موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين ولبنان: شراكة استراتيجية وعلاقة متجددة عبر الزمن

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
محمد زريق:

 

نُسِجت العلاقات اللبنانية الصينية على طريق الحرير منذ قديم الزمن، ففي بلاد الأرز اليوم قصص عن أعمال تجارية وثقافية وفنية ما كانت لتكون لولا سياسة الصين المنفتحة على العالم العربي والمُحِبة لشعب وحكومة لبنان. فالصين اليوم ليست بالدولة العادية، فالتاريخ الصيني اللبناني الطويل والعلاقات الثنائية الحافلة بالأحداث والانجازات والمساهمات جعلت من هذه العلاقة “علاقة استثنائية وفوق العادة”.

تعود العلاقة اللبنانية الصينية إلى عام 1955 عندما التقى ممثل الوفد الصيني إلى مؤتمر باندونغ السيد “تشو إن-لاي” كل من ممثلي الوفود اللبنانية والسورية والمصرية والسودانية، بالاضافة إلى غيرها من الوفود، خلال اللقاء كانت العين اللبنانية تتطلع إلى الدعم الصيني للبنان كبلد كحديث، والصين تتطلع إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان. وفي كانون الثاني من العام 1971 اعترفت الدولة اللبنانية رسمياً بجمهورية الصين الشعبية، وقد جاء هذا القرار بوقت متأخر عن باقي الدول العربية بسبب الأزمات الداخلية التي شهدها لبنان وبسبب ارتباطات لبنان الخارجية، خصوصاً مع الدول الغربية مثل فرنسا.

وفي السادس من تشرين الثاني من العام 1971 اعترف لبنان بجمهورية الصين الشعبية، وبعد هذا التاريخ بدأت العلاقات بين البلدين بالتطور، بالتحديد على الصعيد الاقتصادي، وقد قطعت الصين دعمها لحركات التحرير الوطنية، وأصبح تعاملها مع الدولة اللبنانية بشكل مباشر، وبدأت بكين سياسة التعامل مع جميع الفرقاء من دون تمييز، الأمر الذي أدى إلى حالة من تقبل الصين لبنانياً. وقد ظهر دور الصين الوسطي والسلمي خلال الحرب الأهلية اللبنانية، حيث دعت إلى حل الخلافات بالطرق السلمية والحوار. ولكنَّ الصين لم تترك القضية الفلسطينية وظلت في موضع الداعم المعنوي خصوصة مع “سياسة كيسنجر المكوكية” والتعبئة السوفياتية خلال مؤتمر جنيف للسلام بين فلسطين واسرائيل.

قام المسؤولون اللبنانيون بزيارة جمهورية الصين الشعبية العديد من المرات، ولكن أهمها كانت زيارة رئيس الحكومة الأسبق المرحوم رفيق الحريري عام 2002 لأنها أنتجت تعاوناً في العديد من المجالات، بالتحديد في المجال الاقتصادي.

في ما خص الأمم المتحدة فقد صوتت الصين لصالح القرار رقم 1701 من أجل انهاء الحرب وقد شاركت الصين في قوات حفظ السلام في لبنان، بالاضافة إلى الفرق الطبية التي تؤمن الخدمات والعناية للمواطنين والعسكريين اللبنانيين. وكانت الصين داعمة بشكل دائم للسلام في لبنان وعدم التقاتل بين الأحزاب والطوائف. وفي ما خص الربيع العربي، فقد اعتبرت الصين أن هذه الموجة لن تجلب إلا عدم الاستقرار والخراب للدول العربية ولها أيضاً، تحديداً في شينجيانغ والتيبت.

ما بين الصين ولبنان علاقات قوية ومتينة قائمة على قواعد الاقتصاد والتجارة والثقافة والأمن والاتصالات، وما يستحق الذكر هو وجود اليوم الثقافي اللبناني في الصين واليوم الثقافي الصيني في لبنان، الأمر الذي يدل على عمق وجودة العلاقة التي تربط البلدين.

إن التجارة كانت ولا تزال محور العلاقة التي تربط البلدين، فقد كان للبنان الدور البارز على طريق الحرير منذ قديم الزمن حيث كان يمر هذا الطريق في بعض المدن اللبنانية؛ أما اليوم وبعد أن أعاد الرئيس الصيني السيد شي جينبينغ إحياء طريق الحرير تحت اسم مبادرة “الحزام والطريق” في العام 2013، فإن لبنان سيكون واحداً من الدول التي يمر عبرها هذا الطريق وسيكون دوره فعالاً ومفصلياً. وإشارة إلى هذا الدور قال السفير الصيني في لبنان السيد وانغ كيجيان من مدينة صيدا الساحلية “إن صيدا تتمتع بموقع جغرافي مهم على طريق الحرير القديم، ويمكن أن تؤدي دوراً ضمن مبادرة الحزام والطريق، التي أطلقتها الصين، والتي تعود بالمنفعة على كل المدن التي تشملها. إن العلاقات الصينية – اللبنانية تزداد صلابة ومتانة، نتيجة إيمان البلدين بأهمية تنمية الروابط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إن لبنان بدأ منذ فترة بتحقيق استقرار سياسي غداة انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، ثم انتخاب سعد الحريري رئيساً للحكومة، وكل هذه الخطوات ساهمت في تعزيز التوازن السياسي والاقتصادي في لبنان”، هذا الموقف الصيني الرسمي على لسان سفير الصين في لبنان يؤكد على مدى أهمية لبنان على الخارطة الاقتصادية الصينية وعلى مدى متانة وصلابة العلاقات التي تربط البلدين.

وفي لقاء آخر اعتبر وانغ كيجيان أن لبنان يعد من البلاد المميزة جداً في المنطقة وأن العلاقة بين الصين ولبنان ممتازة والتبادل التجاري يتقدّم بشكل سريع والصين أكبر شريك له.

وشدد على أن لبنان يتمتع بثقافة وحضارة متنوعة وسياحة مزدهرة وقطاع مصرفي قوي وقطاعات قوية من ثقافة وفنون وإعلام.

 

إن الموقع الجغرافي اللبناني الاستراتيجي والمتميز سيكون بمثابة نقطة هامة على مبادرة “الحزام والطريق”، والجالية اللبنانية الضخمة والفعالة في دول العالم كافة ستكون في خدمة هذا المشروع تحت استراتيجية لبنانية صينية يُتفق عليها من قبل حكومتي البلدين، والموارد البشرية المتخصصة التي يمتلكها لبنان يُمكن أن تُجيَّر لإنماء وتعزيز هذا المشروع، خصوصاً أنهُ سيكون للصين الدور الكبير في إعادة بناء سوريا، وحتمية الجغرافيا والواقع تقتضي أن يكون للبنان دور في عملية إعادة البناء هذه.

وقد تم مؤخراً اختيار بيروت مقرا لممثلية المجلس الصيني لتشجيع التجارة الخارجية (CCPIT) التي ستغطي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وقد جاء اختيار لبنان مقرا للممثلية بسبب موقعه الاستراتيجي في الشرق الأوسط واقتصاده الحر ومناخه الاستثماري المنفتح بالإضافة إلى التسهيلات اللوجستية التي قدمت للمجلس من قبل مجموعة فرنسبنك لتسهيل مهمته في لبنان.

وقال بيان لوزارة الخارجية اللبنانية إن “بيروت ستكون الممثلية الوحيدة لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كافة فيما توجد ممثلية أخرى للمجلس في دبي لكنها تغطي فقط منطقة الخليج”.

وقال البيان ان لـ ”المجلس الصيني لتشجيع التجارة الخارجية 30 ممثلية في العالم وتكمن وظيفته في تطبيق الاستراتيجيات الوطنية للتنمية وتشجيع التجارة الخارجية والاستثمار الثنائي والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي”.

وأضاف أن من مهام المجلس أيضا رسم سياسات وقواعد التجارة والاقتصاد وإجراء مفاوضات التجارة الخارجية والقيام بالاستشارات القانونية والتحكيم التجاري والبحري والمصالحات القانونية.

ولعلّ آخر هدية قدّمتها الصين للبنان كانت مع مطلع العام الجديد، وتمثّلت في هبة صينية لبناء وتجهيز المعهد الوطني العالي للموسيقى (الكونسرفتوار) في لبنان. وأشار وانغ كيجيان خلال الاحتفال بإطلاق هذه الهبة دوره، الى “تميز الثقافة اللبنانية بالتنوع والتسامح الانفتاح”، لافتاً إلى أن “الموسيقى والفنون اللبنانية ليست كنوزاً للبنان فقط بل إنها ثروة ثقافية للبشرية، وأن الحكومة الصينية قررت مساعدة لبنان في بناء المعهد الوطني العالي للموسيقى للمساهمة في الارتقاء بمستوى المرافق التعليمية العالية للموسيقى في لبنان وزيادة إمكانية تأهيل الموسيقيين من جهة وتحسين الخدمات الموسيقية العامة للجمهور”.

من هنا فإن الحديث عن تعزيز العلاقات الاقتصادية الصينية اللبنانية بات أمراً ملحّاً خصوصاً بعد الأزمات التي مرت بها المنطقة العربية، فإن لبنان المنفتح على الشرق والغرب والمطل على البحر الأبيض المتوسط سيكون في خدمة الصين وشريكاً استراتيجياً لها.

من أجل السلام والأمن والاستقرار والازدهار نرفع نخب الصداقة ونقول

“中国和黎巴嫩的关系万岁”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.