موقع متخصص بالشؤون الصينية

من لم يزر سور الصين (الحلقة الرابعة)

Four1
بقلم: محمود ريا
في كل مكان تجد آثار ماوتسي تونغ في الصين، ولا يمكن أن تفقد لمساته كيفما اتجهت: تمثال هنا، ومتحف هناك، وصور منتشرة بين هذه المنطقة وتلك.
قمصان ماوتسي تونغ تنتشر بكثرة في سفوح الجبال المحيطة بالعاصمة الصينية بكين، ولا سيما في تلك المحطة التي تنطلق منها أفواج السّياح إلى الأعلى، إلى سور الصين العظيم، مستخدمين المصعد الكهربائي الذي تستغرق الرحلة فيه أكثر من سبع دقائق أو مشياً على الأقدام، لمن يمتلك القدرة على المشي، ولا يمتلك الجرأة على استخدام المصعد الكهربائي، نظراً للرهبة التي تسكن الصاعد فيه.

Four2
في الأعلى، بعد الوصول إلى الأدراج التي تقودك إلى السور مباشرة، تستشعر هيبة المكان، فهذه المنطقة التي تقف عليها هي جزء من بناء يمتد على طول آلاف الكيلومترات، ويقال إنه المعلم الوحيد الذي بُني بيد الإنسان ويمكن رؤيته من الفضاء.
“فوق”، تلتقي بماوتسي تونغ مرة أخرى، حين يقول لك مرافقك الصيني بكل فخر إن الرفيق ماو يقول: “مَن لم يصعد إلى سور الصين العظيم ليس بطلاً”.
بالرغم من الطقس البارد على ارتفاع أكثر من ألفي متر، كان لا بد من جولة بين صفّي الحجارة اللذين يشكلان حدود السور بالعرض، واللذين يبعدان أحدهما عن الآخر نحو أربعة امتار، فتنظر ذات اليمين وذات الشمال، محتاراً إلى أي منظر طبيعي تركن، هل إلى القرى المتناثرة تحتك في الإتجاه الذي جئت منه، والتي تشكل عقداً من المنازل المتراصّة بجانب بعضها بعضاً، والتي تضم في جنباتها مئات الآلاف من الصينيين القابعين “في حماية” هذا البناء العظيم، أم إلى الجانب الآخر، حيث تنحدر التلال بدورها، مغطاة بغابات بكر، لم تمسّها بعد يد البشر، لتشكل منظراً رائعاً يحمل كل تفاصيل الطبيعة الخلابة التي يحلم الإنسان بالعيش في أكنافها؟
أما على السور نفسه، فالمنظر لا يمكن أن تنزاح عنه العين.
الشغل المتقن، والأحجار المصفوفة، والفتحات المتناسقة، كلها مناظر تدعوك إلى التدقيق فيها، وإلى إكبار أولئك العمّال المهرة، وقبلهم المهندسين الأكفاء، الذين صمموا و بنوا هذا العمل الجبّار.

Four3
هذا إذا كنت تمشي على السور، وتمتّع نفسك بالصعود والهبوط مع التواءاته التي تحاكي انسياب قمم الجبال، حيث يمتد بلا نهاية.
أما عندما تصل إلى الأبراج المقامة كمحطات على طول السور، فإن الصورة تختلف، تصبح أكثر تعبيراً، وأكثر عظمةً.
البرج مربّع، يتربّع بين مسافة وأخرى من طول السور، فيه كان يقيم الجنود الذين يحرسون حدود الإمبراطورية، وفيه كانوا يشعلون النيران عند اقتراب أي خطر، فينتقل الخبر من برج إلى آخر، إلى محطات الإنذار على طريق بكين، إلى قصر الامبراطور، الذي يعلم بما يحصل خلال وقت قصير جداً.
ولكل خبر نار، إنها لغة الإشارة، التي استخدمها العالم فيما بعد عن الصينيين، تماماً كما استنسخ الكثير من الإختراعات كالورق والبارود والخزف وغير ذلك من البدائع التي غيّرت وجه البشرية.

Four4
وفي البرج غرف، وأمكنة لإطلاق السهام، وتحته مخازن للطعام وللسلاح، إنه مكان إقامة دائم، لمن كتب لهم – أو عليهم – أن يقضوا عمرهم في حماية الامبراطورية، وفي خدمته .
إنه سور الصين العظيم، الحائط الكبير (great Wall) ، السور الكبير (chang cheng) ، ولكنه ليس كل التاريخ في الصين.

Four5

Four6

Four7