العلاقات الصينية الروسية في عهد شي وبوتين: تحالف استراتيجي بلا حدود
خاص موقع الصين بعيون عربية –
أسامة مختار – بكين:
شهدت العلاقات بين الصين وروسيا تحولاً كبيراً في العقد الأخير، وأصبحت الشراكة بين البلدين تُشكل أحد الأعمدة الأساسية في بنية السياسة. هذه العلاقات التي بدأت منذ فترة طويلة، تعززت بشكل خاص في عهد الرئيسين شي جين بينغ وفلاديمير بوتين، ليُصبح التعاون بين البلدين نموذجاً للتحالف الاستراتيجي المستدام، المبني على المصالح الاقتصادية، العسكرية، والدبلوماسية المشتركة.
أبرز محطات العلاقات الثنائية
———————————
صداقة من أول زيارة: شي يضع موسكو في قلب الدبلوماسية الصينية.
———————————
في عام 2013م، اختار الرئيس الصيني شي جين بينغ روسيا كأول وجهة خارجية له بعد توليه رئاسة الصين، في خطوة عكست الأهمية التي توليها بكين لموسكو في سياستها الخارجية. خلال الزيارة، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الصيني بـ”الصديق المقرب”، مما مهَّد لبداية مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية. وعلى مدار السنوات التالية، توطدت العلاقة بين الزعيمين بشكل لافت، وبدأت وسائل الإعلام تصفها بـ”الصداقة الشخصية القوية”، حتى أن شي جين بينغ وصف بوتين لاحقًا بأنَّه “أفضل وأقرب صديق له”، في تعبير يجسد عمق الثقة والاحترام المتبادل بين القائدين.
عام الوفاء المتبادل: تكريم الزعيمين لرمزية الصداقة
———————————
في عام 2019، منح بوتين الرئيس شي جين بينغ وسام القديس أندرو، وهو أعلى وسام في روسيا، تقديرًا لجهوده في تعزيز العلاقات الثنائية. وفي المقابل، منح شي الرئيس بوتين وسام الصداقة، الذي يُعد أعلى وسام تمنحه الصين للأجانب، مما يعكس التقدير المتبادل بين القيادتين..
إعلان شراكة بلا حدود في عام 2022م
———————————
خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، أعلن الزعيمان عن شراكة “بلا حدود” بين البلدين، مؤكدين تعزيز التعاون في العديد من المجالات مثل الطاقة، التكنولوجيا، والدفاع. هذا الإعلان كان بمثابة تعبير قوي عن التزام الصين وروسيا بتوسيع شراكتهما الاستراتيجية في جميع القطاعات
موسكو عام 2025م: ترسيخ التحالف في ذكرى النصر
———————————
في مايو 2025، زار الرئيس شي موسكو للمشاركة في احتفالات الذكرى الـ80 لانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. خلال الزيارة، جدد الزعيمان تأكيدهما تعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين، بما في ذلك التنسيق العسكري واستخدام العملات الوطنية في التبادلات التجارية، مما يعكس تطور العلاقة إلى مستويات أعمق..
أبعاد العلاقة الصينية الروسية
الاقتصاد والطاقة
———————————
شهد التبادل التجاري بين الصين وروسيا نموًا كبيرًا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري في عام 2024 حوالي 245 مليار دولار روسيا تسعى إلى تعزيز صادراتها من الطاقة إلى الصين، خاصة في ظل العقوبات الغربية المفروضة عليها. تُعتبر الطاقة من أهم مجالات التعاون بين البلدين، حيث يعتمد الطرفان على تعزيز تبادل النفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى.
التنسيق السياسي والدبلوماسي
———————————
يتبنى الرئيسان شي وبوتين مواقف مشتركة في مواجهة “الأحادية” الغربية. يسعى البلدان إلى دعم نظام عالمي متعدد الأقطاب، بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية والأوروبية. كما ينسق البلدان مواقفهما في القضايا الإقليمية والدولية، مثل أزمة تايوان وأوكرانيا، حيث يدعم كل منهما مواقف الآخر في هذه القضايا الحساسة.
العلاقات الشخصية
———————————
لا يُمكن تجاهل الدور الكبير الذي تؤديه العلاقة الشخصية بين الرئيسين في تعزيز الشراكة بين البلدين. فقد التقى الزعيمان أكثر من 40 مرة منذ عام 2012، وهو ما يعكس مستوى غير مسبوق من التعاون بين قادة عالميين. هذه العلاقات الشخصية بين الزعيمين ساعدت في تذليل العديد من التحديات وتوسيع مجالات التعاون بين البلدين
التعاون العسكري والأمني
———————————
شهد التعاون العسكري بين الصين وروسيا تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة. رغم عدم وجود اتفاق دفاعي رسمي بين البلدين، فإنَّ التنسيق العسكري بينهما في مجالات مثل الأمن السيبراني، مكافحة الإرهاب، المناورات العسكرية المشتركة، يعكس رغبتهما في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم. كما تُعد هذه المناورات جزءًا من رسائل ردع مشترك ضد الضغوط الغربية.
نحو المستقبل: تحالف لا يعرف التراجع
———————————
يتوقع أن تستمر هذه الشراكة بين الصين وروسيا في النمو، حيث تواصل البلدان تعزيز التعاون في العديد من المجالات. مع تزايد التحديات الجيوسياسية والضغوط الاقتصادية من الغرب، تزداد أهمية هذا التحالف، الذي لا يبدو أنه يتأثر بسهولة بالتحولات الدولية. وفي المستقبل، من المحتمل أن تستمر العلاقات بين الصين وروسيا في التأثير بشكل كبير على ملامح النظام العالمي الجديد.
خاتمة التحالف: صداقة تعيد رسم ملامح العالم
———————————
تجسد العلاقات الصينية الروسية في عهد الرئيسين شي جين بينغ وفلاديمير بوتين نموذجًا لتحالف استراتيجي متين، يقوم على تعاون اقتصادي وأمني وسياسي متكامل. وقد أسهمت العلاقة الشخصية الوطيدة بين الزعيمين، إلى جانب التنسيق الوثيق في القضايا الدولية، في جعل هذه الشراكة حجر الزاوية في السياسة العالمية المعاصرة. إنَّها صداقة الكِبار، حيث تلتقي الحكمة بالثقة، وتُبنى السياسات على احترام السيادة وتكامل المصالح، لا على المصالح الآنية. وفي كل لقاء بينهما يتجدد الأمل في قيام عالم يسوده السلام، ويتعزز الطموح نحو تحقيق “المستقبل المشترك للبشرية” الذي ينادي به الرئيس شي، كدعوة صادقة لتجاوز التنافس نحو التعاون، وتحويل الصراعات إلى فرص للتفاهم والازدهار.
أسامة مختار
خبير بمجموعة الصين للإعلام