موقع متخصص بالشؤون الصينية

صحوة الابتكار في الصين.. الابتعاد عن التقليد واستقطاب المبدعين

0

NanoTech
صحيفة الاقتصادية السعودية:
ليزلي هوك من لندن وجوين تشين من بكين:
هل سيتم اكتشاف علاج لمرض التوحد في الصين؟ كان هذا السؤال قبل عقد من الزمان ضرب من الجنون، ولكن اليوم يعتقد أشخاص مثل وانغ جيان، الباحث الجيني، أن الجواب قد يكون نعم.

السيد وانغ هو المؤسس المشارك في معهد بكين للجينوم، أكبر شركة للتسلسل الجيني في العالم. في الأصل قام معهد بكين للجينوم بتفسير 50 في المائة من قدرة التسلسل الجيني العالمية ورسم بالفعل جينوم الخلايا السرطانية، والنباتات والحشرات والبشر وحتى الباندا العملاقة. وقد اكتسب باحثوه أيضاً سمعة دولية من خلال طرح مئات المقالات لاستعراض النظراء على مدار العام.

معهد بكين للجينوم هو رمز إلى اتجاه أوسع بين الشركات الصينية: التحول إلى المنافسة من خلال الابتكار ومناهضة سمعة الصين كمصنّع للمنتجات المقلدة الرخيصة.

كانت البلاد قوة ابتكارية عظمى، وقد تم اختراع كلٍّ من البارود والبوصلة على سواء من قِبَل الصينيين. اليوم، ومع ذلك، فإنها تتحرك ببطء فقط نحو استعادة هذا المركز، بعد قرن عصفت فيه الاضطرابات السياسية بالبحث العلمي والمؤسسات البحثية.

لم يكن الأمر سهلاً، ويشعر قادة الأعمال والمسؤولين بالأسف بشكل روتيني تجاه افتقار الصين إلى الابتكار. وقال تشانغ شين، الرئيس التنفيذي لمجموعة عقارات سوهو في أثناء حلقة نقاش: إن قدرتنا على النسخ أكبر بكثير من الأصالة لدينا. وأضاف: إن المجتمع الذي نعيش فيه يحتاج إلى الأشياء الأصلية بشكل ملحّ.

ومن المعروف أن صناع السياسة في بكين يقومون بضخ المال – والسياسات الداعمة – في المشكلة. وقد وصل البحث الصيني والإنفاق على التنمية في العام الماضي، سواء من القطاع العام أو الخاص، إلى تريليون رنمينبي، وينمو في السنة بنحو 20 في المائة.

وقد وضعوا أيضاً أهدافاً لتقديمات براءات الاختراع الجديدة في كل محافظة. وقد تضاعفت براءات الاختراع الجديدة المقدمة في الصين بنحو خمس مرات خلال العقد الماضي، على الرغم من أن العلماء يقولون: إن معظمها عديم القيمة لأن عملية التقديم تفتقر إلى الدقة.

تعدّ استراتيجية معهد بكين للجينوم غير تقليدية بالنسبة لشركة صينية. لقد كان قائماً في بكين كتابع إلى الأكاديمية الصينية للعلوم، مؤسسة البحوث التي تديرها الدولة. ولكن يقول السيد وانغ: إنه تم طرد معهد بكين للجينوم ونقله إلى شنتشن، وهو مركز للتصنيع على بعد آلاف الأميال. وقد سمح هذا لمعهد بكين للجينوم، الذي تعود ملكيته إلى مزيج من الموظفين والمستثمرين، بمتابعة جدول أعمال مستقل للبحوث. وقد تشارك مع العشرات من المؤسسات البحثية العالمية، مثل مؤسسة غيتس، ومؤسسة جي إي للرعاية الصحية ومخاطبة التوحد، والتي يعمل معها معهد بكين للجينوم على طرح دليل جينات لأكثر من ألفَيْ أسرة مع أطفال يعانون من التوحد.

كما يقوم معهد بكين للجينوم بتوسيع امتداده العالمي، وفي العام الماضي حصل على الشركة الأمريكية، ”كومبليت جينوميكس” للأبحاث الجينية، مما يعطيه إمكانية الوصول إلى تكنولوجيا آلية التسلسل. هدفه هو جعل تكلفة الاختبارات الجينية أقل من ألف دولار لكل شخص، بحيث تكون رخيصة بما فيه الكفاية ليتم تضمينها في الرعاية الطبية العادية.

الميزة للشركات التي تواصل الابتكار في الصين هي وفرة الشباب من أصحاب الموهبة بشكل رخيص نسبياً. ولكن التحدي يكمن في توظيف أولئك الذين لديهم الإبداع والخبرة المعملية على سواء عندما يكون نظام التعليم، مع تركيزه الشديد على التعلم عن ظهر قلب، لا يشجع التفكير المستقل.

لذلك يبحث معهد بكين للجينوم عن القليل من التعيينات خارج القاعدة ويستقطب الباحثين الواعدين من الشباب من الكلية قبل تخرجهم. في الصين، حيث يقال إلى الأطفال منذ الولادة: إنه يجب الحصول على درجة جامعية، يعدّ ذلك تطرفا. ويقول السيد وانغ: أقول لهم: تعالوا للعمل معنا، لكي تصبحوا على مستوى عالمي، لما العودة إلى المدرسة؟ ليست هناك حاجة إلى الجلوس في الصف والاستماع إلى أستاذ غبي.

ويستشهد بوانغ جون (لا قرابة بينهما)، الذي ترك جامعة بكين للانضمام إلى معهد بكين للجينوم. وقد أطلقت مجلة علوم الطبيعة الشهر الماضي عليه اسم ”نابغة الجينوم” باعتباره واحدا من بين عشرة علماء يستحقون الاهتمام في عام 2012. معهد بكين للجينوم ليس وحده في السعي نحو الابتكار. في التكنولوجيا، أثبت النجاح الباهر لبعض التطبيقات مثل ”ويشات”، خدمة الرسائل الشعبية التي وضعتها ”تينسنت” والتي تتميز بالرسائل الصوتية، إن الصين لم تعد مجرد مقلد. في مجال الألعاب، أصبحت لعبة (هابي فارم) من ”فايف مينتس” منتشرة قبل لعبة المزرعة السعيدة (فارمفيل) من ”زينجا”.

وقد أنتجت المنافسة الشديدة في سوق الإنترنت الصينية العديد من الابتكارات الأخرى، مثل برنامج المدونات الصغيرة ”ويبو”، والذي تم تطويره من قِبَل ”سينا” وله مجموعة واسعة من الوظائف أكثر من نظيره في الولايات المتحدة ”تويتر” (وهما ليسا خصمين مباشرين، ولكن، تم حظر ”تويتر” في الصين). وقد قامت برامج التسوق عبر الإنترنت، مثل ”تاوباو”، التي وضعتها ”علي بابا”، أيضاً باختراق آفاق جديدة، وخاصة في التسوق من خلال تطبيقات الهاتف الذكي.

في السلع الاستهلاكية، الشركات الصينية مثل ”هاير”، التي تقوم بتصنيع الأجهزة المنزلية، أصبحت أكثر ابتكاراً حيث تبحث عن حافة خارج أسواقها المحلية. في ”بايدو”، محرك البحث الأكبر في الصين، مع حصة سوقية أكثر من 70 في المائة، يقول المديرون التنفيذيون أيضاً: إن التوظيف هو التحدي الأكبر. ويقول لي ليو، نائب رئيس الموارد البشرية: نحن في صناعة متغيرة بشكل سريع تتطلب الابتكار والطفرة في المنتجات. عندما تأسس ”بايدو” منذ أكثر من عقد من الزمان، وجد الكثير من النقاد حقيقة أن صفحته الرئيسة الصغرى تشبه ”جوجل” بقوة، ولكن ”بايدو” أخذ البحث في بعض الاتجاهات الجديدة، على سبيل المثال، ”حوسبة المربع” وهو عبارة عن نهج للبحث يشمل التطبيقات والمعلومات والألعاب بدلاً من صفحات الويب فقط. كما أن لديه بحثا واسعا عن الصورة للتعرف على الوجه، حيث يمكن للمستخدمين تحميل الصور التي يمكن مقارنتها مع قاعدة بيانات الوجوه في ”بايدو”.

تبحث ”بايدو” عن المعينين من الجامعات الصينية وتستأجر الكثير من خريجي جامعة تسينغهوا وجامعة بكين، اثنين من أكبر المدارس، بشكل أكبر من أي شركة أخرى. يقول السيد لي: إن الشركة تتطلع إلى المعينين المبتكرين من خلال مسابقات البرمجة والعلاقات مع الأساتذة، فهي لا تسعى فقط إلى الطلاب أصحاب المرتبة العالية أكاديمياً. تشجع شركة بايدو الابتكار مع المنافسة السنوية بقيمة ”مليون دولار”، التي تمنح الفريق الذي يأتي مع المنتج الأكثر ابتكاراً مليون دولار أمريكي في حقوق المساهمين في الشركة. التركيز على الابتكار مثلما نصح روبن لي، مؤسس ”بايدو”، موظفيه أن يكونوا مثل الذئاب في العدوانية والإبداع. خلاف ذلك، حذّر من خطر أن يصبحوا ديناصورات.

العالم قادم

في العامين الماضيين، أصبحت الصين بؤرة لمنشآت البحث والتطوير. تقوم الشركات متعددة الجنسيات بتعزيز منشآتها بسرعة هناك، وذلك يرجع نسبياً إلى المواهب الرخيصة وإغراء كونها أقرب إلى العملاء في آسيا.

ويقول ماكس فون زيدتويتز، أستاذ الاستراتيجية والابتكار في جامعة تونغجى في شنغهاي: إن الفرصة لتكون أقرب إلى السوق والاستجابة للعملاء بشكل أفضل، تجذب الشركات متعددة الجنسيات لإقامة برامج بحثية هنا، لأن الصين تمثل سوقاً مهمة على نحو متزايد.

كما يقول: إن حماية الملكية الفكرية لا تزال مصدر قلق، ولكنه يضيف أن الحماية آخذة في التحسن. فتحت شركة بيبسي كولا في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) أكبر مركز للأبحاث خارج الولايات المتحدة في شنغهاي، حيث سيتم التركيز على تصميم الأطعمة للأذواق الآسيوية، ويشمل ذلك المقرمشات بنكهة كويكر كونجي أو لاي الساخن وحساء السمك الحمضي.

وقد أنشأت شركة جنرال موتورز أيضاً مركز أبحاث من شأنه العمل على مجموعة من المشاريع، مثل السيارات الكهربائية واقتصاد الوقود. كما أشار جون دو، مدير المركز، إلى أن الصين تنتج أعدادا من خريجي كليات العلوم والهندسة أكثر من الولايات المتحدة واليابان وألمانيا مجتمعين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.