موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين وقدوم الغاز الصخري

0

StoneGaz
صحيفة الاقتصادية السعودية:
عثمان الخويطر:
لو عدنا قليلاً إلى ما قبل أقل من عشر سنوات، لما وجدنا منْ يتحدث عن شيء اسمه النفط أو الغاز الصخري. ليس لأن المخزون الصخري كان غير معروف في أوساط الصناعة النفطية، بل بسبب عدم الحاجة إليه لارتفاع تكلفة إنتاجه، على اعتبار أن النفط والغاز الصخري يصنفان من المصادر غير التقليدية التي يتطلب إنتاجها مجهودًا كبيرًا ونفقاتٍ تفوق بكثير تكلِفة إنتاج المصادر التقليدية. وعندما وصل سعر برميل النفط إلى مستويات قياسية خلال العقد الماضي وأصبح قريبًا من 100 دولار للبرميل، إلى جانب ظهور مؤشرات على قرب بلوغ الإنتاج النفطي التقليدي ذروته، بدأت الأنظار تتجه إلى البحث عن مصادر جديدة لتوليد الطاقة. وكان من بين الاختيارات محاولة إنتاج الصخري عن طريق عملية التكسير الهيدرولوكي الذي يؤدي إلى فتح مسام الصخور الصماء الحاملة للنفط والغاز.

ومن حسن الحظ أن البداية كانت في أراضي الولايات المتحدة، التي تمتلك المعدات اللازمة والأيدي المدربة والاستثمارات الجاهزة. أضف إلى ذلك الخبرة الطويلة في حفر الآبار، مما ساعد على اختصار الزمن الذي يستغرقه حفر البئر إلى أقل من عشرة أيام، مقارنة بعدة أسابيع أو أشهر في أماكن كثيرة من العالم، وأدى ذلك إلى نجاح عمليات الإنتاج. وفي الوقت الذي بلغت فيه الأسعار العالمية فوق 100 دولار للبرميل، تمكنت الشركات العاملة هناك من إنتاج برميل النفط بتكلفة تراوح بين 60 إلى 90 دولارًا للبرميل. وهو مستوى يسمح بمغامرة الاستثمار في الصخري. وكان سعر وحدة الغاز الطبيعي آنذاك أعلى من عشرة دولارات، مما شجع على إنتاج كميات كبيرة من الغاز الصخري بتكلفة تزيد قليلاً على الثلث. ولكن ما لبثت أسعار الغاز أن تدهورت بسبب حجم الكميات المعروضة إلى ما دون قيمة التكلفة، مما اضطر عدة شركات إلى الانسحاب متجهة إلى إنتاج النفط الصخري. ولعله من نافلة القول أن نذكر أن ارتفاع أسعار النفط إلى ما فوق المستوى الحالي، وهو أمر وارد، سيزيد من إنتاج الصخري بأنواعه.

ولأن إنتاج الصخري في وقتنا الحاضر أصبح خصوصية أمريكية، فمن المؤكد أن إنتاجه خارج أمريكا الشمالية الآن لن يكون مجديًا اقتصاديًّا، قبل أن تصل الأسعار إلى ما فوق 150 دولارًا للبرميل. والشيء نفسه ينطبق على الغاز الصخري. إلا أننا استثنينا الصين من بين جميع الدول الأخرى في إنتاج الغاز الصخري نظرًا للإمكانات الصناعية الضخمة والأيدي العاملة الرخيصة التي تستطيع توفيرها خلال زمن قياسي. وحتى لو كانت التكلفة في بداية الأمر مرتفعة وغير اقتصادية، فإنه بإمكانها خفضها خلال سنوات قليلة. وهذا لا يعني أن الصين ليس لديها معوقات وتحديات كبيرة، وهذا ما سنتطرق إليه في الفقرات التالية.

تمتلك الصين أكبر احتياطي من الغاز الصخري بين دول العالم، حسب تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، وهو تقدير مبدئي بكل المقاييس. فقد يبلغ الاحتياطي الصيني 112 تريليون قدم مكعبة، مقارنة بالرقم الذي يليه وهو احتياطي الولايات المتحدة البالغ 490 تريليون قدم مكعب. ولكن هناك اختلافات جوهرية بين ما هو موجود في أمريكا وبين الصين، فيما يتعلق بالظروف التي تؤثر في مستوى تكلفة الإنتاج في البلدين. ففي أمريكا، تتوافر أجهزة الحفر ومعدات التكسير الجاهزة للعمل بكميات كبيرة.

وفي أمريكا يتم حفر بئر الغاز إلى عمق لا يقل عن 1500 متر خلال عشرة أيام. أما في الصين فالأجهزة والمعدات الثقيلة ليست متوافرة بالكم المطلوب، والعمالة ينقصها التدريب. ويبلغ عمق آبار الصين أكثر من أربعة آلاف متر. وحفر البئر يحتاج إلى عدة أضعاف الوقت الذي يستغرقه حفر الآبار الأمريكية. وهو ما يعني رفع التكلفة عدة أضعاف. فتكلفة حفر بئر الغاز الصخري في الصين قد يبلغ 15 مليون دولار في الوقت الحاضر، مقارنة بأقل من ثلاثة ملايين في أمريكا. ويصل إنتاج الغاز الصخري في الصين إلى ما بين 70 إلى 100 مليون قدم مكعبة في اليوم فقط. وهي كمية متواضعة جدا إذا قورنت مع 25 مليار قدم مكعب في أمريكا. وليس هناك أدنى شك في أن التكلفة المبدئية باهظة، قد تراوح بين عشرة وعشرين دولارًا للوحدة الحرارية، مقارنة بأربع دولارات في أمريكا. ولكن لا بد للصين ولغيرها من الدول من المرور بهذه المرحلة من أجل معرفة اقتصاديات إنتاج الغاز الصخري.

ومما يضاف إلى صعوبة حفر وإنتاج الغاز الصخري الصيني، كون معظم الاحتياطي يقع في مناطق جبلية وعِرَة ووسط مزارع كثيفة، في الشمال الغربي من الصين. وقسم من التكوينات الصخرية الحاملة للغاز تقع في مناطق صحراوية نادرة المياه. ومن المعروف أن عملية التكسير الهيدروليكي تستخدم ملايين الجالونات من الماء المخلوط بالرمل مع كمية من المواد الكيماوية. ويتطلب إنتاج الغاز أيضا إنشاء بنية تحتية مُكلِفة في تلك المناطق النائية. ويظهر أن الصين مصممة على المضي نحو تحقيق أهدافها المرسومة مهما بلغت الصعوبات الفنية واللوجستية. إذ من أهدافها الاستراتيجية تقليل الاعتماد على الفحم الحجري المسبب لكثير من التلوث البيئي. كما أن متطلبات التنمية في الصين من مصادر الطاقة في نمو مستمر وأسعار النفط بوجه عام مرشحة للصعود.

وتأتي الصين بعد الولايات المتحدة وكندا في إنتاج الغاز الصخري، وإن كان إنتاج الغاز الصخري في كندا من حيث الكمية لا يقارن بأمريكا. وهناك محاولات لا تزال في مراحلها الأولى لإنتاج الغاز الصخري في بولندا وبريطانيا وروسيا، على الرغم من أنه غير اقتصادي في الوقت الحاضر، ولكن أملاً في أن يكون مردوده مجديًا في المستقبل القريب، مع اكتساب الخبرة اللازمة. والعامل المشترك هو مستقبل مستوى سعر برميل النفط.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.