موقع متخصص بالشؤون الصينية

سياحة الصين والصينيين والمؤتمر الـ19 للحزب

0

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
ماريا مروان سوداح*:
لم يَقتصر البحث في المؤتمر الـ19 للحزب الشيوعي الصيني، على القضايا ذات الاهتمام السياسي والاقتصادي النوعي والقضايا الرئيسية لتطور البلاد، في المجال الاستراتيجي، بل واهتم المؤتمر وناقش وعلى رأسه الأمين العام له شي جين بينغ، بمتابعة أدق التفاصيل في كل إتجاه ومجال، ومن ضمن ذلك المسألة السياحية.
وفي هذا الاتجاه، أكد الأمين العام (شي جين بينغ) في خطابه أمام المؤتمر التاسع عشر، أمام ألوف المؤتمرين والضيوف، أن اقتصاد الصين “لن يُغلق أبوابه” أمام العالم، بل على العكس من ذلك، “سيَفتح أبوابه أكثر”، واعداً أيضاً بمعاملة الشركات الأجنبية بـ”إنصاف”، وأكد كذلك أن النظام السياسي للصين “يَحمي الحقوق والمصالح المشروعة للمستثمرين الأجانب، وكل الشركات الأجنبية المسجلة في الصين تعامل على قدم المساواة وبإنصاف”.
في هذه الاشارات الهامة من الرجل الاول والأقوى في الصين، تأكيدات لا يشوبها شائبة بضمان حماية الاستثمارات بشكل عام، وبضمنها بالطبع السياحية، ما يؤكد أن الفعل والعمل السياحيين سوف يستمران بالتطور والازدهار على صعيدين صيني داخلي وخارجي، كذلك الأمر في حقل السياحة الدولية من دول العالم نحو الصين.
ومن المهم التنويه هنا، إلى أن السياحة الصينية واكبت خطوات حركة الاصلاح والانفتاح منذ أولى أيامها، وشاركت بفعالياتها وانفتاحيتها بترسيخ مفهوم ما يُطلق عليه “الصعود السلمي الصينيPeaceful Rise of China حيث تحولت الصين إلى قوة مقرّرة في الاقتصاد العالمي، وتملك ثاني أكبر احتياطي من النقد الأجنبي، يبحث عن الاستثمار في الخارج، وهي ثاني دولة تستثمر في الولايات المتحدة التي تستقبل عشرات ملايين السياح الصينيين كل عام.
وفي جانب آخر موازٍ يُلاحَظ، أن النظام السياسي الصيني الحديث، الذي يقوده الحزب، هو الحاضن الرئيس للحضارة الصينية وبضمنها ثقافة السياحة والسياحة المجردة، وهذه تُعتبر واحدة من أهم الجسور التي تربط ما بين الامم وتعرض لواقع الصين المُعاش للعالم، وتسهّل علاقاتها مع الآخرين. وفي الشق الروحي فإن الحزب والدولة، وهما جسد واحد متصل ومنسجم، يُعتبران حاضنة سياسية وروحية (أيديولوجية) للسياحة صناعةً وثقافةً، وهو أمر في غاية الاهمية وجاذب للانتباه، ويعكس عظمة صلابة مدماك العمل الصيني لضمان بقاء الحواضن الصينية التي تحمل في ذاتها حضارة الصين وثقافتها، والى جانب ذلك “غموضها” إن جاز التعبير أيضاً بالنسبة للثقافات الآخرى، وأهمية تلاقح هذه الثقافات وتواصلها من خلال السياحة وصناعة السياحة التي لا تريد معرفة الحرب والنزاعات، بل تشدّد على قِيم السلام والآمان الجماهيري والعالمي.

الصين دولة كبيرة المساحة والأكثر سكاناً واستهلاكاً سلعياً وثقافياً واستخداماً للإعلام والمعرفة ومنها السياحية من خلال الانترنت. لذلك تعتبر السياحة واحدة من أهم الروافع الاقتصادية والثقافية في البلاد، بل أنها ترتقي الى مستوى المحور الاستراتيجي، لخلق جيل صيني يستكمل عملية إدركه المعرفية لوطنه وطرائق تسويقه داخلياً وخارجياً. فالسياحة في الصين هي أهم سوق، وهي تشغّل بشكل أو بآخر عشرات ملايين الصينيين ويستفيدون منها بشكل مباشر وسريع، هذا إن لم يكن أكثر من هذا الرقم بصورة أو بأخرى، فمن يعملون بالسياحة يحاولون عادة جمع مهنة أخرى الى جانبها، تضمن مزيداً من الرخاء المادي لهم.
قُبيل انعقاد المؤتمر التاسع عشر للحزب، ذكر القسم العربي لإذاعة الصين الدوليةCRI نقلاً عن مصلحة الدولة الصينية للسياحة، أن سوق السياحة في الصين بقي في “حالة مستقرة” خلال عطلة العيد الوطني هذا العام، حيث سافر 93 مليون سائح صيني (فقط !) الى أنحاء البلاد الصينية الواسعة !، ويُمثّل هذا الرقم زيادة بنسبة12.1في المئة على أساس سنوي، وفقاً لما ذكرته الإدارة رسمياً. وقد أنفق السياح المحليون 76.3مليار يوان (11.39مليار دولار أمريكي) في نفس يوم العيد الوطني، بزيادة 14.7في المئة على أساس سنوي.
وشهدت عطلة العيد الوطني الأخيرة و عيد منتصف الخريف التي امتدت ما بين1 إلى 8 أكتوبر/تشرين الاول، زيادة كبيرة في تدفقات الركاب، حيث أصبحت السياحة الترفيهية إحدى أهم وسائل الترفيه لقضاء العطلات، بسبب تحسّن مستوى المعيشة لدى الصينيين وارتفاع دخولهم المالية وقدراتهم للتجوال، وتوسع معرفتهم لبلادهم، وقد دخلت مواقع صينية عديدة هذا العام في بند المواقع السياحية، وهي شعبية ووطنية وثقافية وتاريخية بشكلها وجوهرها، بما في ذلك “المدينة المحرمة”، و “جبل هوانغشان” و “بحيرة بايانغديان”، وتوسعت زيارات “السياحة الحمراء” الى “البلدات الخاصة”، والريف الاشتراكي الجديد، ومواقع التراث الثوري الاشتراكي، وأصبحت “شائعة” أكثر ومتّسعة خلال العطلة الاخيرة.
وعلى صعيد خارجي، فإن حصة الأسد من رحلات الصينيين الخارجية، عموماً، كانت من نصيب القارة الآسيوية بنسبة 89%.، ويُشير أحد التقارير الصادرة عن (هيئة أناليسيس الدولية)، إلى أن حجم معاملات سوق السياحة عبر الإنترنت في الصين قد بلغ 33.26مليار يوان في عام 2014، وأن عدد وكالات السفر التي تزاول أعمال السياحة الخارجية للمواطنين الصينيين تجاوز2700 وكالة حتى نهاية عام 2014، أي ما يمثل10% تقريبا من إجمالي عدد وكالات السفر العاملة في الصين، ما دفع المدير التنفيذي لمنظمة السياحة العالمية، تشو شان تشونغ، للتصريح في معرض حديثه عن القفزات الكبيرة التي حققتها الصين في مجال السياحة الخارجية: “أن السياح الصينيين ساهموا بـ129مليار دولار من مجمل اقتصاد السياحة العالمية”، جاء ذلك خلال الدورة الثامنة للمنتدى الدولي حول الاتجاهات السياحية الذي عقد في مدينة قويلين جنوب غرب الصين في الـ13 من أكتوبر/تشرين الأول 2014م، وقد إزدادت مساهمات الصينيين في هذا الاتجاه في السنوات التالية في اقتصاد السياحة العالمية بشكل أكبر من ذي قبل، وتربعت الصين بإجلال على عرش السياحة العالمية، وستبقى تتربع عليه الى عشرات السنين القادمة، لأسباب كثيرة، وبالتالي فإن الصين مرشّحة لتأكيد زعامتها على هذا الشكل الاقتصادي على صعيد العالم.
إن المؤتمر التاسع عشر للحزب والمؤتمرات المقبلة، مطالبة في خضم تطور الصين الذي ما زال في مرحلة الفرص الإستراتيجية المهمة وفقاً لخطاب الأمين العام شيب جين بينغ في المؤتمر، برسم خطة إستراتيجية للصين في المجال السياحي، تركّز علتى تنمية السياحة ومن خلالها الثقافة والتبادلات الثقافية والروحية والفنون وما إليها مع العالم النامي والثالث وبخاصة البلدان العربية التي ارتبطت بالصين بأواصر وثيقة من خلال طريق حرير قديم وعريق، لمزيد من تقارب شعب الصين وشعوب العالم من بعضها البعض، وبخاصة في مجال العلاقات الاجتماعية في ظل التحديات العالمية الجديدة التي تهدف الإطاحة بموقع الصين دولياً، من خلال مجالات الضغط التي تمارسها على الصين بعض الدول الكبرى، التي تكره تراجع وتائر زعامتها للعالم.
*ناشطة إجتماعية وعضو في الاتحاد الدولي للصحفيين والاعلاميين والكتاب العرب أصدقاء الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.