موقع متخصص بالشؤون الصينية

معالم في طريق الحرير

0

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
طارق قديس*:

 

لم يكن ضرباً من الصدفة أن يستدعي الرئيس الصيني شي جين بينغ في محاضرته التي ألقاها في سبتمبر عام 2013 بجامعة نزارباييف، ((طريق الحرير)) من باطن التاريخ، ويلقي الضوء على حلقة مهمة في الشرق عمرها 2100 عام. فإحياء الحزام الاقتصادي القديم بين “الشرق الأقصى” و”الشرق الأوسط” وأوروبا فكرة ظلت ماثلة في ذهن الرئيس لزمن واختمرت أخيراً لتجد طريقها للعلن. فطريق نقل التوابل والشاي والحرير وغيرها من البضائع – والذي التصق اسمه بالحرير حصراً على اعتبار الحرير منتجاً صينياً مميزاً – كان حلقة وصل فريدة بين عوالم مختلفة وحضاراتٍ متباينة، سواء عن الطريق البر أو البحر تجارياً وثقافياً، وإن إحياء الفكرة ضمن معطيات القرن الحادي والعشرين تشكل دفعاً للاقتصاد المحلي أولاً والاقتصاد الاقليمي ثانياً لما فيه من تحقيق تكامل موسع في كافة الأسواق الاقتصادية على طول الطريق شرقاً وغرباً.

إن النهج الصيني الحكيم في بناء قوة اقتصادية أولى للعالم ، ونجاح

البضائع الصينية في اختراق الكثير من الأسواق التجارية والمنافِسة بشراسة وكفاءة، لم يمنع بكين من الاكتفاء بما وصلت إليه من تفوق، بل كان حافزاً لبناء جسر دائم يهدف لإحداث ثورة في العلاقات الاقتصادية، والذي بدوره سيؤدي لبناء علاقات سياسية متينة باتجاهات متعددة، فكان ذلك الجسر هو مبادرة ((الحزام والطريق)). ولعل طموحات الارتقاء بالصناعة والتجارة مع دول الجوار هو ما حفز تلك الدول تجاه المبادرة، وأوجد لها صدىً طيباً لدى آذان كافة الأطراف، من خلال انفتاح العلاقات نحو الخارج بشكل إيجابي، خاصة أن الدول الواقعة في مجال مبادرة ((الحزام والطريق))، وهي 65 دولة – منها المملكة الأردنية الهاشمية – تتمتع بدرجة مرتفعة من التكامل الاقتصادي لديها.

وتبعاً لهذا المناح الإيجابي وضع الرئيس الصيني بدوره خارطة الطريق التي ينبغي أن نسلكها لتحقيق الهدف، وحصرها في خمس نقاط:

–  وَضْعُ حجر الأساس لمبادرة ((الحزام والطريق)).

–  تنمية التجارة والاستثمار من خلال جعل النظام التجاري أكثر بساطة ، وأكثر توسّعاً ، وأكثر اعتماداً على التكنلوجيا.

–  دعم الأنظمة المصرفية في البلدان الأعضاء.

–  تعزيز العلاقات السياسية بما يُحقق المنافع المشتركة.

–  دعم الشق الإنساني لدى شعوب المنطقة والعالم.

 

ولعل أكثر ما يميز المبادرة الصينية عن باقي الاتفاقيات الاقتصادية العالمية والإقليمية الأخرى، هو أنها تتكئ في أهدافها على تبادل الاحتياجات واكتساب نقاط القوة من الأطراف الأخرى فيما بينها لرأب الصدع بين الدول الأقل تطوراً والدول الأكثر تطوراً، وهو ما يثبت وبشكل كامل أن ترجمة الفكرة لواقع ملموس سيُعجّل من تدعيم البنية التحتية في دول على طول خط المبادرة، وسيُسرّع من وتيرة استكمال شبكة النقل والمواصلات، وسيسهل من انتقال رؤوس الأموال بطريقة سلسة وأكثر مرونة، مما سيؤدي في النهاية لبناء قوة اقتصادية عالمية تحمل معها بذور التآخي والترابط على حد سواء لشعوب المنطقة ككل ولدول الجوار بشكل خاص.

 

وعليه فنجاح المبادرة هو إعلاء لصوت السلم في المنطقة والعالم ككل، لأن المبادرة ليست مجرد فكرة اقتصادية محضة، أو تجارية جامدة، ووقوفها على أرض صلبة هو رسالة مهمة لكل الزعامات الاقتصادية المختبئة تحت عباءة القوة السياسية، ومفادها أن النجاح الاقتصادي هو الطريق السليم لتدعيم دور الدولة في أي مكان ، وأن القوة السياسية ليسيت وحدها هي المحرك الدائم في العالم من حولنا.

ولا يفوتنا هنا أن نثني على دور القنوات الصحفية التي ساهمت بشكل مميز في تسليط الضوء على أهمية طريق الحرير في حُلَّته الجديدة، وعلى رأسها صحيفة (الشعب) الصينية التي رعت فعاليات منتدى التعاون الإعلامي على طول الحزام والطريق 2017 على مدى عدة أيام في مدينة دونهوانغ الصينية، وهو ما يُشير إلى أن الصحافة هي عنصر مهم لا يمكن إغفاله في مجتمع يرغب دوماً في تحقيق أهدافه الكبرى لبناء اقتصاد سليم تلعب فيه المشاركة الدور الأهم، ولا محل فيه للاحتكار أو للمصالح أحادية الأطراف.

*شاعر وكاتب أردني معروف وعضو قيادي متقدم في الاتحاد الدولي للصحفيين والاعلاميين والكتاب العرب أصدقاء وحلفاء الصين – الاردن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.