موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصراع السوري غيّر وجهة السياسة الخارجية الصينية

موقع إنترناشونال بيزنس تايمز 10-3-2012 ـ
إستير تران لي ـ
ترجمة خاصة بـ “موقع الصين بعيون عربية”
ترجمة: ناتالي جعفر ـ
دفعت الأزمة السورية الصين للانخراط أكثر من أي وقت مضى على الصعيد الدولي.
رغم إعلانها عدم التدخل، إلا أن تحركات الصين الأخيرة باتجاه سوريا، أظهرت تحوّلاً بسيط في السياسة الخارجية الصينية.
أظهرت سلسلة من الاجراءات الدبلوماسية أن الصين تبتعد عن سياسة النأي بالنفس إلى سياسة أكثر وضوحاً في الارتباطات الدولية.
اعترضت الصين سابقاً على قرارين تابعين للأمم المتحدة تطالب الرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي وأن يتوقف العنف حالاً في سوريا. لم تصدر الصين مقترحها المؤلف من ست نقاط الذي تعلن فيه سياستها الخارجية تجاه الصراع فقط، لكنها أيضاً أرسلت مبعوثاً “لي هواكينغ” (السفير الصيني السابق في سوريا) لاستئناف الحوار مع الحكومة السورية. كما أرسلت مبعوثاً آخر هو مساعد وزير الخارجية “زهانغ مينغ”، لمواصلة نقاش خطة السلام السورية، عندما زار السعودية، مصر، وكذلك فرنسا.
بيان النقاط الست الصيني يدعو إلى وقف إطلاق النار بين الثوار السوريين والحكومة، بالإضافة إلى ضمان احترام المجتمع الدولي للسيادة السورية. البيان صوّب بشكل غير مباشر على مجلس الأمن، حين وجّه اللوم إلى أيّ دولة ترغب بالتدخل في شؤون سوريا الداخلية تحت ذريعة المساعدات الانسانية.
منذ بداية الثورة قبل عام كان الصينيون الحليف الأقوى. في الواقع، أعطى الفيتو على مشروعين القرارين في مجلس الأمن الانطباع ـ في نظر الولايات المتحدة والقوى الأوروبية ـ بأن الصين على استعداد لحماية نظام الأسد.
يُنظر إلى الفيتوين الروسي و الصيني على أنهما ساهما بشكل كبير بمساعدة الأسد على الاستمرار في ممارسة العنف ضد الشعب السوري.
إن عمل الصين ـ كبلد انعزالي عادة ـ بنشاط للترويج لسياستها الخارجية القائمة على مبدأ “عدم التدخل”، قد يكون متوقعاً إلى حد ما، نظراً للموقع التاريخي للصين في العلاقات الدولية.
في الواقع، إن الصينيين يضعون الأمور بين يديهم. يُرى المبعوثون الصينيون على أنهم ثقل موازن لمبعوث للامم المتحدة والجامعة العربية، الأمين السابق للامم المتحدة كوفي انان.
هناك جدل حول ما اذا كانت استراتيجية عدم التدخل الصينية هي مسألة مبدأ أم مصلحة وطنية. لكن بغض النظر عن موقع الصين، إلا ان الأزمة السورية تبرهن أن هناك تحولات في السياسة الدبلوماسية للصين.
إن خطط الصين الاقتصادية الواسعة النطاق، والتجارة، والاستثمارات تؤدي إلى الغاء دورها الخارجي النموذجي. يقول “جايم تشاندلر” كاتب سياسي في جامعة “هونتر”في نيويورك إن الصين تكاد تتجاوز حدود (سياسة)عدم التدخل.

العلاقات الصينية السورية
في عام 1956، أقامت الصين وسوريا علاقات دبلوماسية رسمية. خلال 1980، توثقت العلاقات الصينية السورية عندما أبدت الصين استعدادها لتصدير تكنولوجيا الصواريخ المتوسطة المدى الى سوريا بعد رفض الاتحاد السوفياتي طلب الرئيس السابق حافظ الأسد في هذا المجال.
عام 2004، زار الرئيس الحالي بشار الأسد الصين لأول مرة، لتوثيق العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
سوريا تؤمن للصين سوقاً اقتصادية جديدة. منذ عام 2006، أصبحت الصين الشريك التجاري الأكبر لسوريا.
تتألف الاستثمارات الصينية في سوريا أساسا من عقود الطاقة، المصافي، ناقلات النفط، مرافق التصنيع و حتى العمال في الخارج. في الواقع سحبت الصين عمالها من سوريا لتتجنب إعادة التجربة الليبية عندما هرب 36000 من الرعايا الصينين.
كثيرون يعتقدون ان العلاقات الصينية السورية ترسخت أكثر في استثمارات الطاقة. ومنذ عام 2010 أصبحت الصين أكبر مستهلك للنفط.
“تنجذب الصين لإقامة شركات مع الدول المارقة وغير المستقرة لأنها توفر عقود طاقة رخيصة وفرصاً تجارية” حسب ما قال “تشاندلر”.
عقود الطاقة في بلدان المنشأ استحوذت  عليها القوى الأوروبية، لذا الفرصة الوحيدة للصين هي أن تعمل مع دول هامشية في المجتمع الدولي لتأمين احتياجاتها من الطاقة.
أبعد من العلاقات الاقتصادية بين البلدين، تعتبر الصين أن سوريا حليف استراتيجي ضد النفوذ الغربي في الشرق الأوسط، كما قال “ديلشود أشيلوف”، وهو عالم سياسي في جامعة شرق ولاية تنيسي في مدينة “جوسون تين”.
في الأساس  هناك دولتان في الشرق الأوسط  قريبتان من السياسة الخارجية الصينية، هما سوريا وإيران.
إذا سقطت حكومة الأسد، فإن النظام السوري الجديد لن يتأقلم على الأرجح مع القيادة الصينية.
وحسب أشيلوف، فإنه يُتوقع أن يكون النظام السوري الجديد مؤيداً للغرب الى حد كبير. وأكثر من ذلك، بسبب الفيتو الصيني على مشروع قرار الأمم المتحدة الشهر الماضي، فإن النظام الجديد سيكون مائلا الى التشكيك بالعلاقة مع الصين، إن لم يكن عدواً لها في المستقبل
في الواقع يوجد استثمارات صينية في سوريا، ولكن قد تكون على مستوى سطحي، مقارنة باستراتيجية الصين التي تستند على عدم التدخل العنيف.

الهدف من النقاط الست
يرى البروفسور “جايمس هيسونغ” من جامعة نيويورك أن سياسة الصين الخارجية اتجاه سوريا هي سياسة مبدئية.
منذ القرن التاسع عشر، كانت الصين مستاءة من التدخلات (الخارجية). هي ضد أي تدخل في أي دولة كمسألة مبدأ، حسب ما قال”هسيونغ”.
الفيتو الصيني على قرارات الامم المتحدة  بالنسبة لسوريا، كان بمثابة ردة فعل على شعور الصينيين بالخداع عندما حصل تدخل (أجنبي) في ليبيا، كما قال”هسيونغ”.
عندما صوّت مجلس الأمن لمصلحة قرار الامم المتحدة، امتنعت كل من روسيا و الصين عن التصويت. هذه المرة اختارت الصين أن تستخدم حق الفيتو على القرارات المتعلقة بسوريا.
البعض يجادل أن الصين تحاول متابعة القرارات الروسية لمواجهة النفوذ الغربي، وخصوصاً أن سوريا وليبيا هما جزء من دائرة لنفوذ الروسي.
“بيان النقاط الست” يمكن أن يُبطل هذا الجدال، لأن الصينيين أخذوا المبادرة قبل الروس في الصراع السوري، ربما بما يعارض سياستها المبدئية.
رغم سلمية البيان، فإن النقاط المذكورة تطالب الحكومة السورية والثوار المعارضين بالالتقاء والتحاور من دون تدخل الخارج، تدخل عسكري.
كنظرة أولية، يبدو تطبيق النقاط مستحيل. لكن كحل دبلوماسي يتفق”تشاندلر”و ديلشود” على أن البيان يعمل على تأمين استقرار الصين في الموقع الوسطي بانتظار نتيجة الصراع السوري.
لكن إرسال المبعوثين الصينيين يناقض بعض الشيء السياسة الخارجية الصينية “الحيادية”. في الواقع، بإرسال المبعوثين الحكوميين الرسميين لإقناع الغير بسياسة عدم التدخل الصينية فإن الصينيين يقحمون انفسهم في الصراع، ويضعون أنفسهم مباشرة في موقع مضاد للأمريكيين والأوروبيين.
ويمكن اعتبار الصراع السوري تدريباً للصينيين على التعاطي مع الشؤون العالمية، وهو يكشف عن قوة صاعدة تشهد تحولاً تدريجيا في روح المبادرة الدبلوماسية.
http://www.ibtimes.com/articles/312266/20120310/china-syria-un-syrian-veto-libya-chinese.htm