موقع متخصص بالشؤون الصينية

«دولة القانون» .. درس جديد من #الصين

0

china-smoke-ban

صحيفة الأهرام المصرية ـ
ياسمين أسامة فرج:

هذا ما أثبتته تجربة تطبيق الحظر الصينى الصارم على التدخين فى الأماكن العامة فى العاصمة بكين، وذلك على الرغم من أن التدخين يبدو كأسلوب حياة فى الصين، إذ يصل أعداد المدخنين إلى 300 مليون شخص، بينما تدر صناعة التبغ عائدات تقدر بنحو 900 مليار يوان للدولة.

وقبل البدء فى تطبيق هذا القانون، لم تلق الحكومة الصينية بالآثار الناجمة عنه، فى ضوء حقيقة أن الصين هى أكبر منتج ومستهلك للتبغ فى العالم، ولكنها كدولة وحكومة، أدركت تماما أن وفاة أكثر من مليون صينى سنويا بسبب التدخين يكلف الدولة أكثر بكثير من الدخل العائد من أرباح صناعة السجائر.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، يتسبب التدخين فى وفاة شخص كل 30 ثانية فى الصين.

وبصفة عامة، تستهلك الصين ثلث السجائر التى يتم إنتاجها فى العالم، فيما تقول وكالة أنباء الصين الجديدة “شينخوا” إن أكثر من 50 مليون كرتونة سجائر تم بيعها فى البلاد العام الماضي، أى بزيادة نسبتها 37% عن عام 2013.

ومن أهم الأسباب التى ساعدت على انتشار التدخين فى الصين انخفاض أسعار السجائر، إذ يصل سعر العلبة إلى 5 يوان فقط، أى 80 سنتا أمريكيا، وذلك نظرا لقلة الضرائب التى يتم فرضها على شركات التبغ.

وتحتل الشركة الوطنية الصينية للتبغ – وهى شركة مملوكة للدولة – المرتبة الأولى فى مجال إنتاج السجائر فى العالم، بمعدل إنتاجى يزيد بثلاث مرات عن منافستها الأولى، وهى شركة أمريكية شهيرة.

ووفقا للقانون الجديد لحظر التدخين فى الأماكن العامة المغلقة فى بكين، يتم فرض غرامة مالية تصل إلى 10 آلاف يوان، أى ما يعادل 1600 دولار، على الأماكن العامة نفسها مثل المطاعم والمحلات التجارية والمطارات والمكاتب التى لا تفرض حظر التدخين، بينما تكرار تجاهل هذا الحظر قد يعرض المكان لإلغاء ترخيص عمله نهائيا.

وهناك عقوبة أيضا على المدخنين المخالفين تبلغ 200 يوان – حوالى 32 دولارا – بدلا من 10 يوان كانت مفروضة ضمن حظر جزئى سابق.

كما يحظر التشريع الجديد أيضا وضع إعلانات التبغ فى الأماكن العامة.ودشنت حكومة بكين خطا ساخنا لتلقى الشكاوى والإبلاغ عن المخالفين، بل أنشأت أيضا حسابا على مواقع التواصل الاجتماعى “الصينية” تسمح للمواطنين بتحميل صور المخالفين للقانون لفضحهم أمام المجتمع.

=ولم تكتف الحكومة الصينية بتطبيق ذلك الحظر فى العاصمة فقط، بل إنها تدرس فى الوقت نفسه تمرير قانون للسيطرة على التبغ فى جميع أنحاء البلاد.

ورغم النوايا الجادة، والبداية القوية لتطبيق قانون منع التدخين فى الأماكن العامة، فإن بعض الكتاب فى وسائل الإعلام الغربية ما زال يشكك فى إمكانية تطبيق ذلك القانون بصرامة، نظرا لفشل قوانين مماثلة سابقة، ففى عام 2011، تبنت الصين أيضا قانونا لمنع التدخين فى الأماكن العامة، لكنها لم تنظم حملة توعية جيدة وقتها بالقانون وبأضرار التدخين، كما لم يتضمن القانون غرامات مالية، الأمر الذى جعل من القانون حبرا على ورق.

وبصرف النظر عن نجاح الحكومة الصينية فى فرض القانون الجديد من عدمه، فإن الشيء المثير للإعجاب هو رد فعل المواطنين الصينيين – المعروفين بشراهتهم للتدخين – تجاه القانون.

فلم نجد أى حملات ضد القانون على مواصل التواصل الاجتماعي، ولم يحدث ذلك الضجيج الاحتجاجى المثير للاشمئزاز من كل من حمل راية المعارضة لمجرد المعارضة فقط، أو ممن لا ينظر إلى مصلحته الشخصية فقط ولا يرى غيرها ويعتبرها فرضا على الآخرين، بل الذى حدث أنه مع بداية تطبيق القانون هذه المرة، انتشر متطوعون يرتدون الزى الأحمر فى أنحاء بكين، ووزعوا لافتات توعية وعلامات منع التدخين،

كما أدت عشرات النساء المتطوعات فى منتصف العمر رقصة للترويج للحملة، والتقطت طواقم العاملين فى بعض المطاعم صورا وهم يحطمون طفايات السجائر بالفئوس وعلى وجههم ابتسامة عريضة رغم الخسارة المادية التى ربما سيتعرضون لها جراء تطبيقهم لهذا القانون، ورغم ما هو مفترض من أنهم أول المعارضين المفترضين للقانون، ولكنهم سعداء بوجود قانون يطبق، وبوجود دولة ترعى مصالحهم وتحافظ على أموالهم وصحتهم، حتى وإن أرادوا العكس، وهو يودون أن تضاهى بلادهم الدول الغربية فى السلوكيات المتحضرة، والتى من أهمها احترام القانون وإعلاء كلمته فوق الجميع.

وما حدث فى قانون منع التدخين فى الأماكن المغلقة بالصين درس جديد تقدمه الصين للعالم، فى كيفية تطبيق القوانين بكل قوة وحزم، وكيفية امتثال الشعب لذلك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.