موقع متخصص بالشؤون الصينية

رؤية شي الإقتصادية: لماذا يتمسك العالم بثقته في الإقتصاد الصيني

0

هل خطر حدوث ركود تضخمي عالمي حقيقيا؟ هل يستطيع الاقتصاد الصيني مقاومة الضغوط الهبوطية المتزايدة والاستمرار في دفع انتعاش عالمي أكثر استدامة كما فعل في الأزمة المالية العالمية لعام 2008؟

لقد أثار تلك المخاوف قادة عالميون وأقطاب أعمال وباحثون في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2022 وسط زوبعة تحديات مثل جائحة كوفيد-19 والأزمة الأوكرانية، تحديات ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي الواهن بالفعل.

على هذه الخلفية، واجه الاقتصاد الصيني أيضا رياحا معاكسة في الأشهر الأخيرة حيث أثرت عودة تفشي كوفيد-19 على بعض المدن الكبرى مثل شانغهاي وبكين. وللتغلب على هذه التحديات، تحاول الحكومة الصينية التنسيق بشكل فعال بين مكافحة الجائحة وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

نشرت مجلة ((تشيوشي))، وهي مجلة رائدة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، الأسبوع الماضي مقالا بقلم الرئيس الصيني شي جين بينغ، قال فيه إنه منذ تسعينيات القرن الماضي، استجابت الصين بنجاح لاختبارات كبرى مثل الأزمة المالية الآسيوية والأزمة المالية الدولية وجائحة كوفيد-19.

كما أقر الرئيس شي بالمخاطر التي يواجهها القطاعان الاقتصادي والمالي في الصين، لكنه قال إنها تحت السيطرة، معربا في الوقت نفسه عن ثقته في التنمية المستدامة والصحية للاقتصاد الصيني.

— إجراءات مستهدفة

بفضل العمل الجاد الدؤوب، تشهد الصين انخفاضا مطردا في تجدد تفشي كوفيد-19 مؤخرا. ففي شانغهاي، بعد عدة أشهر من المكافحة الشاقة، أعلنت المدينة الضخمة التي يبلغ عدد سكانها 25 مليون نسمة في 17 مايو/ أيار أن جميع أحيائها الـ16 أوقفت انتقال العدوى المجتمعية. والآن تعيد المدينة تدريجيا فتح المنافذ التجارية، مع السيطرة على عودة تفشي المرض إلى حد كبير.

ومن أجل استئناف الإنتاج ودعم النمو فضلا عن الثقة، تصرفت الحكومة الصينية دون تأخير. فقد طرحت حزمة شاملة من الإجراءات المستهدفة، بما في ذلك زيادة المبالغ المستردة من الضرائب وتقديم إعانات لتشجيع التوظيف وتقديم دعم مالي للشركات الصغيرة والمتناهية الصغر.

في 15 مايو/ أيار، غادرت سفينة محملة بأكثر من 4 آلاف سيارة كهربائية من إنتاج مصنع ((شانغهاي جيجافاكتوري)) التابع لشركة ((تسلا)) متوجهة إلى بلجيكا. وهذه هي ثاني شحنة تصدير لسيارات تسلا من شانغهاي منذ أن استأنف المصنع الإنتاج في 19 أبريل/ نيسان.

كما استأنفت جميع المصانع الأربعة التابعة لشركة التصنيع الأمريكية ((إم3)) في شانغهاي الإنتاج.

وذكرت شنغ لي، مديرة فرع مقهى ((ستاربكس)) على طريق هوايهاي الغربي بشانغهاي، أنه “من الرائع العودة إلى هذا المقهى الذي نشعر تجاهه بالألفة والتواصل مع المجتمع والعملاء مرة أخرى من خلال صنع فناجين من القهوة”.

حتى يوم الاثنين، أُعيد فتح ما يقرب من 20 من فروع مقهى ((ستاربكس)) في 12 من أحياء شانغهاي، تغطي مناطق وسط المدينة والضواحي. وقالت شنغ إنها مشغولة تماما هذه الأيام كما هو متوقع.

ومن جانبه، قال أديتيا ماتو، كبير الاقتصاديين في البنك الدولي لمنطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه على الرغم من المخاطر الهبوطية، إلا أن الصين لديها المساحة والقدرة على صعيد السياسات للاستجابة للصدمات الاقتصادية.

— أساسيات لم تتغير

في بيان صحفي صدر مؤخرا، قال فو لينغ هوي، المتحدث باسم الهيئة الوطنية للإحصاء في الصين، إن “أساسيات الاقتصاد الصيني لم تتغير. والاتجاهات العامة للتحويل والتحديث الاقتصادي والتنمية عالية الجودة لم تتغير”.

وعلى الرغم من المخاطر الهبوطية، لا يزال الاقتصاد الصيني مرنا مع وجود سوق كبيرة للغاية، وسلاسل صناعية وسلاسل توريد كاملة، وطلب محلي ضخم.

وقد أعلنت الصين العام الماضي انتصارها في بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو معتدل في شتى النواحي. ولدى البلاد أكبر مجموعة متوسطة الدخل في العالم– عددها 400 مليون نسمة، وهو ما يوفر إمكانات هائلة لشركاتها وشركات الآخرين.

وعلاوة على ذلك، تعد الدولة الوحيدة في العالم التي حصلت على جميع الفئات الصناعية المدرجة في التصنيف الصناعي للأمم المتحدة. ومن بين أكثر من 500 منتج صناعي رئيسي في العالم، تحتل الصين المرتبة الأولى في الإنتاج بأكثر من 220 منتجا.

عندما كانت الجائحة في ذروتها، كانت الصين هي التي سرعان ما تمكنت من السيطرة على المرض، واستعادت سلاسل التوريد العالمية التي كانت متوقفة حينها. ووفقا لـ((بلومبرغ))، ضمنت الصين “استمرار تدفق كل شيء إلى بقية العالم بدءا من منتجات آيفون وتيسلا ووصولا إلى الأسمدة وقطع غيار السيارات”.

وقالت جيري تشانغ، الرئيسة التنفيذية لبنك ((ستاندرد تشارترد)) (الصين)، إن “الصين هي أكبر مصنع في العالم مع امتلاكها لنظام سلسلة التوريد الأكثر شمولا ومرونة، وهو ما ساعد الاقتصاد الصيني على التعافي بسرعة بعد تفشي جائحة كوفيد-19”.

كما تعمل الصين على بناء أساسيات جديدة للنمو في المستقبل. وإن سعي البلاد إلى امتلاك قدرات أقوى في مجال الابتكار يوفر دعما قويا لتنشئة نموذج تنموي جديد وتحقيق تنمية عالية الجودة، وهما عنصران أساسيان في “رؤية شي الاقتصادية”، أي الفلسفة الاقتصادية للرئيس الصيني.

في عام 2021، بلغ إنفاق الصين على البحث والتطوير مستوى مرتفعا جديدا وقدره 2.44 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي، ليصل إلى حوالي 2.79 تريليون يوان (حوالي 441.13 مليار دولار أمريكي) ويحتل المرتبة الثانية في العالم.

وأشار المصرفي السويسري فيورينزو مانجانيلو إلى أن الاقتصاد الصيني يتمتع بإمكانات ومرونة ممتازة، مضيفا أن الصين قادرة على تحمل الضغوط والمخاطر الهبوطية ولديها الثقة في قدرتها على تحقيق الاستقرار في سوق الاقتصاد الكلي، وهو أمر “في غاية الأهمية بالنسبة للمستثمرين العالميين”.

— رخاء مشترك

في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، نمت صادرات الصين بنسبة 10.3 في المائة على أساس سنوي لتصل إلى 6.97 تريليون يوان (حوالي 1.04 تريليون دولار)، في حين ارتفعت الواردات بنسبة 5 في المائة. وخلال الفترة نفسها، توسع الاستثمار الأجنبي المباشر في البر الرئيسي الصيني، في الاستخدام الفعلي، بنسبة 26.1 في المائة على أساس سنوي ليصل إلى 74.47 مليار دولار.

تشهد هذه الأرقام على مدى الارتباط الوثيق بين الصين وبقية العالم من حيث التجارة الداخلية والخارجية، فضلا عن الحاجة إلى تعزيز التنمية المشتركة على الصعيد العالمي.

وكما أشار الرئيس شي إلى أن نمو الصين يهدف إلى تحقيق الرخاء المشترك في البلاد والتنمية المشتركة خارج حدودها.

ولتحقيق الرخاء المشترك، يتعين على الصين أولا “صنع كعكة أكبر وأفضل” من خلال الجهود المشتركة لشعبها، ثم تقسيم الكعكة وتوزيعها بشكل صحيح من خلال ترتيبات مؤسسية رشيدة، حسبما قال الرئيس شي في مقاله بمجلة ((تشيوشي)).

توجه الصين حاليا اقتصادها بفلسفة ونموذج تنمويين جديدين يتسمان بالنمو المبتكر والمنسق والأخضر والمنفتح والمشترك، ويضعان ثقلا أكبر على السوق المحلية مع العمل في الوقت ذاته على تطوير السوق الخارجية.

ولتحويل الوعي العالمي إلى عمل جماعي، تترجم الصين رؤية شي للتنمية المشتركة إلى أطر تعاون مثل مبادرة الحزام والطريق ومبادرة التنمية العالمية اللتين تحظيان بدعم دول ومنظمات في جميع أنحاء العالم.

وخلال كلمة ألقاها في مؤتمر إحياء الذكرى الـ70 لتأسيس المجلس الصيني لتعزيز التجارة الدولية والقمة العالمية لتنمية التجارة والاستثمار، أكد الرئيس شي التزام الصين بنظام تجاري متعدد الأطراف تمثل منظمة التجارة العالمية نواته، متعهدا “بضمان أمن واستقرار السلاسل الصناعية وسلاسل التوريد العالمية، وجعل “كعكة” التعاون أكبر للسماح لمكاسب التنمية بالوصول بشكل أفضل إلى شعوب جميع البلدان”.

لقد ضخت التزامات الرئيس شي المتجددة بالتعاون العالمي جرعة من اليقين في هذا العالم المشوب بحالة من عدم اليقين.

وقالت تشانغ إن بنك ((ستاندرد تشارترد)) “متفائل جدا بشأن آفاق التنمية طويلة الأجل للصين وسيواصل استثماره في الصين”، مشيرة إلى قرار المجموعة استثمار 300 مليون دولار في الأعمال التجارية المتعلقة بالصين في السنوات الثلاث المقبلة.

وأعرب مانجانيلو، المصرفي السويسري الذي أشاد بمبادرة الحزام والطريق والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة باعتبارهما “محركين قويين لتعافي الاقتصاد العالمي”، عن ثقته بأن الصين ستواصل تعزيز العولمة والتكامل الاقتصادي الإقليمي.

وقد ذكر رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي بورج بريندي أنه في مواجهة جائحة كوفيد-19، يواجه النمو الاقتصادي في الصين بعض التحديات على المدى القصير، لكن الحكومة الصينية تتخذ تدابير مثل توسيع الطلب المحلي، والحد من الاعتماد على الصادرات، وتنشئة صناعات ذات قيمة مضافة عالية لضمان النمو الاقتصادي.

وأضاف بريندي “لذلك، على المدى الطويل والمتوسط، أنا في غاية التفاؤل بشأن الاقتصاد الصيني”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.