موقع متخصص بالشؤون الصينية

مؤسسة الحكم الصينية: منطقة يكتنفها الغموض

0

افتتاحية – (لوموند) 2012/9/26 / عبر صحيفة الغد الأردنية
ترجمة: مدني قصري:

ثقب أسود، ومنطقة قاتمة، وغموض، ومشهد لا يمكن الوصول إليه وراء الكواليس الصينية: لقد صارت السلطة الصينية قبل أيام قليلة مع التجديد الواسع لقيادتها، أكثر غموضاً من أي وقت مضى. وهكذا، أصبحت ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم تدار اليوم في الخفاء.
والواقع أنه لا شيء يجسد هذه المفارقة بوضوح أفضل مما يمكن أن تجسدها المحاكمات القضائية التي جرت تباعاً في قضية بو لاي. وتبدو الصين اليوم بصدد تصفية هذه الرواية البوليسية التي لا تكاد تصدق، والتي أدت في النهاية إلى سقوط السيد بو، الذي يوصف بالتأكيد أنه أحد أكثر القادة أهمية في البلاد.
وتجدر الإشارة إلى أن مساعدَه السابق، وانغ لي جيون، وهو قائد الشرطة السابق في معقله في مقاطعة تشونغتشينغ، كان قد حُكم عليه في يوم 24 أيلول (سبتمبر) بالسجن خمسة عشر عاماً لمحاولته الانشقاق والهرب إلى الولايات المتحدة. وفي شهر آب (أغسطس)، حُكم على زوجة السيد بو؛ غو كولاي، بعقوبة الإعدام مع وقف التنفيذ لمدة عامين، بعد إدانتها بقتل رجل أعمال بريطاني. ويبقى أن نعرف المصير المحتوم الذي ينتظر “ابن الأمير” بو زي لاي، عضو “طبقة النبلاء الحمراء”، وابن رفيق سلاح ماو تسي تونغ، وحامل الخطاب المؤيد للماوية (نسبة إلى ماو تسي تونغ) الجديدة.
ولكن، وكما هو الشأن في الحياة السياسة، فإننا ما نزال حتى هذه اللحظة لا نعرف شيئا من تاريخ المؤتمر الثامن عشر -لأن النظام القضائي غير شفاف: فما من صحفي أجنبي واحد استطاع حضور جلسات المحاكمات، وتمر التقارير جميعها من خلال رقابة الوكالة الرسمية “الصين الجديدة”. ولا يثق الكثير من الصينيين كثيراً في الرواية الرسمية للمؤامرة، التي تناقلتها الشبكات الاجتماعية المختلفة. ورغم الإصلاحات التي انطلقت منذ الثورة الثقافية، ما تزال حقوق الدفاع مهضومة، ولا تحظى بأي احترام إطلاقاً. وقد ذكّرت صورة السيدة “بو” أثناء محاكمتها بصورة السيدة “ماو” التي أدينت مسبقاً من قبل قُضاتها.
وعلى غرار ما كتبه المحامي بو تشي تشيانغ، الذي ذاع صيته كثيراً بفضل كفاحه الطويل من أجل الحقوق المدنية في الصين، فإن “أي قضية قضائية مهمة عندما تنطوي على إجراءات قانونية، تُسخر لها كل الوسائل الممكنة حتى تصبح مسرحية حقيقية”. وهي العرض الذي يصبح فيه المحامي ممثلاً حقيقياً. ولم تحقق عملية المراجعة وإعادة النظر في قانون الإجراءات الجنائية التي جرت في شهر آذار (مارس) الماضي أي تقدم حقيقي في هذا الشأن. ومنذ منتصف العام 2000، ظلت الأجهزة الأمنية تسبق جهاز القضاء، بسبب المخاوف من حدوث حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي.
وما يزال محامون كثيرون يواصلون النضال من أجل أن لا تظل الصين مجرد “بلد سنّ القوانين”، وإنما بلد “سيادة القانون” أيضاً. ويريد هؤلاء المحامون الوصول بالفعل إلى إلغاء نظام “لاوجياو” أي قانون إعادة التربية من خلال نظام العمل، وهو نظام الحجز الذي ورثته الصين عن “الأخ السوفياتي الأكبر” منذ خمسينيات القرن الماضي.
ولا بد من التأكيد أن البعض يطالبون في داخل النظام نفسه بالاستقلال للسلطة القضائية. وقد فاجأ لي داوكوي، وهو واحد من الاقتصاديين الأكثر احتراماً في البلاد، ومستشار سابق للبنك المركزي، فاجأ الجميع في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي عندما طرح هذه البدهية التي مفادها أن غياب سيادة القانون يشكل منذ الآن فصاعداً المشكلة الأساسية التي يعاني منها اقتصاد البلاد، حيث قال: “لا يسعنا على المدى الطويل أن ندير الاقتصاد من دون أساس قانوني”. هذا إذن هو الذي يحدد مستقبل الصين.

*نشرت هذه الافتتاحية تحت عنوان: Le pouvoir chinois, une cité toujours interdite

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.