موقع متخصص بالشؤون الصينية

انعدام الثقة في الصين

1

خدمة «نيويورك تايمز» ـ عن صحيفة الشرق الأوسط السعودية ـ
توماس فريدمان
من الأشياء المعروفة جيدا عن الاقتصاد الصيني هو أن الصينيين جيدون في النسخ والتقليد فقط، ولكن لا يمكنهم اختراع أي شيء، لأن الحمض النووي الخاص بهم لا يحمل جين الاختراع، حسب ما قيل لنا، ولأن نظام التعليم هناك يعتمد على الاستظهار من غير فهم، وهو ما يعزز هذا الاتجاه بقوة. وفي الحقيقة، أشعر بدهشة شديدة حيال ذلك، فكيف للشعب الذي اخترع صناعة الورق والبارود والألعاب النارية والبوصلة المغناطيسية أن يتحول فجأة ويصبح قادرا على تجميع أجهزة «آي بود» فقط؟ أنا لا أعتقد أن ما ينقص الصين اليوم هو ثقافة الاختراع، ولكن ينقصها شيء أكبر وهو الثقة.

عندما يكون هناك ثقة في أي مجتمع، تظهر الاختراعات بشكل مستديم لأن الناس تشعر وقتها بالأمان والقدرة على المغامرة وتحمل المخاطر والالتزامات طويلة المدى اللازمة للاختراع. وعندما تتوافر الثقة يكون الناس على استعداد لتبادل الأفكار والتعاون فيما يتعلق باختراعات بعضهم البعض من دون الخوف من سرقة اختراعاتهم وإبداعاتهم. إن أكبر شيء يمنع الصين الحديثة من أن تكون مجتمعا مبتكرا، وهو شيء ضروري وحتمي إذا كانت تريد المحافظة على زيادة الدخل، هو تضاؤل مستوى الثقة في المجتمع.

لقد أدهشني العدد الهائل من رجال الأعمال والمستثمرين الصينيين الذين أثاروا انتباهي لهذه النقطة خلال الأسبوع الحالي. وفي الحقيقة، تعاني الصين من فجوة كبيرة بين هيكلها الاجتماعي القديم في القرى والأسر، والذي خلق نوعا خاصا من الثقة، وبين النظام الجديد القائم على تطبيق القانون واستقلال السلطة القضائية. وفي الواقع، قام الحزب الشيوعي بتدمير الهيكل الاجتماعي القديم، ولكنه لم يتمكن بعد من بناء النظام الجديد، لأن هذا النظام يعني تخلي الحزب عن الصلاحيات التعسفية التي يتمتع بها. ولذلك، تعاني الصين من عجز هائل في مستوى الثقة.

ولكي ترى نتيجة إضافة قدر بسيط من الثقة إلى المجتمع، عليك قضاء يوم واحد، كما فعلت أنا بالضبط، في تجمع «أليفست»، وهو الاجتماع السنوي الذي يضم الآلاف من رجال الأعمال الصينيين الذين يرتبطون ببعضهم البعض من خلال موقع «Alibaba.com» للتجارة الإلكترونية الصينية، والذي تم تأسيسه عام 1999. وقد صرح الموقع بأن مبيعاته خلال العام الحالي قد تفوقت على مبيعات موقعي «eBay» و«Amazon.com» مجتمعين. ويعود السبب في ذلك، ولو بصورة جزئية، إلى قيام الموقع ببناء أسواق تحظى بثقة ومصداقية من المشترين والبائعين داخل الصين، مما أدى إلى وجود شبكة من الاتصالات بين المستهلكين والمبدعين والمصنعين الذين كانوا يجدون صعوبة كبيرة في ذلك في الماضي.

ويضم الموقع ثلاثة مشاريع كبرى، الأول يتضمن موقعي «Taobao.com» و«Tmall.com» واللذين يكونان معا سوقا إلكترونية هائلة يمكن من خلالها لأي شخص في العالم أن يقوم بشراء أو بيع أي شيء، بدءا من معجون الأسنان الذي تنتجه شركة «بروكتر آند غامبل» وحتى الشركات الصينية التي تقدم منتجاتها الهندسية الرائعة. ومن المتوقع أن تقوم الشركات الموجودة على موقع «Taobao.com» بنقل بضائع بقيمة 150 مليار دولار بين المشترين والبائعين، ومعظمها في الصين.

أما المشروع الثاني فهو «Alibaba.com» فإذا كنت تريد الحصول على صندل مطاطي يعزف «النشيد الوطني الأميركي»، فعليك الدخول على الموقع وسوف يأخذك إلى عشرات الشركات الصينية المتخصصة في صناعة الأحذية والتي ستقدم لك منتجات منافسة.

والمشروع الثالث والأخير هو «Alipay.com»، وهو شبيه بموقع «باي بال» الشهير المتخصص في التجارة الإلكترونية، ويمكن من خلاله أن تقوم شركة صناعية صغيرة في المناطق النائية في الصين ببيع منتجاتها إلى مستهلكين صينيين في شنغهاي، على سبيل المثال. ويقوم المشتري بإيداع أمواله في شركة «Alibaba» ولا يتم تحويلها للبائع إلا عندما يؤكد المشتري أنه قد حصل على السلعة. والسؤال الآن هو، ما الذي حدث عندما توفرت الثقة؟ بالطبع، كان هناك من 500 مليون مستخدم صيني لموقع «Taobao» و600 مليون لموقع «Alipay».

وهنا في هانغتشو، قمت بزيارة لورشة عمل روبرت لوه، وهو رئيس شركة «كلاسيك ماكسيم» والتي أنشأها بغرض عمل لوحات فنية للفنادق، باستخدام تصميمات خارجية. وكان لوه معتادا على الترويج لمبيعاته عن طريق السفر والمشاركة في المعارض التجارية، ولكن في عام 2006 تلقى طلبية كبيرة للغاية من مؤسسة أميركية من خلال موقع «Alibaba»، مما ساعده على توسيع نشاط أعماله إلى حد كبير. ومنذ ذلك الحين، بدأ لوه يتخلى عن الاستعانة بمصادر خارجية ويقوم بتعيين فنانين صينيين وأجانب لإنتاج تصميماته الأصلية. وقال لوه: «نقوم بعمل الكثير من التصميمات الآن – الفن في الهواء الطلق، والفن الشمسي – وتقدمنا بطلب للحصول على الكثير من براءات الاختراع الأميركية».

ويمكن استنتاج نقطتين من هذه التجربة، الأولي، حسب تصريحات المسؤول الاستراتيجي الرئيسي بموقع «Alibaba» مينغ تسنغ، تكمن في أن الموقع الذي يلبي طلبات ما يزيد على 100 مليون مستهلك يوميا من خلال 6.5 مليون محل للبيع بالتجزئة متصلين بـ20 مليون صاحب عمل، يخلق «نوعا من الاتحاد العملي بين المجمعات الصناعية والسوق الإلكترونية»، حيث يمكن لأي شخص في الصين أو في الخارج أن يأتي للابتكار والتعاون أو شراء وبيع السلع أو الخدمات.

ويرى تسنغ أن موقع «Alibaba» سوف يرتبط في نهاية المطاف، بطريقة أو بأخرى، بمواقع «فيس بوك»، و«أمازون»، و«إي باي»، و«أبل»، و«بايدو»، و«لينكدين»، وغيرها من المواقع بهدف خلق «شبكة تجارية عالمية» افتراضية وموثوق بها، بحيث يمكن للأفراد والشركات تقديم منتجاتهم وشراء وبيع المنتجات والتصميمات والاختراعات.

وأشار تسنغ إلى أنه سيتعين على كل شخص في نهاية المطاف أن يجد طريقة ما لكي ينجح في هذه الشبكة العالمية، مضيفا: «الحدود الوطنية لن تقدم لك أي حماية».

أما النقطة الثانية فتكمن في أن الصينيين سوف يلعبون دورا محوريا في هذه الشبكة، حيث بدأ إنشاء مؤسسات تجارية عالمية تحظى بالثقة مثل «Alibaba» في تمكين جيل جديد من المستثمرين الصينيين الذين يحصلون على مقابل أقل ولكنهم يملكون مهارات فائقة من توسيع نطاق عملهم. إننا نرى الآن عمالة رخيصة في الصين، ولكننا في طريقنا لأن نرى نوابغ وعباقرة يمكن الاستفادة منهم بأسعار بسيطة.

تعليق 1
  1. تامر يقول

    كلام سليم ومنطقي وأحب ان أضيف ان المنتجات هي في الأصل انعكاس لثقافة الشخص المصنع ، فالمنتجات الألمانية لم يكن لها ان تكون بتلكوالجودة العالية وبضمان قد يصل الى عشر سنوات لو لم يكن الانسان الألماني ذو جوده من داخله ، وكذلك المنتج الياباني لم يكن له ان يكون بتلك الدقة العالية لو لم يكن الأنسان الياباني دقيق بطبعه . أما الإنسان الصيني فلديه مهارة عالية جدا في سرعة الإنتاج وكذلك الإنتاج بكميات خيالية وايضاً لاننسى قدرته الفائقة في تخفيض تكاليف التصنيع ليغزو أسواق العالم بكميات كبيرة جدا من المنتجات بإسعار رخيصة جدا ولكنها بالطبع على حساب الجودة.
    اذا الصناعة هي استنساخ للإنسان ونقل لهوية الانسان الداخلية الى المنتج
    لست أعتقد أن الإنسان الصيني يستطيع أن يصل الى دقة الإنسان الياباني او الى جودة المنتج الألماني أو الى براعة الإبتكار التي يمتلكها الإنسان الأمريكي . قد يتحقق ذلك في الأجيال القادمة أو بعد عشرات ومئات السنين .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.