موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين تعلن انتصارها على الفقر المدقع بقيادة الرئيس شي جين بينغ

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
محمد زريق*:
“لا يهم لون القط إذا كان أسود أو أبيض، فطالما يصطاد فئرانا فهو قط جيد”؛ هذه الكلمات تختصر الفكر الاقتصادي – السياسي للزعيم الصيني الراحل دينغ شياو بينغ. يشير علماء السياسة والمختصون بالشأن الصيني إلى أن الزعيم دينغ هو المؤسس الفعلي للصين الحديثة ومهندس الاصلاح السياسي والاقتصادي، أما الإنجازات التي تُحققها الادارة الصينية مؤخرا فهي ثمار الأفكار التي بذرها دينغ شياو بينغ في النظام الصيني. فقد اعتمد سياسة الانفتاح على الشرق والغرب وأعاد إحياء مفهوم “مملكة الوسط” بحيث تكون الصين دولة مركزية في التبادلات الاقتصادية والقرار السياسي الدولي. لقد باتت الصين دولة وازنة في العلاقات الدولية ومؤثرة على الميادين كافة، بفضل السياسة الحكيمة للرئيس الصيني شي جين بينغ الذي سار على الخطط الاصلاحية التي رسمها دينغ شياو بينغ لا بل أدخل عليها التعديلات وطورها لتتلاءم مع المتغيرات الدولية ومع وضع الصين الذي يتعاظم، بالتالي باتت الصين وبكل فخر “دولة عظمى” في عهد الرئيس شي جين بينغ.
إنجازات لا تُعد ولا تُحصى تُسجل لمصلحة الرئيس شي جين بينغ، إنه زعيم سيُخلَد اسمه في التاريخ الصيني الحديث وسيكون له الفضل الاكبر في تحويل الصين الدولة الاقوى على الصعد الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية والطبية وغيرها. منذ تسلمه مقاليد الحكم عام 2013 كانت مكافحة الفقر في الصين والقضاء على الفقر المدقع على سُلم أولوياته، فاعتبر أن هذه هي المعركة الاهم للقيادة الصينية ويجب الفوز بها مهما كلف الثمن. وضعت القيادة الصينية استراتيجية مُحكمة تحت إشراف الرئيس شي وتمَّ بذل الجهود الجبَّارة التي لم يسبق لأي دولة أن قامت بها في التاريخ البشري، وبعد ثماني سنوات من العمل الدؤوب وفق خطط وبرامج واضحة، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ في خطاب له “القضاء على الفقر المدقع”، إنها “معجزة العصر” في الدولة الأكثر كثافة سكانية وخلال مدة زمنية قياسية جدا مقارنة بعدد السكان وبنسبة الفقر المدقع. لقد قال الرئيس شي إن الصين قد خاضت أقوى وأضخم معركة ضد الفقر في تاريخ البشرية، والنتيجة كانت النصر الاكيد وإنجاز جديد لمصلحة القيادة والشعب في الصين.

في الرسم البياني أعلاه تظهر نسب الفقر المدقع في الصين منذ العام 2012 وانخفاضها التدريجي عاماً بعد عام وصولاً إلى العام 2020 بنسبة 0%، فقد استطاعت الإدارة الحكيمة في الصين وفق استراتيجية وخطط مدروسة تحقيق الهدف بالقضاء على الفقر المدقع خلال مدة زمنية قياسية. استطاعت القيادة الصينية تحقيق هدفها بالقضاء على الفقر المدقع قبل شهر واحد من الموعد الذي كان محددا، بعد الانتهاء من تسع مناطق متبقية في مقاطعة قويتشو. تم تحقيق القضاء على الفقر المدقع في العديد من المحافظات الصينية منها شينجيانغ ونينغشيا وقوانغشي (مقاطعات ذاتية الحكم) ويوننان وسيتشوان وقانسو وغيرها. لقد وضعت القيادة الصينية آخر العام 2020 كموعد للانتهاء من الفقر المدقع وبالفعل حققت هدفها بنجاح. تشير التصنيفات الدولية لنسب الفقر المدقع أن واحدة من كل ثلاث مقاطعات في الصين تعاني من الفقر المدفع؛ ومع حلول نهاية العام 2020 وبداية عام 2021 بات صفر مقاطعة صينية تعاني من الفقر المدقع. عام 2013 كانت فقط تسع مقاطعات خالية من الفقر المدقع، العاصمة بكين وبعض المناطق الصناعية مثل شانغهاي وفوجيان.
خلال اجتماع للّجنة الدائمة للمكتب السياسي المكونة من سبعة أعضاء قال الرئيس الصيني شي جين بينغ: “لقد حققنا في الوقت المناسب هدف الحد من الفقر في العصر الجديد”؛ إنه الهدف الأغلى والنصر الأهم في عهد الرئيس شي الذي سيحول الصين إلى دولة عظمى بفضل جهود القيادة الحكيمة دون الحاجة إلى المساعدة من أي كان. نجحت القيادة الصينية في تخليص الكثير من الصينيين من الفقر المدقع؛ يضع الحزب الشيوعي الصيني هذه الخطوة في إطار خطة “الرخاء المعتدل” لتحسين الظروف المعيشية للمواطنين. ركّزت حملة القضاء على الفقر المدقع على الريف الصيني الذي كان يعاني من نسب مرتفعة من الفقر المدقع؛ تستهدف الخطط الصينية المقبلة تطوير الارياف وتحسين الظروف المعيشية لقاطنيها بعد أن انتهت من تنمية المناطق الصناعية وتطويرها وفق القواعد الدولية للعمل والبيئة. لقد أمّنت الدولة الكثير من الوظائف للعاطلين عن العمل ومنحت الأشخاص المعوقين التقديمات الاجتماعية لحياة كريمة.
إن انتقال الصين من مجتمع زراعي إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم هو سبب مباشر في تحسن نوعية الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة الصينية وفي القضاء على الفقر المدقع، إلا أنَّ الأهم هو وجود إدارة صادقة مع الشعب وتعتمد مبادئ الشفافية في الحكم، دون الفساد والسرقة والرشوة، كل هذه الظروف خلقت جواً ملائماً سرّعَ في القضاء على الفقر المدقع وعزز من ثقة الإدارة الصينية في البدء بحملة الانتهاء من الفقر المدقع. كل هذا يأتي في إطار خطط تحويل الصين إلى “مجتمع مزدهر باعتدال” التي يعمل على تطبيقها الحزب الشيوعي الصيني. إن القضاء على الفقر المدقع هو هدف لمعظم الدول وقد أدرجته الأمم المتحدة على سلم أولوياتها، بيد أنه كان من المستبعد أن تنتصر الصين على الفقر المدقع لأنها الدولة الاكثر كثافة سكانية في العالم، والقضاء على الفقر المدقع في دولة متعددة الشعوب والاثنيات والأقاليم الجغرافية ليس بالسهل، إلا أن القيادة الصينية استطاعت بجهودها الخاصة تحقيق هذا الهدف بنجاح. يشير البنك الدولي إلى أن الفقر المدقع هو الدخل الذي لا يتعدى 1.90 دولار في اليوم، والحرمان من أبسط الحقوق مثل الغذاء ومياه الشرب والصرف الصحي والمسكن والتعليم وغيرها.

يظهر في الرسم البياني أعلاه عدد المدن التي انتهت من الفقر المدقع منذ العام 2016 وصولا إلى العام 2020 (عام الانتهاء الكلي من الفقر المدقع). عام 2012 كانت نسبة المواطنين الصينيين الذين يعيشون في الفقر المدقع حوالي 100 مليون، قد تقلص هذا الرقم الى حوالي خمسة مليون ونصف في أواخر 2019، عام 2012 كانت حوالي 832 مدينة صينية تعاني من الفقر المدقع، وتقلص العدد الى 52 مدينة في أواخر 2019. في دراسة مقارنة قمتُ بها لمعدلات الدخل اليومي في الصين بين عامي 1990 و2018 تظهر التقدم الاجتماعي الهائل الذي قامت به الصين والذي ينعكس مباشرة على نمط الحياة للمواطنين.

في الجدول أعلاه يتبين أن المجتمع الصيني كان يعاني من الفقر المدقع بنسبة تتجاوز ال 80% عام 1990 تقلصت هذه النسبة إلى حوالي 5% في العام 2018 ومع حلول نهاية العام 2020 انتهت الصين من آفة الفقر المدقع، أما نسبة الاشخاص الذين يعيشون بأكثر من 5.50 دولار لليوم الواحد كان لا تتعدى 1% لعام 1990 ارتفعت هذه النسبة لتتجاوز 70% عام 2018. بالتالي إن معجزة الصين الاجتماعية ليست فقط بالقضاء على الفقر المدقع إنما بتحسين الأوضاع الاقتصادية للصينيين بشكل هائل، ففي هذه الحال يمكن الحديث عن “الرفاه الاجتماعي” في الصين. إن الصين هي الدولة الاكثر نجاحاً في التخلص من الفقر وتقديم نموذج دولة الرعاية الاجتماعية من بين الدول الخمس عشرة الأكثر كثافة سكانية في العالم. إن بعض الدول مثل فيتنام قد قدمت مثالاً جيداً في التقليل من معدلات الفقر المدقع، لكن نظرا للفرق الشاسع بين معدلات الكثافة السكانية بين الصين وفيتنام تظل الصين النموذج المميز في القضاء على الفقر المدقع. بعض الدول مثل الكونغو الديموقراطية لم تتغير نسب الفقر المدقع فيها ما بين 1990 و2018، علما أن الكونغو الديموقراطية هي أكثر دولة تعاني من الفقر المدقع في العالم.
تعاني الصين من التفاوت في معدلات الفقر ما بين المدن والأرياف، هذه المشكلة هي في سلم أولويات القيادة الصينية، لذا تقوم الحكومة الصينية بخلق الكثير من فرص العمل في الارياف وتوسيع شبكات المواصلات وتعزيز الخدمات الاجتماعية. على سبيل المثال كانت مقاطهة شينجيانغ تعاني من معدلات عالية من الفقر المدقع ومن ضعف في خدمات الدولة، إلا أن الجهود الجبّارة للادراة الصينية قد قضت على الفقر المدقع وقلصت من معدلات البطالة وطورت العديد من الشركات والمشاريع الاستثمارية. إن الانجازات التي تحققها الصين مؤخراً هي ثمرة جهود جبّارة وخطط تنموية وليست وليدة اليوم. لقد جاء في تقرير العمل الحكومي لعام 2020 “سوف نعتمد سياسة لرؤية العمال الريفيين المهاجرين يتمتعون بفرص متساوية للوصول إلى خدمات التوظيف في المدن التي يعملون فيها”، وكذلك سيتم تأجيل مدفوعات أقساط التأمين الاجتماعي لذوي الدخل المحدود وفق سياسة اجتماعية تتبناها الحكومة الصينية كما ذَكَرَ رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ.
عام 2001 وضعت الصين الخطوط العريضة للقضاء على الفقر لفترة (2001-2010)، فقد حددت المقاطعات المنكوبة بالفقر والمناطق المتاخمة للفقر المدقع، وأنشأت نظامًا للتخفيف من حدة الفقر من أربعة مستويات من الحكومة المركزية إلى مستوى المحافظة، وشكلت آلية تنسيق في مجالات بناء البنية التحتية والزراعة والحفاظ على المياه والنقل والطاقة والاتصالات. على المستوى الوطني، عززت الاستراتيجية من الخطط ونظّمَت إجراءات واسعة النطاق لتخفيف حدة الفقر. منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني في أواخر عام 2012، بدأت الصين المرحلة الثانية من القضاء على الفقر والتي كان جزء منها القضاء على الفقر المدقع (2012-2020). لقد خلقت الدولة المزيد من فرص العمل وجعلت التعليم متاحاً للجميع وأمّنت كافة الخدمات الاجتماعية للمواطنين في المدن والأرياف على حدٍ سواء للحد من الفقر.

*مرشح للدكتوراه في Central China Normal University، مهتم في سياسة الصين الخارجية تجاه المنطقة العربية مع تركيز خاص على مبادرة الحزام والطريق، لديه العديد من الكتابات والمنشورات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.