استحواذات التنين الصيني على شركات الطاقة العالمية
صحيفة الاقتصادية السعودية:
أ.د. سليمان الخطاف:
حافظت الصين على تفوقها على كل دول العالم في النمو الاقتصادي. فسجلت نموا اقتصاديا ما بين عامي 2000 و2011 بلغ 10 في المائة. ورافق هذا النمو الاقتصادي نمو كبير في الطلب على الطاقة لتوليد الكهرباء ولتلبية احتياجات الصناعات المختلفة وتأمين متطلبات السكان اليومية مع تزايد معدل الرفاهية. وتبذل الصين جهودا مضنية لتأمين الطاقة، وذلك بتركيز جزء كبير من استثماراتها الخارجية على شركات عالمية غنية إما بموارد أو بتكنولوجيا تخص استخراج وتصنيع الطاقة. تقدمت الصين أخيرا على اليابان لتصبح ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة. وهي تعلم في الوقت نفسه أن لديها نقصا في موارد الطاقة على رغم من وفرة في بعض الموارد غير التقليدية غير المضمونة اقتصادياً وبيئياً.
وتعتبر الصين أكبر مستهلك للطاقة في العالم وثاني أكبر مستورد للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة. وبحسب وكالة معلومات الطاقة الأمريكية استوردت الصين عام 2011 نحو 5.5 مليون برميل يومياً. وأدى التنامي السريع لاستهلاك الطاقة لجعل الصين أهم اللاعبين والمتنفذين في سوق الطاقة العالمية. وكانت الصين إلى بداية التسعينيات من القرن الماضي بالمحصلة مصدرة للنفط، ومع تزايد النمو والتطور وارتفاع الطلب على الطاقة أصبحت عام 2009 ثاني أكبر مستهلك ومستورد للنفط. ووصل نمو الطلب الصيني على النفط إلى نصف نمو الطلب العالمي عام 2011. لكن يبقى الفحم أكبر مصدر للطاقة في الصين، إذ يشكل ما نسبته 70 في المائة من إجمالي استهلاك الصين للطاقة ويتبعه النفط بنحو 19 في المائة والطاقة الكهرومائية مع الغاز الطبيعي تشكل ما نسبته 10 في المائة.
وتستهلك الصين يوميا نحو عشرة ملايين برميل تنتج منها 45 في المائة وتستورد الباقي لتأمين 20 في المائة من احتياجاتها للطاقة. ويبقى نمو طلبها على النفط من أكثر العوامل المؤثرة في أسعار النفط العالمية. ومن المتوقع أن تنمو نسبة النفط المستورد للصين إلى 60 في المائة والغاز المستورد إلى 35 في المائة بحلول 2013، ما يزيد اعتماد الصين على النفط والغاز الخارجي معززا عملية استغلال السيولة النقدية الهائلة لديها لشراء المزيد من شركات النفط والغاز.
مواجهة نقص مواد النفط
سعت الصين جاهدة للتغلب على نقص مواردها من النفط بعوامل عدة، منها: زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة مثل الكهرومائية والبديلة مثل الطاقة النووية. إلا أن زيادة مخاطر استخدام الطاقة النووية باتت سمة عالمية أدت إلى تقليص الاعتماد عليها، حتى كثير من الدول الكبرى مثل اليابان وألمانيا أغلقت معظم مفاعلاتها النووية. هذا يعني أن الخيار النووي خيار صعب ومحفوف بالمخاطر. ويبقى الخيار الآخر، وهو الاعتماد على موارد الصين الهائلة من الطاقة غير التقليدية مثل غاز الضخور. لكن تبقى عوامل عدة تحول دون الاستفادة القصوى والسريعة من هذا المصدر وهي وجود هذه الصخور في أماكن غير مجهزة ببنية تحتية مثل الأنابيب لنقل الغاز، وعدم وجود كميات كبيرة من المياه، إلا أن قلة الخبرات التقنية الصينية في هذا المجال تبقى العائق الأكبر، ما دفع شركة بتروشاينا CNPC الصينية لتوقع مع شركة شل في آذار (مارس) الماضي عقدا لاستخراج الغاز الصخري من منطقة سيشوان الصينية. وتسعى الصين جاهدة الآن إلى جلب الاستثمارات لاستخراج غازها الصخري وترحب بالشركات الأجنبية إذا كان لها شريك صيني محلي.
وتمتلك الحكومة الصينية معظم الشركات الوطنية لإنتاج النفط والتكرير والبتروكيماويات، وتأتي في مقدمتها ثلاث شركات عملاقة هي CNPC (بتروشاينا) وSINOPEC (سينوبك) وCNOOC (سنوك). وتبقى شركة بتروشاينا أكبر لاعب في أعمال النفط في الصين ومتخصصة في أعمال التنقيب وإنتاج النفط والغاز. أما شركة سينوبك فتستحوذ على عمليات التكرير والصناعات البتروكيماوية. وتأسست شركة سنوك CNOOC للبحث عن النفط واستخراجه من أعماق البحار. وأخذت شركة سنوك أخيرا في منافسة كل من ”سينوبك” و”بتروشاينا”. ويبدو أن قطاع شركات النفط والغاز والبتروكيماويات في الصين مرتب وموزع حتى لا ينتج عنه مشكلات أو احتكار يعقد نمو الصين وازدهارها.
وتستغل الصين في منتهى الذكاء الوضع الاقتصادي العالمي الحالي وما تبعه من أداء سيئ لبعض شركات الطاقة للقفز وشراء ما تحتاج إليه من هذه الشركات، سواء للحصول على التقنيات أو للحصول على النفط الخام مباشرة. وتمتلك الصين حالياً احتياطياً نقديا كبيراً يتجاوز ثلاثة تريليونات دولار مخصصة كلها للاستثمارات الخارجية والقروض التفضيلية. ومنذ عام 2009 استطاعت شركات البترول الصينية أن تشتري أصول عدد من الشركات في الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. وفي عام 2011 استثمرت هذه الشركات نحو 18 مليار دولار لشراء أصول أخرى خارج الصين في شركات النفط والغاز. وبلغت حصة الاستثمار في قطاع الغاز غير التقليدي والغاز المسال 12 مليار دولار، أي نحو 67 في المائة من استثماراتها عام 2011، وهذا يؤكد اهتمام الصين بدخول هذا المجال والحصول على كل التقنيات اللازمة لاستخراجها الغاز من داخل الصين وتسييله لنقله وبيعه في الخارج.
ويبقى أن نشير إلى أن إنتاج الصين من البترول من خلال استثماراتها الخارجية زاد من 140 ألف برميل يوميا في عام 2000م إلى 1.5 مليون برميل يوميا في 2011. وستزيد الصين حصتها من الإنتاج الخارجي من النفط والغاز من 20 في المائة إلى 30 في المائة بحلول 2015 من إجمالى الإنتاج. وتشير هذه الأرقام بوضوح إلى مدى عمق التخطيط الصيني والإعداد الدقيق لكل مرحلة والاستعداد التام لها. الصين في حاجة إلى التقنيات الغربية وإلى مصادر الطاقة في مناطق العالم المختلفة. لذلك نجدهم يهرولون لشراء تقنيات استخراج الغاز الصخري (السجيل) واستخراج النفط من المناطق العميقة داخل المحيطات وتقنيات تكرير النفوط غير التقليدية.
وفي هذا السياق تم الإعلان أخيرا عن صفقة تشتري بموجبها شركة سنوك الصينية شركة نكسن الكندية لأعمال النفط مقابل 15.1 مليار دولار، وتعتبر هذه الصفقة الأكبر في تاريخ الصين، وتأتي بعد سبع سنوات من فشل الشركة نفسه في شراء شركة ينوكول مقابل 18.5 مليار دولار بعد تدخل الحكومة الأمريكية آنذاك بحجة حماية مصالح الولايات المتحدة، وتم دمج ”ينوكول” مع شركة شيفرون. وكانت ”سينوبك” قد اشترت في بداية العام الحالي حصة في شركة ديفون الأمريكية في ولاية أوكلاهوما بنحو 2.5 مليار دولار. واشترت شركة سنوك الصينية حصة من شركة شيزابك الشركة الأشهر لاستخراج غاز الصخور في أمريكا.
أما في كندا فينشط الصينيون في شراء شركات الطاقة أو أصول منها، ففي عام 2011 اشترت ”سينوبيك” شركة دي لايت بـ 2.2 مليار دولار، وفي عام 2010 اشترت الشركة نفسها جزءا من شركة سن كرود العملاقة بنحو 4.65 مليار دولار أمريكي. وفي العام الماضي اشترت سنوك شركة تستخرج النفط غير التقليدي من الرمال اسمها OPTI الكندية.
ويبدو أن صفقة شراء شركة نكسن، وهي سادس أكبر شركة بترول كندية، قد غيرت اتجاه استثمارات الصين من شراء أصول في شركات أمريكية وفنزويلية وبرازيلية، إلى شراء شركات منتجة للنفط، فشركة نكسن تنتج حاليا نحو 85 ألف برميل يوميا من بحر الشمال، ويتوقع أن يزيد إنتاجها بنحو 26 ألف برميل يوميا عام 2014. وينبغي أن يؤخذ تركيز الصين على كندا على محمل الجد، فمعظم الإنتاج الكندي للنفط يباع في الولايات المتحدة على الرغم من التقارير التي تتوقع وفرة الإنتاج الأمريكي من النفط والغاز في المستقبل. ويتوقع المراقبون أن تحاول الصين شراء أصول كبيرة من شركة BG للغاز البريطانية الخبيرة بكل ما يتعلق بإنتاج وتصنيع الغاز الطبيعي. وأيضا استطاعت الشركات الصينية أن تدخل بشراكة مع شركة تولو للزيت، التي تنشط في تطوير مشاريع غاز ونفط في إفريقيا، وقد تشتري المزيد من أصول هذه الشركة البريطانية.
وفي الختام أعتقد أن الصين تخطط بدقة لتأمين مصادر موثوقة للطاقة في دول مستقرة سياسياً واقتصادياً حتى لا تخسر استثماراتها. وتقوم معظم الدول التي لديها وفرة في السيولة باستغلالها بشراء شركات أو أصول كبيرة منها لتأمين مستقبل أجيالها في عالم متقلب. ويبدو أن الصين تطبق الحكمة العربية ”احتفظ بقرشك الأبيض للذهب الأسود”.