغرب من الصين، أي مركز انطلاق طريق الحرير القديم.
كان الطبيب اللبناني جورج حاتم أول أجنبي يحصل على الجنسية الصينية. كان الطبيب الخاص للزعيم الصيني ماو تسي تونغ وأسهم في الأفكار الكامنة وراء النظام الصيني الحديث. الطبيب حاتم هو من الأشخاص الذين عززوا العلاقة بين الصين ولبنان. منذ إقامة العلاقة الدبلوماسية تم إبرام العديد من الاتفاقيات الثنائية التي تشكل ركيزة العلاقات بين البلدين. تحولت العلاقة الصينية اللبنانية إلى شراكة في عام 2017 بعد إعلان لبنان عن نيته للانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق.

الصين مهتمة بلبنان لموقعه الاستراتيجي الذي يفتح لها المزيد من الأسواق في الدول الأوروبية والأفريقية والعربية، وقد يكون لبنان وسيطًا للمصالح الصينية في العالم العربي.

تأسست العلاقة الصينية اللبنانية رسميًا في عام 1971، وقد تحققت الكثير من الانجازات منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم. وهناك العديد من المشاريع المشتركة المقترحة للتنفيذ.

تشير التقارير إلى أن الصين هي الشريك الاقتصادي الأول للبنان، مما يجعلها دولة استثنائية. تهدف الجهود المشتركة بين الصين والشركاء العرب إلى تطوير الأعمال الثنائية والتشغيل السلس لمبادرة الحزام والطريق.
منذ بضعة أسابيع غادر لبنان السفير الصيني وانغ كيجيان بعد الانتهاء من مهامه الدبلوماسية، حقق السفير الصيني التقدم والازدهار في العلاقة الثنائية بين لبنان والصين وقد أظهر عن حبه للبنان في العديد من المواقف.

قدّم السيد كيجيان نموذجا يحتذى به في العمل الدبلوماسي بالرغم من الصعوبات الجمة التي مرَّ بها لبنان أيام إقامة السفير وانغ كيجيان والازمات السياسية الكبرى الا أنه حافظ على مسافة واحدة من كافة الافرقاء اللبنانيين وكان السفير النشيط دبلوماسيا فزياراته الى المسؤولين اللبنانيين دائمة ولم تنقطع يوما، بات السيد وانغ كيجيان سفيرا سابقا للصين في لبنان بيد أنه سيبقى له مكانة دائمة في قلوب اللبنانيين والمحبين، فلم نرَ منه إلا خيرا.
بعد انتهاء المهام الدبلوماسية للسفير وانغ كيجيان، تمَّ تعيين السيد تشيان مينجيان سفيرا للصين في لبنان. يأتي تعيين السفير مينجيان في فترة التحولات السياسية والاقتصادية إن كان في لبنان أو في العالم. إنَّ الصين في نمو اقتصادي سريع ومستمر، فالتقارير الدولية تؤشر إلى إمكانية أن يصبح الاقتصاد الصيني الاول عالميا في السنوات القادمة، كما أنها فترة أفول أميركي وصعود صيني، فالولايات المتحدة تنسحب تدريجيا من الشرق الاوسط، ومؤخرا قرر الرئيس الاميركي جو بايدن سحب القوات الاميركية من أفغانستان بالمقابل إنَّ الصين تتقدم بسرعة في الشرق الاوسط وغيرها من المناطق.

أما في ما يخص الوضع اللبناني، فالصين هي الشريك المحتمل والمرشح الأوفر حظا للاستثمار الاقتصادي الكبير في لبنان والتعاون الاستراتيجي وكافة التحليلات تشير الى هذا السيناريو، فالولايات المتحدة تحاول عبثا الضغط على لبنان للانصياع لكن لم تُحقق أي مكسب، ومؤخرا تستخدم ورقة الضغط الاقتصادي على لبنان.
يأتي تعيين السفير تشيان مينجيان في فترة من التحولات السياسية والكثير من الازمات منها جائحة الكورونا والازمة الاقتصادية العالمية التي تبعت الجائحة؛ إن تعيين السفير مينجيان في بلد معقد سياسيا وفيه العديد من الازمات مثل لبنان، هو اختيار موفق للدبلوماسية الصينية ومما لا شك فيه سيكون السفير تشيان مينجيان خير ممثل لبلاده في لبنان، نظرا لخلفيته الاكاديمية في مجال القانون وخبرته الواسعة في الميدان الدبلوماسي، إضافة الى أنه قد عمل كدبلوماسي في لبنان بين 1998 و2008، أي أنه مألوف مع البيئة السياسية اللبنانية. لدى السفير تشيان مينجيان خبرة واسعة مع منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا. لذا يمكن اعتبار السيد تشيان مينجيان سفيراً فوق العادة لبلاده، وللبنان كل الفخر بحضور هذه القامة الدبلوماسية العريقة على أراضيه.
أتمنى لسعادة السفير تشيان مينجيان إقامة سعيدة في وطنه الثاني لبنان.
عاشت العلاقات اللبنانية- الصينية.

*دكتور في العلاقات الدولية، وباحث مختص في سياسة الصين الخارجية تجاه المنطقة العربية مع تركيز خاص على مبادرة الحزام والطريق، لديه العديد من الكتابات والمنشورات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.