موقع متخصص بالشؤون الصينية

الطريق طويلة أمام الصين قبل إزاحة أمريكا عن قمة العالم

0

Market2
صحيفة الاقتصادية السعودية:

مارتن وولف من لندن وديفيد بيلينج من هونج كونج:
علمنا هذا الأسبوع أن الصين على وشك التفوّق على الولايات المتحدة باعتبارها أكبر اقتصاد في العالم. وبما أنه يُعتقد أن الأخيرة كانت تملك أكبر اقتصاد في العالم منذ بداية السبعينيات من القرن التاسع عشر، فهذه لحظة جديرة بالملاحظة. لكنها ليست جديرة بالملاحظة بالقدر الذي يخشاه كثيرون ويرجوه آخرون.

لنبدأ بماذا تعني هذه الحسابات المستمدة من مشروع المقارنات الدولية التابع للبنك الدولي، والموجودة منذ فترة. إنها محاولة لمقارنة مستويات المعيشة في مختلف البلدان. في عام 2011 كانت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الصيني حسب أسعار الصرف 11 في المائة فقط من مستويات الولايات المتحدة. لكن حين نأخذ في الحسبان الأسعار المنخفضة لعديد من السلع والخدمات الصينية غير القابلة للتداول نسبياً، ارتفع هذا إلى خُمس القوى الشرائية للفرد في الولايات المتحدة.

مع ذلك، لا تزال الصين بلداً فقيراً يحتل المرتبة 99 عالميا من حيث القوة الشرائية للناتج المحلي الإجمالي للفرد. ومع أن الصين تستثمر أيضاً ما يُقارب نصف ناتجها، لا يزال الاستهلاك النسبي للفرد منخفضاً.

لكن الصين تعتبر بلاداً ضخمة بعدد سكان بلغ 1.34 مليار نسمة في عام 2011. ومقارنة مع هذا، حتى الولايات المتحدة، بعدد سكان يبلغ 312 مليون نسمة، تبدو تقريباً وكأنها سمكة صغيرة. لذلك على الرغم من كون الصين أفقر بكثير من الولايات المتحدة، كانت القوة الشرائية للناتج المحلي الإجمالي الصيني الكلي 87 في المائة من المستويات الأمريكية في عام 2011. والآن من المؤكد أن القوة الشرائية للناتج المحلي الإجمالي في الصين تجاوزت مستويات الولايات المتحدة.

من الممكن مناقشة ما إذا كانت الأرقام المُعدّلة حديثاً هي أرقام سليمة. الجواب هو أنها معقولة. لكن السؤال الأهم ماذا تعني هذه الأرقام. فما لا تعنيه هو أن الصين بالفعل هي أكبر قوة اقتصادية في العالم.

تعتبر الصين قوة تجارية ضخمة. فقد كانت صادراتها من السلع العام الماضي أكبر من صادرات الولايات المتحدة بنسبة 14 في المائة. لكن وارداتها من السلع كانت أصغر بنسبة 31 في المائة. وحجم السوق الذي تقدّمه البلاد هو الذي يحدد نفوذها في الصفقات العالمية. والصين ليست أكبر مستورد في العالم بعد. وفي الوقت الذي يستمر فيه اقتصادها في النمو بسرعة نسبياً، ستصبح الأكبر في العالم قريباً.

هناك بُعد مختلف من القوة الاقتصادية، وهو امتلاك احتياطيات النقد الأجنبي. ويعتبر إجمالي احتياطي الصين البالغ أربعة تريليونات دولار في آذار (مارس) ضخماً، لكن هذا على الأقل مصدر ضعف بقدر ما هو مصدر قوة. فعلى مدى أعوام عديدة قامت الصين بتجميع أصول كان بإمكان البنوك المركزية الغربية إيجادها في لحظات عن طريق الضغط على بضعة مفاتيح. نعم، بإمكان الصين التخلي عن هذه الأصول، لكنها ستكون الخاسر الرئيسي. وفي عالمنا الفائض في المدخرات، بإمكان الولايات المتحدة العثور على مشترين آخرين بسهولة.

الأسواق المالية والشركات المالية في الولايات المتحدة موجودة في مركز النظام المالي العالمي. وهذا يمنح أمريكا نفوذاً استثنائياً على شكل التمويل العالمي وتفاصيل التنظيم العالمي. والاحتمال أن هذا سيبقى كذلك لفترة طويلة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن النظام المالي الصيني يواجه عديدا من التحدّيات في محاولة الخروج من طفرة ائتمان ضخمة.

وميزة التفوق التكنولوجي بُعد آخر من أبعاد النفوذ الاقتصادي العالمي. وما يُشير إلى أن الصين تبقى متأخرة أن متوسط إنتاجية قطاع الاقتصاد يبقى خُمس المستويات الأمريكية. والأهم من ذلك هو غياب شركات التكنولوجيا الصينية الرائدة في العالم، مع الاستثناء الرئيسي لشركة هواوي. وبالمقارنة، تملك الولايات المتحدة عدداً من الشركات الرائدة في العالم.

إن ميزة التفوق التكنولوجي وحجم إنفاق الولايات المتحدة على الدفاع يمنحان نظامها العسكري الامتداد والقوة. ومن المرجح أن يدوم هذا لبعض الوقت. وفي الواقع، تعتبر الولايات المتحدة أيضاً من الناحية العملية وكأنها جزيرة ضخمة، مع بلدان مجاورة ضعيفة وودودة نسبياً إلى الشمال والجنوب منها. وبالنسبة للصين فهي محاطة ببلدان قوية وغيورة. ولطالما كانت الولايات المتحدة قادرة على إيجاد تحالفات قوية، بينما فشلت الصين في مماثلة ذلك.

كذلك تمتلك الولايات المتحدة ميزات “ناعمة”: ثقافة شائعة مؤثرة؛ ومؤسسات رائدة علميا في التعليم العالي؛ وقاعدة علمية لا مثيل لها؛ والتزام بالمثل العُليا للحرية والديموقراطية التي تبقى جذابة في أعين معظم العالم، مهما بلغ من قصورها في التطبيق العملي في كثير من الأحيان. وبالنسبة لكثير من باقي دول العالم يعتبر النظام السياسي في الصين أقل سحراً بكثير وثقافتها التاريخية غريبة أكثر بكثير من ثقافة الولايات المتحدة.

ومع مرور الوقت، يُمكننا أن نتوقع بثقة أن الاقتصاد الصيني سيواصل الزيادة بحجم نسبي. وينطبق الشيء نفسه على المستوى التكنولوجي والقدرة العسكرية للبلاد. لكن العملاق الناهض سيستغرق وقتاً طويلاً قبل أن يتمكن من مماثلة قدرة الولايات المتحدة على التأثير في العالم، إضافة إلى أن الأخيرة محكومة بصورة حكيمة.

مع ذلك، صحيح أيضاً أننا ننتقل إلى حقبة يجب فيها الاعتراف بقوة ونفوذ الصين الصاعدة واستيعابها. فمثل هذه التحوّلات في القوة صعبة.

وفي هذه الحالة من المرجح أن يتبيّن أنها صعبة بشكل خاص، نظراً لمدى اختلاف القوتين. والإعلان الحديث ما هو إلا خطوة أخرى لما سيكون رحلة طويلة ومتعرجة.

وعندما قال دينج زياو بينج “أخفوا لمعانكم، وأعزّوا الغموض”، لم يكُن يعتمد على الإحصائيين المتطفلين في برنامج المقارنات الدولية.

وتماشياً مع نصيحة أب الإصلاح الصيني، الذي اعتقد أن نهوض الصين سينفعه التقليل من طموحها بشكل أفضل، لم تكُن بكين سعيدة بتقرير برنامج المقارنات. وأعرب المكتب الوطني للإحصاءات في الصين عن تحفظه بشأن المنهجية، وقال إنه “لا يؤيد النتائج كإحصاءات رسمية”. إلا أن وسائل الإعلام المُسيطر عليها بإحكام، بعيداً عن الإعلان الصارخ لأخبار ارتفاع الصين المفاجئ لقمة العالم الاقتصادية، قلّلت من أهمية ذلك أو تجاهلته بالكامل. ويقول مينكسين باي، مدير الدراسات الدولية في كلية كليرمونت ماكينا في ولاية كاليفورنيا: “إن الصينيين يدركون أن هذا إجراء حسابي وليس حدثاً مهما ثابتاً”.

وبطريقة ما، تواضع الصين هو علامة على إحكام قبضتها على أرض الواقع. وتعتبر الصين بلداً من بلدان الدخل المتوسط في أحسن الأحوال، حيث نصيب الفرد من الدخل إلى حد ما أدنى من نصيب الفرد في بيرو. وقدراتها التكنولوجية متأخرة جداً عن الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات الغربية، بما في ذلك اليابان، الخصم التاريخي للصين. ومن الناحية العسكرية لا تملك أي شيء في مستوى النفوذ العالمي للولايات المتحدة. كما أنها تفتقر أيضاً إلى القوة على الإقناع. فالصين لا تمتلك نظاماً سياسياً ساحراً بما فيه الكفاية للتأثير في الرأي العام. وأقرب حلفائها هم أمثال كوريا الشمالية وباكستان. ماو يوشي، الاقتصادي البالغ من العمر 85 عاماً الذي يُعتبر واحداً من المؤلفين المثقفين للتحديث الاقتصادي في الصين، يأخذ نظرة واقعية عميقة على الأرقام الجديدة. وهو يتقبل فكرة أن الصين هي أكبر اقتصاد في العالم، لكنه يرى أن هذا ليس أكثر من علامة على حقيقة أنها موطن لـ 1.36 مليار نسمة.

ويقول “ليس من المستغرب أن اقتصاد الصين كبير، لكن هذا فقط لأن عدد سكانها كبير. الصين كبيرة لكن ليست قوية”.

ويضيف أن “الشعب الصيني الذي تعرض “للإذلال” بسبب ضعف بلاده منذ القرن التاسع عشر، سعيد بالبراعة الاقتصادية المكتشفة حديثاً. لكن في نواح أخرى، من الواضح أن الصين متأخرة. فمساهمة الصين في التقدم العلمي لا تكاد تُذكر (…) كما أن سياساتها ليست ديموقراطية وهناك عديد من العوامل غير المستقرة في المجتمع الصيني”.

ويعتبر ماو، الذي تم تطهيره مراراً خلال حقبة الماوية الذي حتى الآن يعتبر صاحب آراء خطرة، من بين أولئك الذين يتنبأون بأزمة مالية كبيرة نتيجة للاستثمار المفرط والديون المرتفعة.

مع ذلك، يجادل مارتن جاك، مؤلف كتاب “عندما تحكم الصين العالم”، بأن التنبؤات الدائمة بوقوع انهيار شامل هي التي حالت دون رؤيتنا ما ينبغي أن يكون واضحاً تماماً، وهو أن نهوض الصين سيُغيّر العالم. ويقول “لا يزال يوجد نكران بشأن الصين، وعدم قدرة على رؤية التوجّه الأساسي”. ومرت الصين بمختلف المحطات المهمة – أكبر مُصدّر، أكبر مُصنّع، أكبر باعث للكربون – بسرعة أكبر مما توقعها أي شخص تقريباً. وهناك فرصة معقولة، حيث يتنبأ أنه بحلول عام 2030، ستشكّل الصين ثُلث الناتج العالمي وتملك اقتصاداً أكبر من اقتصاد أوروبا وأمريكا مجتمعين. ويضيف “كثير من هذا غير مشكوف. لذلك عندما تحصل على لحظة كهذه – لحظة التفوّق – فهي دعوة للاستيقاظ”.

إن نهوض الصين قد غيّر العالم بالفعل. فبعد أن أصبحت مصنع العالم منخفض التكاليف، قامت بتخفيض تكلفة السلع المُصنّعة. وهذا أدّى إلى زيادة القوة الشرائية للمستهلكين، على الرغم من أن المنافسة من مئات ملايين العمال الصينيين ربما تكون قد خفّضت الأجور الغربية أثناء ذلك.

وباعتبارها مستورداً كبيرا للمواد الخام، فقد بدأت الصين في تغيير مصير شركات تصدير السلع من البرازيل إلى أستراليا ومن منغوليا إلى أنجولا. وإذا انتعش اقتصاد إفريقيا أخيراً فهذا إلى حد كبير بسبب الطلب الصيني.

ماو، وإن كان من منتقدي جوانب كثيرة من الاقتصاد السياسي في الصين، فهو متأكد أن “الصين قدمت مساهمة ملحوظة في الاقتصاد العالمي” وأن لديها الكثير لتعليمه لغيرها من البلدان النامية.

ومن الناحية الاستراتيجية أيضاً، على الرغم من أن الصين لا تملك شيئاً يشبه القوة العسكرية للولايات المتحدة، إلا أن لها بالفعل تأثيرا إقليميا. وهذا يفسر الخلاف المتزايد مع اليابان حول جزر سينكاكو/دياويو، ومع فيتنام والفلبين وغيرها حول بحر الصين الجنوبي.

ويرى جاك، الذي يعتبر أن الدور “المُهيمن” لأمريكا بعد الحرب في آسيا غير قابل للاستدامة، هذه الخلافات بمثابة “الآلام الأولى المتنامية لنظام جديد في المنطقة يتمحور حول الصين”. لنقُلها بصوت ناعم، الصين وصلت بالفعل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.