موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصـــين تســــتعيد دورهــــا العربـــي

0

china-arabs

 موقع الاهرام المصرية الالكتروني:

منذ عهد الرئيس الصيني دينج‏,‏ صانع المعجزة الصينية‏,‏ أي منذ سنة‏1978,‏ تغير الدور الصيني في الوطن العربي بشكل جذري‏.‏ فقد توقفت الصين عن سياستها الثورية المؤيدة للعرب, واتبعت منهجا تصالحيا سلميا انتهي بها الي بناء علاقات دبلوماسية مع إسرائيل سنة.1992
استمرت الصين في اتباع تلك السياسة بعد الحرب الباردة, مكتفية بتأكيد أنها توافق علي مايوافق عليه الأطراف, ولكنها لم توافق علي المشروعات الغربية للتغيير في الوطن العربي. وحينما أتي الربيع العربي فإنه فاجأ الصين بمثل ما فاجأ كل القوي الدولية واتخذت موقف الترقب الحذر, ولكنها أعلنت أنها ترفض التدخلات الخارجية في شئون دول الربيع العربي مكتفية بالاعلان. وجاء أول اختبار لها في الأزمة الليبية حيث امتنعت عن التصويت علي مشروع القرار رقم1973 الخاص باقامة منطقة حظر طيران فوق ليبيا. ولكن الصين دفعت ثمنا باهظا لهذا الموقف, حيث خسرت استثماراتها في ليبيا البالغة13 بليون دولار, كما شهدت تدمير الدولة الليبية علي يد حلف الأطلنطي والتنظيمات الجهادية المسلحة. ومن ثم فقد صممت الصين علي أن تترجم سياستها الي واقع ملموس فرفضت كل مشروعات التدخل الخارجي في الأزمة السورية ودعت الي الحل السلمي مؤكدة أنها لاتدعم النظام السوري وأنها مع تغييره اذا أتي ذلك بإرادة سورية حرة. توقعت الصين أن يؤيدها العرب في هذه السياسة لأنها تحميهم من التدخل الخارجي. ولكن المدهش أن بعض العرب هاج علي الصين علي أساس أنها تسهم في ضرب الثورة السورية, ولكن الصين وبحسابات دقيقة صممت علي سياستها كما شرعت لأول مرة في اجراء حوارت مع المثقفين العرب من مختلف الاتجاهات للاستماع اليهم وشرح وجهة نظرها.
وفي هذا الاطار دعيت الي المشاركة في تلك الحوارات التي جرت في شنغهاي وبكين علي مدي أربعة أيام في اطار المنتدي العربي الصيني. وكان من المثير للتأمل توظيف الأساتذة والدبلوماسيين الصينيين لثقافتهم العريقة في الحوار المتعمق والمستمر.
أشار المسئولون الصينيون الي أنهم يحترمون ارادة الشعوب العربية بشرط أن يتم التعبير عنها وتنفيذها دون تدخل خارجي. فالصين تصوغ سياساتها انطلاقا من مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول, ومن مبدأ بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب يحفظ مصالح الجميع وليس مصالح قوة واحدة. فالصين اذا سمحت بالتدخل الخارجي في شئون سوريا فإن ذلك سيؤدي الي كوارث لكل الدول بما فيها الصين. لفت الصينيون الانتباه الي أن الصين تقف مع الحل السياسي وتتحاور مع الحكومة السورية بل المعارضة السورية التي تستعمل الأساليب السلمية من أجل التوصل الي حل سياسي ديمقراطي متفق عليه غير مفروض من الخارج. قال الصينيون إنه اذا اتفق السوريون علي تغيير النظام, فإننا سندعم هذا الاتفاق مادام أنه حل سوري خالص ونحن ندعم الوساطة الدولية التي يمثلها الابراهيمي واتفاقات جنيف. ولكن أطرافا خارجية لاترغب في الحل السلمي وتريد حلا عسكريا أصبحت آثاره وخيمة علي الشعب السوري. أكد الصينيون أنهم يدعون الي وقف فوري وشامل لاطلاق النار ومساعدة اللاجئين, وأنهم قدموا مساعدات نقدية وعينية لهم في سوريا ولبنان والأردن وبلغ ماقدم للدولتين الأخيرتين فقط15 مليون دولار. أشار الصينيون الي أنه بينما يتدفق السلاح علي المتمردين السوريين من كل اتجاه وبشكل علني فإن الصين امتنعت عن ارسال أي سلاح الي الحكومة السورية. أشاروا الي أن انهيار سوريا أمام المسلحين المدعومين خارجيا سيؤدي الي فوضي شاملة في المشرق العربي, وأن المستفيد الوحيد من كل ذلك ليس شعب سوريا ولكن القوي الأجنبية.
كالعادة لم تكن مواقف المشاركين العرب متماثلة. فقد حاول الخليجيون ترويع الصينيين بالقول إن سياسة الصين قد أثارت استياء النخب العربية, وأن احصاءات الرأي العام العربي تظهر استياء من الصين, وأن مصالح الصين مع العرب قد تتأثر نتيجة تلك السياسة بل ان بعض شيوخهم قد يصدرون فتاوي بمقاطعة البضائع الصينية اذا لم تغير الصين موقفها. هذا بينما رأي آخرون أن أيا من المشاركين لايعبر الا عن نفسه وليس عن النخب العربية, وأن مسألة المقاطعة ليست واردة لأن مصالح الدول العربية مع الصين تفوق مصالح الصين مع تلك الدول. فالصين مثلا عملاق نفطي يشكل سوقا أساسيا للنفط العربي في الوقت الذي يتضاءل فيه اعتماد الغرب علي هذا النفط. فإحدي الدول الداعمة لتسليح الجهاديين في سوريا تعتمد كليا علي الصين في تصدير الغاز الطبيعي ولولا الصين لبارت سوق هذا الغاز. وكم كان مثيرا للفخر الدور الذي قام به الوفد الممثل لمركز الدراسات في الأهرام لدحض مقولات المتكالبين علي تدمير سوريا لمصلحة أجنداتهم الخاصة. استغرب الصينيون كيف يدافع بعض العرب عن التدخل الأجنبي في شئونهم, وكيف يسعون الي التغيير من خلال القوة المسلحة التي تستعملها التنظيمات المتطرفة. قال الصينيون بلغة عربية سليمة يقول المثل الصيني الجواد تثبت جدارته عند نهاية السباق. وحينما تنتهي الأزمة في سوريا سيثبت أن موقفنا هو الموقف الصحيح. ويبدو أن الأيام تبرهن علي صحة الحكمة الصينية. فقد لاحت بالفعل بوادر الحلول السياسية وهزيمة المتطرفين الذين يريدون عالما عربيا يسوده الظلام. وستثبت الأيام أن تلك النهاية سيكون لها انعكاسات كبري علي مجمل التطورات في الدول الاقليمية المجاورة وبالذات الذين أيدوا تسليح المتطرفين في سوريا وسعوا الي تدمير الدولة هناك. كما ستثبت أن الأزمة السورية كانت نقطة تدشين نهاية عالم القطبية الأحادية وبداية عالم القطبية الثنائية, وليس عالم الحرب الباردة كما يزعم البعض.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.