موقع متخصص بالشؤون الصينية

(سوق) الصين العظيم

0


موقع قناة العربية الالكتروني:
محمد بورسلي:
في الصين بلد الـ1.3 مليار نسمة التي يحتل منتخبها المركز 68 على مستوى العالم في تصنيف ”فيفا”، لا تحظى كرة القدم بشعبية واسعة وينظر لها الصينيون على أنها لعبة (سيئة السمعة)؛ حيث كانت فضائح الرشاوى والتلاعب بنتائج المباريات وما زالت جزءا لا يتجزأ من الإرث التاريخي لكرة القدم الصينية والسمة الأبرز للمستديرة في بلد محاربي ”تيراكوتا”، علماً بأن رئيسين سابقين للاتحاد الصيني لكرة القدم ينفذان فترة عقوبة السجن المقررة بحقمها على خلفية تورطهما بقضايا فساد رياضي، إلى جانب أربعة لاعبين دوليين سابقين كانوا أبطالاً لفضائح هزت ثقة الشارع الصيني بنزاهة لعبة كرة القدم. أضف إلى ذلك أن الصين لم تحقق في تاريخها نتائج لافتة في كرة القدم على عكس تفوقها دولياً في ألعاب رياضية أخرى مثل كرة الطاولة، الرماية، الغطس، رفع الأثقال والجمباز.

بعد أن كانت المراهنات غير المشروعة في عقود مضت هي الصناعة الأقوى نشاطاً والأوثق ارتباطاً بكرة القدم في الصين، انصب أخيراً اهتمام رؤوس الأموال المحلية وكبار رجال الأعمال وأصحاب الشركات الصينية العملاقة على نشاط جديد أقل مخاطر وهو ضخ استثمارات مالية ضخمة في الأندية المحلية، تهدف هذه الاستثمارات إلى خلق مسابقة دوري نجوم صيني قوي يضع له اسماً وسمعة على الخريطة الكروية الآسيوية والعالمية. تركزت الاستراتيجية الصينية الجديدة على جذب ”فضلات أوروبا” من اللاعبين والمدربين بمقدمات عقود خيالية قلّما تتوفر في دول أخرى، الشيء الذي أدى إلى توجيه بوصلة الإعلام الرياضي العالمي نحو الصين بعد تعاقد أنديتها مع أسماء كبيرة، أبرزها: الإيفواري دروجبا والفرنسي أنيلكا في نادي ”شنغهاي شينهوا”، والمالي كانوتيه في نادي ”بكين جوان”.. ولم يقتصر الأمر على اللاعبين، بل تعداه إلى المدربين إذ يتولى ”الشايب” الإيطالي ليبي تدريب نادي ”جوانزهو ايفرجراندي” حامل لقب الدوري الصيني.

رائدا المشهد الكروي الحديث في الصين اللذان يتصدران سباق تسليح الأندية المحلية بالنجوم هما من طائفة رجال الأعمال التي تعد عصب الاقتصاد الصيني القوي وأحد المحركات الأساسية لصنع القرار الاقتصادي العالمي، أحدهما يدعى (شي جياين)، تقدر ثروته بـ7.2 مليار دولار أمريكي وهو ”هامور عقاري” صيني ومؤسس شركة ”ايفرجراندي العقارية” ثاني أكبر مطور عقاري في الصين التي تمتلك نادي ”جوانزهو ايفرجراندي” الذي سيواجه نادي اتحاد جدة السعودي في الدور ربع النهائي من دوري أبطال آسيا، والآخر هو صناعي ولد في مدينة دبلن الإيرلندية من أب إيرلندي وأم صينية، أعطي اسم (جاسون جوزيف) عند ميلاده وتحول اسمه إلى (جو جان) بعد استقراره في الصين وتأسيسه شركة عملاقة متخصصة في ألعاب الفيديو ومدرجة في بورصة ”نازداك” الأمريكية، يمتلك إلى جانبها نادي ”شنغهاي شينهوا”. كلاهما دخل عالم كرة القدم لتوظيفها كجسر عبور صلب يوصلهما إلى ضفة الحضور في قلب السياسي الصيني، ما يسهم في تسهيل العجلة التوسعية لأنشطتهما التجارية؛ هكذا تنص قواعد اللعبة (الاقتصادية – السياسية) في الصين وفي معظم أنحاء العالم.

اللافت في الموضة الصينية الجديدة أنها سارت بعكس اتجاه تجارب أخرى مشابهة في دول آسيوية مجاورة، تحديداً في اليابان وكوريا الجنوبية اللتين تشهدان تطوراً هائلاً وتقدماً مذهلاً على مستوى كرة القدم، حيث عمل اليابانيون والكوريون على تصدير لاعبيهم المحليين في سن مبكرة إلى أوروبا لمزيد من الاحتكاك وكسب الخبرة في أفضل المدارس والأكاديميات الكروية على مستوى العالم، بينما أهمل الصينيون الموارد البشرية الضخمة المتوافرة لديهم واتجهوا إلى استيراد النجوم من أوروبا، ما أدى إلى إثارة الرأي العام الصيني وظهور دعوات متكررة موجهة للمستثمرين في قطاع كرة القدم الصينية إلى التركيز على القاعدة، أملاً في بناء منتخب وطني صيني قوي ينهي ”العقدة الصينية” المتمثلة في كرة القدم، في ظل تفوقهم في شتى الرياضات واكتساحهم للميداليات الأولمبية.

من الانعكاسات الإيجابية للموضة الصينية الجديدة على كرة القدم الخليجية أنها أوجدت سوقا بديلة مغرية لنجوم الدوريات الأوروبية الذين يبحثون عن مشروع تقاعد ومكافأة نهاية خدمة في عالم المستديرة، فبعد أن كانت أندية الخليج مطمعاً أساسياً لهذه الفئة من اللاعبين وسوقاً مفضلة يمارس فيها وكلاؤهم شتى أنواع الجشع والمغالاة المادية، فتحت الصين أبواباً لهؤلاء، عسى أن تتغير السياسات التعاقدية لأنديتنا بحكم الأمر الواقع، وتبدأ في التركيز على خيارات أجنبية أكثر شباباً وأقل كلفة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.