موقع متخصص بالشؤون الصينية

جبران خليل جبران والأديب الصينى ون ئيتو

أ.د./ لين فنغمين ( جامعة بكين، الصين)
إن جبران خليل جبران (1883 –  1931) و الأديب الصينى ون ئيتو (1899 – 1946) كلاهما من أشهر عمالقة وأئمة الأدبيين الحديثين العربى والصينى على حدة.
فالأول شهدت نجاحاته العظيمة فى الشعر المنثور، أما الآخر فقد ساهم مساهمة ملحوظة فى (( الشعر الموزون الجديد)). كانا يتشابهان كثيراً فى ابداعاتهما الأدبية الفنية وفى مسيرتهما اذ كانا يعيشان تقريبا في نفس العصر وفي نفس النوع من الظروف الخلفيات التاريخية.
ان جبران و وئيتو كاهما أمضى الطفولة والشباب فى الفترة التى امتدت من أواخر القرن التاسع عشر إلى اوائل القرن الماضى حيث كان وطناهما العربي والصيني من البلاد الشبه المستعمرة والشبه الاقطاعية. وبينما كان فيها المستعمرون والاقطاعيون يشددون استغلالهم واضطهادهم للشعوب تعاظمت الحركات الوطنية الديمقراطية، وفي الوقت نفسه، تطورت حركة النهضة والتجديد فى ميدان الأدب ولا سيما كان عدد كبير من الشبان ذوى الطموح العالى ومن ضمنهم جبران و ون هاجروا الى البلاد الغربية حيث يقتبسون ويستفيدون من الغربيين الأمر الذى لعب دوراً هاماً فى تطوير الأدب فى بلادهم. 

وانما فى مثل هذه البيئات والخلفيات المتشابهة نبغ الأديبان جبران وون ئيتو، متشابهين للغاية بأسلوبهما والمحتوى الايديولوجى في أعمالهما وبنجاحاتهما ومكانتهما وتأثيراتهما فى تاريخ الأدبين العربي والصيني على حدة.

جبران وون ئيتو كلاهما كان مولعاً بالرسم منذ نعومة أظفاره، كما كان كلاهما يدرس الرسم الافرنجى خاصة وراء البحار، غير أنهما قد شعرا برسالتهما المقدسة نحو الأدب و بمسؤوليتهما نحو المجتمع، فأصبحا يميلان إلى الإبداع الأدبى فأحرزا نجاحات عظيمة فيه بعدما كان يميلان الى الرسم.

جبران وون ئيتو كلاهما له باع طويل في الآداب الوطنية الأصيلة، اذ أنهما قد طالعا كثيراً من الكتب الأدبية الكلاسيكية الوطنية وكانا يعجبان خاصة بروائع الشعراء المشهورين فى القرون الوسطى إعجاباً كثيراً، فدرساها دراسة عميقة. كما كانا قد بدآ في صغرهما يتصلان بالتربية العصرية الحديثة نسبياً، وكان يتلقيان فى شبابهما التعليم الغربي الحقيقي حيث عرفا حق المعرفة الحضارة الغربية والأدب الغربي وخصوصاً قد تأثرا بإبداعات الشعراء الرومانسيين الغربيين في القرن التاسع عشر مثل بيرون وشيلي تأثرا عظيما، فعلى أساس كل ذلك قاما بالتجديدات ذات الأهمية الكبيرة. 

فجددا هما وبعض من كان يعاصرهما من الشعراء والأدباء تجديداً شاملاً في الأدبيات من حيث المحتوى الايديولوجي والشكل الفني.
فقد ثارا على قيد العروض الجامد البالي للشعر القديم وعلى نهج الركوض وراء المبالغة والمغالاة فى الزخرفة والتنميق للنثر فى العصور المتأخرة.

فبعد تمثل خلاصة التراث الأدبي الوطني والاقتباس من مزايا الشعر الغربي كانوا ينظمون الشعر بشكل متغيّر القوافى ومتحرر من قيد العروض التقليدي. كما أنهم لم يعودوا يستعملون تلك التعابير الجامدة البالية في أعمالهم بل أصبحوا يتخذون التعابير البسيطة الطليقة الأكثر حيوية وتصويراً. كانوا يكتبون بطريقة الواقعية وفي الوقت نفسه كانوا يقتبسون من الأدب الغربي طريقة الرومانسية والرمزية في الابداع،وقد أصبحت الرومانسية الاتجاه الرئيسي في إبداعات جبران وون ئيتو فقد بلغا في ذلك المستوى العالي. 

إن جبران وون ئيتو كانا يكتبان بعواطفهما الصادقة، فيظهران ما كانا يكنان في أعماق القلوب من الآلام والأفراح ويعبّران عن مشاعرهما الذاتية الجياشة، كما يصوّران بؤس وشقاء الشعب الذي نزلت به حروب العدوان الاستعمارية والحروب الأهلية. وفي الوقت نفسه كانا يظهران تشوقهما وتطلعهما إلى تحرر الشخصية وحرية الفكر ويعبّران عن ثورتهما وتمردهما على الإقطاعية ثقافياً وايديولوجياً وتقليدياً وعرفياً وعلى القيود الدينية أيضاً.
وفي إبداعات جبران وون ئيتو تبرز الموضوعات خاصة في ((الحب والجمال والموت))، والحب هنا يشتمل على مشاعر متنوعة وعواطف متعددة. فلم يكونا يصوران الحب بين الرجل والمرأة فحسب، بل كانا يعبران عن عشقهما الحار للوطن حيث يتشابك حقدهما الشديد على الغزاة المستعمرين والحكام الاقطاعيين وحبهما الجم للشعب، مما يشكل مضمون وطنيتهما الرئيسي، وبعد ذلك كان حبهما يسمو إلى المحبة والآخاء نحو العالم كله ونحو البشرية كلها، بينما كانا يعبّران في أعمالهما وعن شوقهما وعطشهما إلى الفن وحياة الإنسان الحقيقية، واشتياقهما وتطلعهما إلى عالم عادل مثالي وإلى الحق والخير والجمال.

كان يحبان من أجل الجمال، جمال الحياة وكمال الروح. كما كان يرضيان أن يتعذبا ـ حتى وأن يضحيا بالروح ـ في سبيل الحب و الجمال. وهذا هو أبرز الموضوعات فى إبداعات جبران وون بل يعتبر من أهم الألحان في حياتهما. 

طبعا هناك فرق أيضا بين جبران وون ئيتو في إبداعهما الأدبي، فأكبر النجاحات التي حققها جبران تتركز على شعره المنثور، مع أنه قد نجح الى حدّ ما فى نظم الشعر الجديد. وما أبدعه بلغته الانجليزية أفضل مما أبدعه بها ون ئيتو كمّاً وكيفاً. وفضلاً عن ذلك، كتب جبران عدداً من القصص. ومع ذلك فهناك ما يتفوق به ون ئيتو على جبران، مثلا فقد أثّرت نظريته عن الشعر تأثيراً توجيهياً واسعاً في الشعر الجديد في الأدب الصيني الحديث. وإلى جانب ذلك قد كتب كثيراً من المقالات التي تمتاز بالكفاحية والفعالية الاجتماعية المباشرة الكثيرة. وبالإضافة إلى ذلك فقد قام ون ئيتو كعالم بالدراسات البعيدة المدى لأدب الصين القديم وحضارتها العريقة الأصيلة، فلا يُجاريه ولا يُباريه جبران فى ذلك.

بالاختصار نرى ونؤكد أن هناك وجوه تشابه كثيرة، وتجسّد التشابه بين جبران وون في أساليبهما الإبداعية وموضوعات أعمالهما الأدبية. وبالرغم أنه هناك بعض نقاط الخلاف بينهما في حياتهما الأدبية وفي النجاحات التى حققاها، سيبقى اسماهما خالدَين في سجل تاريخ الأدب بمساهمتهما العظيمة في الأدبين العربي والصيني، وكذلك بتأثيرهما في من كان يعاصرهما ومن يخلفهما من الشعراء والأدباء.

(الأبحاث المنشورة معرضة للتعديل قبل نشرها بصيغتها النهائية.

الأبحاث نشرت بإذن خاص من منسق الملتقى، الدكتور مسعود ضاهر،

رئيس الرابطة اللبنانية الصينية للصداقة والتعاون)

نبذة عن الباحث: أ.د./ لين فنغمين

نائب رئيس قسم اللغة العربية بجامعة بكين
ونائب رئيس مركز الدراسات الافريقية بجامعة بكين 

Dr. Lin Fengmin
Vice Director of Dept. of Arabic Language &. Deputy Director of Center for African Studies, Peking University

E-mail: emir68@sina.com
linfm2000@yahoo.com.cn
Mob.: 0086-15801628298