موقع متخصص بالشؤون الصينية

المسلمون.. جسر بين عالمين وحضارتين

0

MuslimsChina
صحيفة الديار الأردنية:
محمد حسن التويمي:
المسلمون في الصين هدف ثابت للدراسة والاهتمام الفائق من جانب مختلف الاوساط الاسلامية العربية والدولية، واصدقاء الصين وخصومها على حد سواء، ناهيك عن رغبة الشعوب العربية والاسلامية التعرّف على واقع تلك الاقليات التي تعتبر الثانية في العالم، بعد الاقلية الاسلامية في الهند.
في عام 651 ميلادية كانت بداية دخول الإسلام الى الصين، وذلك عندما بعث ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه، مبعوثاً إلى مدينة تشانغان، عاصمة الصين آنذاك. ومنذ تلك السنة أقيم جسر علاقات ثقافية وتجارية وحضارية بين اكبر أمتين في العالم، الصينية والعربية، خاصة ان الامبرطور الصيني قد أُحط عِلما بأحوال دولة الخلافة وأحوال الإسلام وعادات المسلمين وتقاليدهم وواقعهم الدولي، وقد اعتبر المؤرخون ان سنة 651 هي بالذات سنة إرساء الخطوات الاولى للاسلام والمسلمين وتأريخهما في الصين. والمُثير للاهتمام، ان تاريخ الاسلام والمسلمين بالصين موثّق بالكامل وزخم، ويجري على الدوام رفده بالجديد، وخلال كل تاريخ الاسلام هناك، كانت العلاقات بين المسلمين العرب والصين سلمية وطيبة وزاخرة بكل ما هو جاذب للجانبين على الدوام.
كان معظم المسلمين في الصين من بلاد العرب وفارس أو الدول الأخرى، من التجار والدبلوماسيين والجنود، حيث أقاموا في أماكن مختلفة بالصين، وأطلق عليهم اسم “المقيمون في تانغ”، الذين اختلطوا بالسكان المحليين، وتناسلوا، وتغيرت بالتالي تسميتهم من “المقيمون في تانغ”، الى “الضيوف الأجانب المحليين”، وأضحى أبناؤهم وأحفادهم بالتالي، مسلمي الصين المحليين والحاليين.

وفي عهد أسرة يوان، والذي يمتد ما بين عامي 1206 و1368، وهي الأسرة التي أسسها قوبلاي خان حفيد جنكيز خان الشهير، إزداد عديد مسلمي الصين بسرعة، ولأن مكانتهم الاجتماعية رفيعة، شهد الإسلام في الصين تطوراً وانتشاراً سريعين، وصارت بعض المدن منطبعة بأطباعهم وتقاليدهم، ذلك لسهولة الاتصال بينها وبين العالم العربي والدول الاسلامية الاخرى، وفي مقدمتها المدن الرئيسية مثل مكة المكرمة، وجدة، وازداد عديد المسلمين العرب في الصين تدريجياً من خلال طريق الحرير البري والبحري، الذي وصل الى جنوب الشام الكبرى، والاردن، ومدن عديدة مثل البترا وربّة عمّون، والمدن والقرى الاخرى في الجنوب والشمال التي رحّبت بالتجار من العالمين العربي والصيني، ضمن ذلك الطريق. ويقول التاريخ، ان سيرورة توطين الإسلام والمسلمين العرب في الصين، شهدت تطوراً سريعاً من القرن الـ17 وإلى القرن الـ19، حيث اكتسب الإسلام في الصين في تلك القرون، خصائص الثقافة الصينية التقليدية العَبقة، من أسلوب التعبير الخارجي، إلى الأصول والأخلاق العميقة، وانصهر المسلمون في المجتمع الصيني الكبير وصاروا جزءاً أصيلاً فيه لا يتجرأ الى أي جزء آخر.
عدد المواطنين المسلمين الملتزمين بالاسلام في الصين “ضئيل” قياساً بعدد السكان الكبير، وهناك احصاءات مختلفة ومتغيرة تُبرز ارقاماً متباينة تقول، ان عديدهم قد يصل الى مئة مليون، والى ثلاثين مليوناً، والرقم الاخير هو الاقرب للواقع بحسب الوثائق الرسمية والاسلامية الصينية، وتشير الى وجود حوالي 35 ألف مسجد عامل تنتشر في بكين وشنغهاي والمناطق ذاتية الحكم في غرب الصين، أي بمعدل مسجد واحد لكل بضع مئات من المسلمين، ويبلغ عدد الأئمة أكثر من 50 ألف إمام، يعملون في مناطق التجمعات الاسلامية على وجه التحديد، حيث المجتمعات المسلمة الكبيرة ذات التقاليد والعادات الاسلامية الثابتة، وهؤلاء نشيطين بالتوجه الى الديار المقدسة سنوياً.

وفي مجال متصل، يوجد في الصين حولي 30 معهداً اسلامياً رفيع المستوى، ويرتقي مستوى التعليم فيها بصورة لا تنقطع، ويتم رفدها بعلماء أفذاذ، ويدرس فيها مسلمون من غير الصينيين. ففي منطقة شينجيانغ يوجد معاهد اسلامية عديدة وجامعة اسلامية، يبلغ عدد طلابها أكثر من 30 ألفاً، بحسب المعروف من المعلومات، في الوقت الذي يتزايد فيه بتسارع عدد الباحثين في الدراسات العلمية الإسلامية في الصين، ويتم إعداد الباحثين من الأقليات القومية الاسلامية وعددها عشر قوميات، ويبتعثون لاستكمال دراساتهم في البلدان العربية والاسلامية، ويعتبرون جسراً متيناً وموثوقاً ودائمياً بين عالمين عريقين صيني وعربي، وبين ثقافتين وحضارتين عربية وصينية، وبين الامة الصينية والامم الاسلامية قاطبة…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.