موقع متخصص بالشؤون الصينية

مصر تسلم مؤتمر التنوع البيولوجي في الصين دروساً مستفادة

0

موقع الصين بعيون عربية-

أحمد سلام*:

في الحادي عشر من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي قامت مصر بتسليم الصين “مؤتمر الأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي” المعروف بإسم (COP-15) في نسخته الخامسة عشر والذي يقام بمدينة “كونمينغ – مقاطعة يوننان” بجنوب غربي الصين، وتتولى الصين عقد المؤتمر لمدة عامين تحت شعار (الحضارة الإيكولوجية: بناء مستقبل مشترك لجميع أنواع الحياة على الأرض)، بمشاركة أكثر من 5 آلاف ممثل افتراضي وواقعي من جميع أنحاء العالم.
يعقد المؤتمر على مرحلتين، المرحلة الأولى تقضي بتسليم رئاسة المؤتمر من مصر للصين، والإتفاق على ميزانية 2021-،2022 ومناقشة الموضوعات المعقدة والشائكة في اجتماع مدته ثلاثة أسابيع في جينيف في يناير/ كانون الثاني 2022، ومن ثمّ الإجتماع مرة أخرى في أبريل/ نيسان 2022 في “كونمينغ” في الصين كمرحلة ثانية.
وكانت مصر قد استضافت في 2018 بمدينة شرم الشيخ مؤتمر الأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي(COP-14) وعملت بالملف قرابة ثلاث سنوات – بسبب أزمة كورونا- إلى أن قامت بتسليمه إلى جمهورية الصين الشعبية (COP-15).
ونظراً لدور مصر الهام في مجال البيئة وبعد النجاح الذى تحقّق أثناء رئاسة مصر لـ14COP- فقد تم اختيارها لإستضافة مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ 2022، وذلك حتى تستكمل مصر جهودها لدعم قضايا البيئة والمناخ، والتي سلّطت الضوء عليها منذ قيادتها القارة الأفريقية في مفاوضات المناخ وإتفاق باريس، وخروجها بالمبادرتين الأفريقيتين للتكيف والطاقة المتجددة، فقد تم العمل على المبادرة الأفريقية للطاقة المتجددة وكان لمصر قصة نجاح في التوسع بهذا المجال.
تهدف “المبادرة الأفريقية للتكيف” الى تمكين الدول الأفريقية من الوصول للتمويل اللازم للقيام بإجراءات التكيف، والعمل على الوصول إلى نسب متساوية لتمويل التكيف والتخفيف على حد سواء، كل تلك الموضوعات وغيرها ستسلّط مصر الضوء عليها خلال مؤتمر المناخ 2022.
والحقيقة أن ملف التغيرات المناخية مثله مثل كافة الملفات، يعدّ على رأس أولويات الرئيس عبد الفتاح السيسي، فدوماُ يؤكد سيادته أن قضايا البيئة وتحدياتها تمثل حيزًا كبيرًا من اهتماماته، حيث تعد جزءًا لا يتجزأ من منظومة التنمية المستدامة المنشودة، وأنّ تغير المناخ يعتبر من أخطر تلك القضايا، لما يمثّله من تهديد مباشر.
وفي كلمته أثناء تسليم ملف مؤتمر COP-15 للصين قال الرئيس عبد الفتاح السيسي “.. إن مصر إذ تشرف بتسليم رئاسة المؤتمر إلى جمهورية الصين الشعبية الصديقة، فإنها واثقة في قدرة الجانب الصيني على مواصلة هذا العمل المهم الذي تطمح إليه شعوبنا لحماية التنوع البيولوجي والنظم الحيوية على كوكبنا، وإننا نتطلع في هذا السياق إلى مواصلة العمل مع الصين خلال العامين القادمين لتحقيق هذا الهدف، متمنين للجانب الصيني النجاح والتوفيق في تحقيق أهداف الإتفاقية وصيانة الأمانة التي نحملها للأجيال القادمة ..”
وكان تحذير السيد الرئيس في كلمته أمام المؤتمر (من خلال الفيديو كوتفرانس ) واضحاً حيث أشار إلى ” أن تقرير التقييم العالمي الأخير لحالة التنوع البيولوجي- الصادر عن المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات- جاء ليدق ناقوس الخطر إزاء التدهور السريع الذي يشهده التنوع البيولوجي في السنوات الأخيرة، والذي أصبح ينذر بكارثة عالمية، ما لم تعزّز دول العالم أجمع من جهودها لتغيير أنماط الإستهلاك والإنتاج وجعلها أكبر إستدامًة وأكثر وعيًا بأهمية الحفاظ على التنوع البيولوجي وسلامة الانظمة الحيويّة لمستقبلنا على هذا الكوكب”.
وأكد الرئيس السيسي أن مصر عملت، بجهد دؤوب، منذ مؤتمر الأطراف شرم الشيخ في عام 2018، على إطلاق مرحلة جديدة للعمل الجماعي؛ لصياغة إطار عالمي للتنوع البيولوجي لما بعد 2020، ووضع أهداف قابلة للتحقيق مدعومة بآليات واضحة للتنفيذ.
كما أشار الرئيس السيسي إلى أن مصر استطاعت – خلال رئاستها للمؤتمر، رغم التحديات التي مثّلتها جائحة كورونا خلال العامين الماضيين – تحقيق إنجازات ملموسة على هذا الصعيد، معربًا عن أمله في أن تشهد الفترة المقبلة تنفيذًا فعالا لتلك الأهداف يعوّض ما لم يتم تحقيقه خلال السنوات العشر الماضية.
وأكد الرئيس السيسي كذلك على ” أن مصر سارعت – في عام 2018 – لطرح مبادرة طموحة بين مختلف جوانب العمل البيئي لتحقيق التناغم والتكامل بين جهود الحفاظ على التنوع البيولوجي ومواجهة تغير المناخ وتداعياته السلبية، ووقف تدهور التربة وتصحر الأراضي؛ إيمانّا منها بما لهذه الجهود مجتمعًة من أثر إيجابي على صحة الإنسان وعلى تحقيقه التنمية الإقتصادية الشاملة”.
وقد شهد قطاع البيئة المصري في عهد الرئيس السيسي، مرحلة تاريخية وتحولًا حقيقيًا للعمل البيئي، من خلال رعايته لمؤتمر الأطراف الرابع عشر لإتفاقية التنوع البيولوجي، الذي استضافته مصر بمدينة شرم الشيخ، ليكون بذلك الرئيس السيسي هو أول رئيس مصري يحضر حدثًا عالميًا بيئيًا على أرض مصر، وقد تحقّق ذلك بفضل دعمه المستمر للقضايا البيئية من أجل العيش في بيئة صحية وآمنة، حفاظًا على حقوق الأجيال القادمة للتمتُّع بالموارد الطبيعية والعمل على وقف هدرها.
وبدعم من الرئيس السيسي، تم تبني مشروعات لوقف تلوث البحيرات كبحيرة المنزلة، وغيرها من المشروعات البيئية الهامة، وفي مشروع العاصمة الإدارية الجديدة تمت مراعاة المعايير البيئية، وإتاحة مساحات كبيرة للزراعة.
وتم البدء في تنفيذ مبادرة رئيس الجمهورية الخاصة بالربط بين اتفاقيات الأمم المتحدة الثلاث (تغير المناخ- التنوع البيولوجي- التصحر) والتي أطلقها في افتتاح مؤتمر التنوع البيولوجي الرابع عشر بالإضافة إلى الإنتهاء من تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع الخريطة التفاعلية لمخاطر ظاهرة التغيرات المناخية على مصر بالتعاون مع الهيئة العامة للأرصاد الجوية ومركز بحوث المياه التابع لوزارة الموارد المائية والري.
وكان من الضروري إعادة بناء ملف مصر الخاص بتغير المناخ، لمواجهة تلك التحديات، وتم تضمين مبادئ الحفاظ على البيئة والحد من آثار التغيرات المناخية ضمن الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة “رؤية مصر 2030″، كما تم إنشاء المجلس الوطني للتغيرات المناخية والذي أصبح تحت رئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية الوزارات والقطاعات المعنيّة.
كما تم العمل مع الوزارات غير المعنيّة بشكل مباشر وكان لها دور هام في التخطيط والتمويل، فتم العمل مع وزارة المالية لتبني منهج التعافي الأخضر، لتصبح مصر أول دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تطرح السندات الخضراء للإستثمار في مجالات الطاقة المتجددة والنقل المستدام وإدارة المياه، وأيضًا العمل مع وزارة التخطيط والتنمية الإقتصادية لإصدار معايير للإستدامة البيئية، والتي سيتم العمل بها في المشروعات وقطاعات التنمية بدءًا من الخطة الإستثمارية القادمة للدولة.
وقد كان للجهود الكبيرة التي بذلتها مصر، أثر كبير فيما حقّقه المؤتمر من إنجازات عدة، حيث تم إنشاء المنصة الإلكترونية “من شرم الشيخ إلى كونمينغ من أجل الطبيعة والناس”، بالتنسيق مع سكرتارية اتفاقية التنوع البيولوجي (CBD)، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) كمنصة إلكترونية لتحفيز الإلتزامات والمساهمات لصون التنوع البيولوجي، وكذلك الإطار العالمي للتنوع البيولوجي لما بعد عام 2020 والرؤية حتى عام 2050، كما انضمت مصر لميثاق “ميتز” وذلك على هامش فعاليات قمة مجموعة الدول السبع بمدينة “بياريتز” الفرنسية 2019، في جلسة “المناخ والتنوع البيولوجي والمحيطات”، وذلك إيمانًا منها بضرورة الحفاظ على التنوع البيولوجي كعنصر أساسي لتحقيق التنمية المستدامة، كذلك رعت مصر مبادرة لتعزيز التآزر والتناغم بين اتفاقيات “ريو” الثلاث، المعنية بتغير المناخ والتصحر والتنوع البيولوجي باستخدام الطرق القائمة على الطبيعة، والتي أطلقها رئيس الجمهورية خلال مؤتمر التنوع البيولوجي الـ 14 بهدف التصدي لفقدان التنوع البيولوجي وتغير المناخ وتدهور الأراضي بشكل متسق، علاوة على تخصيص مرفق البيئة العالمي في دورة التمويل الأخيرة عام 2019، مبلغ 865 مليون دولار لدعم البرامج والمشاريع التي تعزز الإتساق والتآزر بين اتفاقيات “ريو”.
سبع سنوات من الانجاز البيئي
تنامى دور مصر في المجال البيئي خلال السبع سنوات الماضية أي منذ أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي قيادة مصر، وذلك لإيمان السيد الرئيس بقضايا البيئة ودورها في تحقيق التنمية المستدامة التي تطمح لها مصر، ووضعها ضمن أولويات الأجندة الوطنية مما شكّل دفعة قوية للبيئة المصرية.
وقد أعطت رؤية مصر 2030 أهمية كبيرة لمواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية من خلال وجود نظام بيئي متكامل ومستدام يعزز المرونة والقدرة على مواجهة المخاطر الطبيعية.
ظروف عقد مؤتمر (COP-15) وأهميته
من المعلوم أن إتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي هي معاهدة متعددة الأطراف تضم 196 دولة على مستوى العالم، وهي أول إتفاقية عالمية بشأن صون التنوع البيولوجي، وتتمثل أهداف الإتفاقية في: صون التنوع البيولوجي، الاستخدام المستدام للتنوع البيولوجي، علاوة على الإقتسام العادل للمنافع الناشئة عن استخدام الموارد الجينية.
ويُعد مؤتمر (COP-15) ثاني أكبر مؤتمر بيئي من حيث مستوى المشاركة بعد مؤتمر تغير المناخ في 2017، وقد عُقد مؤتمر “كونمينغ” في ظل ظروف بالغة الأهمية يمر بها العالم في الوقت الحالي على صعيد أزمة فقدان التنوع البيولوجي، وتغير المناخ والتلوث، ولاسيما في ظل تسارع معدلات إنقراض النباتات والحيوانات بنسب تنذر بالخطر، حيث كشفت “الأمينة التنفيذية لإتفاقية التنوع البيولوجي” عن أن هناك مليون نوع من الحيوانات والنباتات مهدّدة بالإنقراض، وهو رقم لم يحدث سابقًا في تاريخ البشرية. كما أشار “تقرير الإصدار الخامس للتوقعات العالمية للتنوع البيولوجي الصادر عن إتفاقية الأمم المتحدة”إلى “الإنسانية تقف عند مفترق طرق فيما يتعلق بالإرث الذي نرغب في تركه للأجيال القادمة، التنوع البيولوجي آخذ في التراجع بمعدل غير مسبوق، والضغوط الدافعة لهذا التدهور تتزايد”، كذلك ما تتعرض له البيئة الطبيعية التي تعتمد عليها البشرية من تدمير مستمر بسبب تأثير الإنتاج والحياة وتغير المناخ، هذا إلى جانب أن فقدان حالة التنوع الأحيائي يؤدي إلى فشل النظام البيئي في العمل بشكل صحيح، وسيتبع ذلك فشل المحاصيل والأمراض والآفات الحشرية وغيرها من المشاكل، مما سيؤدي إلى إنخفاض إنتاج الغذاء ونقص المواد الخام.
ومن هنا، فقد ركّز الإجتماع على صياغة “الإطار العالمي للتنوع الأحيائي لما بعد 2020″، ووضع أهدافَا جديدة لحفظ التنوع الأحيائي العالمي، علاوة على محاولة التوصل إلى أرضية مشتركة حول بناء مستقبل مشترك لجميع أنواع الحياة على الأرض، وتنبع أهميته من كونه مثّل “فرصة جيدة للبشرية لخلق مستقبل مستدام”، علاوة على كونه أول مؤتمر عالمي تعقده الأمم المتحدة حول الحضارة الإيكولوجية، وهي فلسفة اقترحتها الصين.
إعلان “كونمينغ” وأبرز المبادرات المطروحة
تبنى الجزء رفيع المستوى من المؤتمر “إعلان كونمينغ”، والذي يُعد إعلانًا سياسيًا وإنجازًا رئيسيًا للمؤتمر، حيث يلتزم الإعلان بضمان صياغة واعتماد وتنفيذ إطار عمل عالمي فعال للتنوع البيولوجي لما بعد عام 2020 لعكس وضع الفقد الحالي للتنوع البيولوجي وضمان سير التنوع البيولوجي على طريق التعافي بحلول عام 2030 على أبعد تقدير، وذلك لتلبية رؤية 2050 للعيش في انسجام مع الطبيعة بشكل كامل، ونصّ الإعلان على أن وضع التنوع البيولوجي على طريق التعافي تحدٍ محدّد لهذا العقد، مما يتطلب زخمًا سياسيًا قويًا لتطوير واعتماد وتنفيذ إطار عمل عالمي طموح وتحولي للتنوع البيولوجي لما بعد عام 2020 وطرح الإلتزامات الـ 17.
واتصالاً بالإعلان الصادر عن المؤتمر، فقد طرحت الصين بعض المبادرات المهمة بهذا الصدد، تمثّلت في إعلان مبادرة لإنشاء التنوع البيولوجي وأخذها زمام المبادرة من خلال استثمار 1.5 مليار يوان (233 مليون دولار أمريكي) لدعم حماية التنوع البيولوجي في البلدان النامية، وإعلان آخر بشأن تحرك الصين بشكل أسرع لإنشاء نظام للمناطق المحمية تمثّل الحدائق الوطنية دعامته الأساسية، وقد عكس خطاب الرئيس شي جين بينغ أمام قمة القادة للاجتماع الـ 15 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي عبر وصلة فيديو في بكين، تصميم الصين على الحفاظ على البيئة الإيكولوجية، ومثّلت دعواته بشأن حشد القوى لبناء مجتمع لجميع أنواع الحياة على الأرض، وتوحيد القوى وبدء رحلة جديدة من التنمية عالية الجودة للبشرية، زخمًا إيجابيًا بشأن تعزيز تنمية الحضارة الإيكولوجية العالمية. فقد أعلن الرئيس الصيني شي في كلمته أن الصين سوف تنفق (230 مليون دولار) لمساعدة الدول النامية في حماية التنوع البيولوجي لديها، وستضع هذه الأموال في صندوق للتنوع البيولوجي، وستدعو دولاً أخرى إلى المساهمة فيه، متعهدًا بأن تكثّف بلاده جهودها لمنع انقراض بعض الأنواع، من خلال توسيع محمياتها الطبيعية، علاوة على توسيع قدرات بلاده من الطاقة المتجددة عبر تسريع وتيرة مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
الصين وحماية التنوع البيولوجي محليّا ودوليّا
منذ فترة طويلة، تبذل الصين جهودًا مضنية في مجال حماية التنوع البيولوجي، ليس على المستوى المحلي فحسب، وإنما أيضًا على المستوى الدولي. ويمكن التعرف على بعض الإجراءات الإبداعية التي تشكل نمطًا جديدًا للحفاظ على التنوع البيولوجي، من خلال ما تضمّنه الكتاب الأبيض الذي أصدرته في أكتوبر الجاري تحت عنوان “الحفاظ على التنوع البيولوجي في الصين”، والذي أشار إلى أن الصين تتمسّك بفلسفة التعايش المتناغم بين البشرية والطبيعة في معالجة فقدان التنوع البيولوجي وتدهور النظام البيئي، وإعطاء الأولوية للحفاظ على التنوع البيولوجي والسعي لتحقيق التنمية الخضراء، وكانت الصين قد طرحت ونفّذت مجموعة من الإجراءات لزيادة كفاءة الحفاظ على التنوع البيولوجي، بما في ذلك بناء نظام الحدائق الوطنية، ووضع خطوط حمراء للحفاظ على البيئة الإيكولوجية وتعزيز الحماية في الموقع وخارجه، وكجزء من الجهود المبذولة لتحسين إدارة التنوع البيولوجي، رفعت الصين الحفاظ على هذا التنوع إلى مستوى الإستراتيجية الوطنية وأدرجته في الخطط المتوسطة والطويلة الأجل لجميع المناطق والمجالات، وبدأت في العمل على إنتاج الطاقة من خلال وسائل إنتاج الطاقة النظيفة كالرياح، المياه، الطاقة الشمسية وغيرها، ومنها على سبيل المثال الإعلان عن بناء محطة للطاقة الشمسية عبر الملح المصهور بقدرة 100 ميجاوات في مدينة “دونهوانغ” بمقاطعة “قانسو” شمال غربي الصين، والتي تُعد المحطة الأكبر من نوعها في العالم توفر 390 مليون كيلووات / ساعة من الكهرباء سنويًا، وتقلّل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بـ 350 ألف طن كل عام.
هذا بجانب ممارسة التعددية بحزم والتعاون الدولي بشكل نشط في الحفاظ على التنوع البيولوجي، من خلال مشاورات مكثّفة لبناء توافق في الآراء، والمساهمة في الحلول للحفاظ على التنوع البيولوجي العالمي.
وتقوم الصين بمساعدة الدول النامية في الحفاظ على التنوع البيولوجي من خلال قنوات متعددة الأطراف، من بينها “مبادرة الحزام والطريق” و”التعاون الجنوبي الجنوبي” فقد أسّست الصين التحالف الدولي للتنمية الخضراء لمبادرة الحزام والطريق، وأطلقت منصة خدمات البيانات الضخمة للحزام والطريق بشأن الحماية الإيكولوجية والبيئية، بالإضافة إلى تعهُدها العام الماضي بأنها ستسعى جاهدة للوصول إلى ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قبل 2030، والوصول إلى تحييد الكربون قبل 2060، كما أعلنت تقديم المزيد من الدعم لدول نامية أخرى لتطوير طاقة خضراء ومنخفضة الكربون، وتعهدت بعدم بناء المزيد من مشاريع الطاقة التي تعمل بالفحم في الخارج.
ويمكن في هذا السياق الإشارة إلى ما تضمنته وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية الصادرة في يناير 2016، حيث أكّدت على مواجھة التغير المناخي والتعاون في حماية البيئة والغابات والعمل بقوة على التواصل والتنسيق بين الصين والدول العربية في إطار “اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ” و”اتفاقية التنوع البيولوجي” و”اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر” وغيرھا من الآليات.
دمج النظام الإيكولوجي في عملية التنمية
تُعد الصين أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، حيث بلغ عدد سكانها بنهاية عام 2020 نحو 1411.78 مليون نسمة، وإذا كان النظام الإيكولوجي يعاني من مشاكل كبيرة، فإنه سيؤثر بدوره بشكل أو بآخر على موارد المياه والتربة والهواء والحياة البرية والزراعية المتنوعة التي يعتمد عليها السكان، مما يؤدي إلى الفوضى والإضطرابات، بل وقد يصل إلى إنهيار الأمة، وعليه تصبح التنمية الوطنية حديثًا فارغًا، إذن لابد من العمل على إيجاد نظام إيكولوجي آمن ومستقر لضمان بقاء أية دولة، وهو ما فطنت إليه الصين وقيادتها، فقام الرئيس شى جين بينغ بصياغة خطة متكاملة من خمسة محاور لدمج البناء الإيكولوجي في العملية الأوسع للتنمية السياسية، الإقتصادية، الثقافية والإجتماعية، ودعا إلى حماية البيئة الإيكولوجية “مثل حماية أعيننا”، ما يدل على حكمة الرئيس الصيني ورؤيته البعيدة بشأن التنمية الخضراء، والتأكيد على التزام الحكومة الصينية بمبدأ احترام البيئة الطبيعية وحمايتها والتكيف معها.
وقامت الصين بدمج الحضارة الإيكولوجية في سياستها التنموية الوطنية وأدرجتها في دستورها، وأنقذت عددًا من الكائنات المهددة بالإنقراض. لا شك أن الصين لديها رؤية كبيرة فيما يتعلق بحماية التنوع البيولوجي وتستطيع بكين أن تقود العالم نحو سياسات خاصة في هذا الصدد.
الحضارة الإيكولوجية مسؤولية العالم أجمع
يحتاج تحقيق الحضارة الإيكولوجية العالمية إلى ضرورة تحمل مسؤولية المصير المشترك من مختلف الدول، ولا شك أن تحقيق التنمية المستدامة للمجتمع البشري يحتاج إلى جهود مشتركة من مختلف دول العالم في البناء المشترك للحضارة الإيكولوجية والتمتع ببيئة إيكولوجية جيدة، وهو المعنى الذي أكد عليه الرئيس الصيني “شي جين بينغ” في كلمته أمام المؤتمر، بدعوته المجتمع الدولي إلى تعزيز التعاون وبناء توافق الآراء وتضافر القوى بشأن بناء مجتمع لجميع أشكال الحياة على الأرض، وكذلك أكد عليه إعلان “كونمينغ” الصادر في ختام المؤتمر، والذي عكس وجود إرادة سياسية واسعة إزاء قضايا التنوع البيولوجي على المستوى العالمي. وبصفة عامة يمكن القول أن المؤتمر ينطوي على رسالة في غاية الأهمية مفادها إستعداد الصين للعمل مع باقي دول العالم بهدف بناء مجتمع مشترك يضم جميع أشكال الحياة على الأرض، بما يعكس فلسفتها الرائدة في مجال الحضارة الإيكولوجية.

* المستشار الإعلامي السابق بسفارة مصر لدى الصين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.