موقع متخصص بالشؤون الصينية

#أمرِيكا تَفشَل بِضرب أوتادها عَلى حُدود #الصّين البرّية.. (العدد 84)

0

نشرة الصين بعيون عربية ـ الأكاديمي مروان سوداح*

 

الحملة المَسعورة الفاشلة التي تشنّها أمريكا ترامب على جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، تذكّرنا بالحملة المَسعورة السابقة على إيران (في أقصى غرب آسيا)، ونصب الصواريخ الأمريكية بمواجهة الصواريخ الإيرانية النووية المزعومة، والتي تلتها حملة أخرى مشابهة لنشر صواريخ “ثاد” الأمريكية في جنوب كوريا، (في أقصى شرق آسيا)، ليصل قُطر قدراتها الاستهدافية التدميرية مناطق جنوب الصين وجنوب شرق روسيا.
في الحملة المَسعورة، اللعبة الامريكية الثالثة على كوريا الديمقراطية، يتم استهداف الصين وروسيا. كيف ذلك؟ فمن ناحية تطلب أمريكا ترامب من بيجين وموسكو التصويت المتواصل في مجلس الأمن على فرض عقوبات اقتصادية على بيونغيانغ، وبعدها تسترسل بلعبة العقوبات، لتصل الى حدِّ تقديم مطالب تعجيزية للدولتين لنيل موافقتهما على خنق كوريا الديمقراطية وحشرها في الزاوية، حيث لا مجال بعدها سوى لحرب دفاعية كورية مهما كلّف الأمر، فجَرّ البلدان الثلاثة الى مواجهة وخصومة فعداء ونزاعات وحروب، ولن تتمكن.
والأدهى من كل ذلك، أن أمريكا ترامب ـ الذي قصف قاعدة “الشعيرات” السورية الجوية خلال حفل عشاء أقامه على شرف الرفيق الأمين “شي جين بينغ” ـ أدرجت بيجين وموسكو ضمن العقوبات الامريكية، من خلال لائحة العقوبات المَفروضة على كل مَن يتعامل مع كوريا الديمقراطية.. فكيف والحالة هذه يمكن الموافقة على اللعبة الأمريكية العَبثية والمَجنونة، التي لا يمكن فهمها سوى في إطار أنها حرب عالمية على كل العالم الذي يرفض التجويع والإلحاقية والموت.
موقف جمهورية الصين الشعبية واضح وجلي بشأن السلاح النووي وسلاح الإبادة الجماعية عامة. فالصين تناضل من أجل تجنيب البشرية الموت الجماعي، ولأجل إنقاذ الحضارة الانسانية، لكن بشرط ان تتخلى جميع دول العالم بدون استثناء عن امتلاك هذا النوع من السلاح، والامتناع عن تصنيعه أو تصنيع السلاح المؤدي الى تصنيعه، لكن أمريكا ترى امتلاكها هي وحدها لسلاح الإبادة الجماعية لتستخدمه ـ هي وربيبتها الكيان الصهيوني ـ هراوةً لتركيع الدول المستقلة الرافضة لبيع ذواتها في سوق النخاسة والعبودية الأمريكي، الذي دمّر دولاً مزدهرة وغنية على مِثال ليبيا والعراق وسورية وغيرها من البلدان، وها هو الأمريكي ينتقل إلى كوريا لإلحاقها بالدول الفاشلة، ولن يتمكن.
في “الكُرةِ” الإستراتيجية الجيوبوليتكية الأمريكية العالمية المستمرة في دورانها منذ الحرب العالمية الثانية بالذات، “ضرورة” وصول أمريكا الى البر الصيني والبر الروسي، وإخراج الصين “إلى الأبد” من شبه الجزيرة الكورية، واستكمال محاصرتها وخنقها بحرياً، كذلك مُحاصرة روسيا بالقواعد العسكرية النووية الأمريكية المنتشرة في جنوب كوريا، ولاحقاً كما يُخطِّطون، نقل تلك القواعد الأمريكية إلى شمال شبه الجزيرة الكورية، فتعزيز عملانية وقدرات القواعد الأمريكية المنتشــرة في تايوان واليابان.
وهنا لا بد من تذكير القارئ أن واشنطن رفضت رفضاً قاطعاً في خواتيم الحرب الكونية الثانية إقتراح الزعيم السوفييتي المُنتصر جوزيف ستالين، تقسيم اليابان الى مناطق نفوذ سوفييتي وأمريكي (على نمط تقسيم ألمانيا وبرلين)، وأصّرت واشنطن على هيمنتها هي وحدها على اليابان، فضربتها بالنووي مرتين، ودعمت ما يُسمّى بـِ “استقلال تايوان”، ومشاركة زعيمها المُنشق والعميل لأمريكا في بعض الاجتماعات والمحادثات التي عقدتها آنذاك الدول “الحليفة” الأربع المُنتصرة في تلك الحرب، (الاتحاد السوفييتي/الولايات المتحدة الأمريكية/ المملكة المتحدة وفرنسا).
لا يمكن للمخطط الأمريكي أن يَستكمل دورانه ولعبته بدون إغلاق (مضيق مَلقا) والبحرين الشرقي والغربي بوجه الصين، وهو ما تسعى أمريكا إلى تفعيله، حال سيطرتها عسكرياً على كوريا الديمقراطية، ونثق بأنها لن تتمكن من ذلك أبد الدهر.
في واحدة من الأساليب “الحَربجية” للكاوبوي الأمريكي الذي بدأ بالتآكل والحَشرجة والتعفّن في مرحلة الشيخوخة الحالية المُستفحلة فيه فيزيائياً وتاريخياً، في خضم الزعيق حول “تهديدات” كوريا الديمقراطية للديمقراطية الأمريكية و (العم سام) والحرية وإلى آخر هذه الاسطوانة المَشروخة المَهلهلة، ما كشف عنه الرئيس ترامب شخصياً، من استعداد أمريكا بيع حليفاتها “الشرقيات” كوريا الجنوبية واليابان وتايوان مختلف أنواع الأسلحة “لمواجهة بيونغيانغ”، لكن.. حظر أمريكا بيع سلاح الإبادة الجماعية الذي تـُبقى حيازته واستخدامه حكراً على قواتها المُجحفلة في تلك المناطق المتوترة، وهنا بالذات بدأت الاستراتيجية الامريكية تؤتي أُكلها من حيث:
1/نجاح واشنطن في عملية تخويف حليفاتها الآسيويات الشرقيات من بيونغيانغ “البُعبع” إلى حد ارتعادهم، وبالتالي دفع طوكيو وسول وتايبيه إلى شراء مزيد السلاح الأمريكي بمليارات الدولارات، “لردع التهديد الشمالي”.
2/محاولة (العم سام) دفع طوكيو وسول وتايبيه إلى مرحلة مفصلية، تخوض فيها هذه العواصم حرباً أمريكية بالوكالة على كوريا الديمقراطية، لصالح أمريكا ومَجمعها الصناعي العسكري، وتبقى أمريكا بعيدة عن الخوض المباشر فيها، اللهم إلا عن طريق إشراك “بلاك ووتر” في النزاعات المُستقبلية في شرق آسيا.
3/إضعاف الاقتصادات اليابانية والتايوانية والجنوب كورية واستثماراتها في الشرق الاقصى الروسي، وفي غيره من مناطق العالم، لصالح مزيد من انتشار وسيطرة الاقتصاد الامريكي في شرق آسيا.
4/ضمان بقاء تايوان وجنوب كوريا واليابان رهينة عسكرية وسياسية في قبضة (العم سام) ومشروعه الآسيوي الكبير، ضمن عَملانيات الصراع الاستراتيجي والجيوسياسي والعالمي الشامل مع جمهورية الصين الشعبية وروسيا الفيديرالية؛
5/إيصال رسالة سياسية وعسكرية للقيادتين الصينية والروسية مَفادها أن (العم سام) “هو الوحيد” المُسيطرة على الأحداث والعمليات السياسية ومستقبل شرق آسيا وليس الصين أو روسيا.
6/بقاء (العم سام) قائداً مُسيطراً على دول مجموعة آسيان بوجه الصين وروسيا، وإيصال رسالة لدول المجموعة مفادها أن أمريكا تستطيع في أي وقت استحداث مشاكل جادة في بلدان آسيان، التي قد تتجاسر للانعتاق من الهيمنة الأمريكية والتقرّب من بيجين وموسكو.
7/تدرك القيادة الصينية النابهة إدراكاً عميقاً، أن المشروع الأمريكي أشمل وأعمق من كونه مشروعاً قارياً أو إقليمياً، وبأن القوة الأمريكية المُهيمنة على عددٍ من دول شرق آسيا، توجّه رسائل جادة إلى كل دول أُوروبا الغربية وتلك الدول الاشتراكية السابقة مفادها، أن أمريكا لن تسمح لها بالخروج من بيت الطاعة الامريكي.. “وإلاّ..”!
8/شخصياً، ألاحظ أن الاستراتيجية الامريكية العَميقة العَاملة على مزيدٍ من توتير الأوضاع على الحدود مع شبه جزيرة كوريا، تتعاظم بتراجع البأس العسكري للقوة الأمريكية في (الشرق الأوسط) وسورية والعراق، وبتزايد ضمان الدعم المالي العربي الخليجي لواشنطن “كلما عَنّ ذلك على بال أمريكا”، وفي خضم التوتر المُتعاظم على الجبهة الروسية الأوكرانية، والترتيبات العسكرية والسياسية الأمريكية لاستحداث منطقة توتر جديدة في وسط آسيا، تُهدّد جنوب روسيا وغرب الصين، حيث تواصل الولايات المتحدة الامريكية دعم الارهابيين من شتى المِلل والنِّحَل في غرب الصين ومجموعة الإرهابية العَميلة (ربيعة قدير)، وعمليات (الدالاي لاما) للنيل من الصين.
أي أن المخطط الامريكي القديم الجديد، لا يزال يعمل على تفتيت الصين وروسيا في تلك المناطق التي تُصنّف أمريكياً بأنها “ضعيفة” و”رَخوة”، و”قابلة لاستدامة حريق حربي أبدي” و”استقبال المَعونات الخارجية” المشبوهة المدفوعة الثمن طبعاً (على شاكلة “مَعونات” “ليند – ليز” الأمريكية لموسكو، والتي خَدعت أمريكا العالم بمجّانيّتها أيما خَديعة، بينما تكشّف أن موسكو دَفعت كامل ديونها من تلك “المعونات” في العهد البوتيني الحالي)!
*رئيس الإتحاد الدولي للصَّحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصّين.
*المَقال خاص بالنشرة الاسبوعية لموقع الصين بعيون عربية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.