موقع متخصص بالشؤون الصينية

المسلمون الجزائريون والعرب وطريق الحرير

0

ChinaMuslimWomen
صحيفة الديار الأردنية:
القاضي فهيمة*:
كثيرة هي ومتلاحقة العلاقات بين الشعب الجزائري ومكوناته المختلفة، والشعب الصيني، ومن ذلك العلاقات بين المسلمين أنفسهم، بعثاً لطريق الحرير القديم وتجديداً له، وهو الذي كان وسيبقى دافعاً الى مزيدٍ من تصليبٍ لوشائج الصداقة بين البلدين والشعبين العربي والصيني.
لقد ساهم العرب الجزائريون، الى جانب اخوانهم من مختلف أرجاء الوطن العربي، بقسطهم الوافر في إرساء الروابط الطيبة بين الامة الصينة والأمة العربية، فقد وصل هؤلاء العرب الجزائريون الى مناطق مختلفة من الصين، من خلال طريق الحرير البحري، وكان أسرع من الطريق البري، ليبلغوا مناطق صينية مثل شينجيانغ، مروراً بممالك شوله ويويتيان وقويتسي وقاوتشانغ والى مدينة تشانغآن “شيآن اليوم”، وكانت هذه عاصمة الصين أنذاك. وكان الجزائريون تجاراً أيضاً، كغيرهم من العرب، ممن وصلوا الى الصين لممارسة التجارة وترويجها، فازدهرت بين الجانبين، وأصبح التبادل التجاري ناشطاً بكثرة، ومن أجل ممارسة عباداتهم أقام المسلمون الجزائريون والعرب المساجد وبيوتات الصلاة في الصين، وبخاصة في أطرافها الغربية، منطقة شينجيانغ، التي اخترقها طريق الحرير من أقصاها الى أقصاها ولم يبق بقعة فيها إلا واعتمرت بالعربية، فجعلها مَعبراً ضاجّاً بسنابك الخيل العربية وخُف الجمل العربي، وسوقاً ضخمة للبضائع الغريبة والتوابل. هذه المنطقة الواسعة كانت جزءاً تاريخياً لا يتجزأ من الصين الضخمة عِبر التاريخ الماضي، وبقيت الى اليوم كذلك، وسميت رسمياً قبل أكثر من ألفي سنة بـ”المناطق الغربية”، ثم دُعيت بـ”أرض هوى”، في فترة عائلتي مينغ وتشينغ “ما بين 1368 و 1911″، ولم تعرف بإسمها الحالي “شينجيانغ” سوى قبل مئة سنة تقريباً.
وصف كاتب عربي في القرن العاشر الميلادي يدعى نادين، وجود العرب في هذا الإقليم، شينجيانغ، بأن توقّف العرب فيه ترك آثار أقدامهم في كل مكان في المنطقة. وأشار الكاتب كذلك الى وجود كثيرين من المسلمين العرب في مملكة قاوتشانغ الصينية الويغورية، في فترة حكم ملك كان يَدينُ بالمانوية.
تلقب شينجيانغ كذلك بأنها أرض الصحارى والواحات، وقد ساد الاسلام فيها بفعل الحكام العرب المسلمين الذين سادوا عليها وتعاقبوا فيها ومارسوا نشره في بقاعها. وكان انتقال الاسلام الى شينجيانغ سابقاً على اهتداء الملك بوقرا خان، الذي حكم مملكة قراخان، الى الاسلام. واستمر حال العرب في المنطقة عادياً وطبيعياً وسلساً قومياً ودينياً ولم يطرأ عليهم أي تراجع، ولم يَظهر في صفحات التاريخ التي ورثناها أية مشاكل أو مواجهات من أي شكل بينهم وبين الصينيين الأصلاء، فكانت حصراً علاقات محبة متبادلة وتواصلية التجارة وترسيخ المصالح، ووصل الامر الى الاندماج الكامل للطرفين ببعضهما بعضاً، بعد التزاوج وتبادل الأسماء والكُنى، فصار الطرف العربي صينياً بحكم الموقع واندماج الأقلية العربية بالأكثرية الصينية مع محافظتهم الواضحة على الملامح القومية العربية، وبسبب طغيان الواقع اليومي المُعَاش، فأخلص العرب لوطنهم الصيني، وعلاقاته النافعة مع العالم العربي القديم، وأبقوا والى اليوم على أصولهم العربية واضحة في صِلاتهم وتقاليدهم وأسمائهم، وفي أسماء قبائلهم وعشائرهم، ليَحفظ التاريخ وجودهم المُمًيز، وليكن هؤلاء جسراً فولاذياً قوياً ونافعاً ومُستَجَّداً في اندفاعاته في إطارات الصداقة التاريخية المتجددة بين البلدان العربية والشعب العربي برمته، والامة الصينية وجمهورية الصين الشعبية بأكملها.
* شاعرة وكاتبة وممثلة الاتحاد الدولي للصحفيين أصدقاء الصين بالجزائر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.