موقع متخصص بالشؤون الصينية

الشراكة الروسية – الصينية المُرّة

0

china-russia 1

موقع صحيفة الحياة الالكتروني:
أعدت موسكو لزيارة الرئيس فلاديمير بوتين الصين قبل الأحداث الدوليّة الأخيرة، وكان متوقعاً أن تخلّف دلالات عميقة. لكن التغيرات الدوليّة التي تلت أزمة أوكرانيا، والمواجهة بين روسيا وأميركا، ارتقت بالزيارة الى مصاف منعطف تاريخي في العلاقات الصينيّة – الروسيّة. وعدد الاتفاقات المبرمة الكبير هو مؤشر الى جديّة الطرفين. أمّا مباشرة المناورات العسكرية البحرية المشتركة فهي رسالة الى دول العالم حول عمق الشراكة العسكرية الاستراتيجيّة.

والحوادث الأخيرة زادت مبررات موسكو وبكين للتقارب. وكانت الأزمة الأوكرانية فرصة اقتنصتها اميركا من اجل عرض عضلاتها امام روسيا، ولا يقتصر «العرض» على الرؤوس النووية المتراكمة أو عدد حاملات الطائرات التي تدخل إلى البحر الأسود. فواشنطن قادرة على توجيه الدفة الاقتصادية للعولمة، والاقتصاد العالمي اليوم هو نتاج اميركي، به تتحكم واشنطن. وقد لا يكون في وسعها عزل روسيا عزلاً محكماً، ولكن لا ريب في أنها قادرة على عرقلة وصولها إلى الأسواق والموارد الاقتصادية والتكنولوجيّة. لذا، تمس حاجة موسكو الى وسائل بديلة تحميها من «الضغوط» الأميركيّة.

وليس الكلام على الالتفاتة (أو الاستدارة) إلى الشرق وليد اليوم، لكن الأزمة الأوكرانية سرّعت وتيرة الاستدارة. وليس التقارب مع الصين قراراً جدياً فحسب بل كذلك مهمة عسيرة، فالصين دولة عملاقة حتّى قياساً إلى روسيا. وثمة خشية من الوقوع في التبعيّة والدوران في فلك بكين. ولا يعود خطر الاستتباع هذا الى نيات صينية سيئة بل الى الوقوف عند الإمكانات الاقتصادية الفعليّة للطرفين. والحنكة الاقتصادية هي ضمان الحفاظ على الاستقلال. وإلى اليوم، يفوق النشاط الروسي على الساحة الدوليّة نشاط الصين التي تنمو نمواً مضطرداً ولا تتسرع في تحويل نفوذها الاقتصادي إلى نفوذ سياسي.

ويقتضي التقارب الروسي – الصيني أن تتصدر الأولويات 3 نقاط أساسيّة من أِجل تفادي التبعية: أولاً، لا بد من التزام استراتيجية آسيوية متكاملة وشاملة داخلياً (تنمية سيبيريا والشرق الأقصى) وخارجيّاً (النفوذ الروسي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ). وهذه الاستراتيجيّة ملزمة للجانبين الروسي والصيني. ثانياً، يجب ألا تجعل موسكو الشراكة مقتصرة على الصين. وتمس الحاجة إلى تقوية التعاون مع دول أخرى آسيوية مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، والهند وفيتنام.

ولا يخفى أن بعض هذه الدول متحالف مع الولايات المتّحدة. لكن هذه التحالفات «طبيعية»، يمليها الوضع الشائك في المنطقة. ومثل هذه العلاقات يوسّع هامش المناورة الروسية.

ثالثاً، وخلافاً للصين، تتفوّق روسيا في الريادة السياسية، أي في اقتراح أفكار عالمية البعد تستقطب الدول الأخرى، وباعها طويل في هذا المجال، فيما بكين غير جاهزة لهذا الدور. أمّا موسكو، وعلى رغم انها خسرت المكانة الريادية إثر انهيار الاتحاد السوفياتي، فهي قادرة على بلورة قيادة جديدة في وقت تفقد واشنطن دورها الريادي على وقع أحداث السنوات الأخيرة، ومنها فضيحة إدوارد سنودن. وإذا اقترحت روسيا صيغة جديدة للعولمة، ولو اقتصرت على مستوى الشعارات، رسّخت توازنها الاقتصادي ونأت بنفسها عن الصين وتفوّقت عليها.

ولا فائدة ترتجى من ترويج انطباع بأن روسيا هي المحتاجة إلى هذا التحالف، وبأن الصين تشفق عليها اذ تقبل الحلف. ويسري قلق في بكين ازاء التطورات المتسارعة على الساحة العالميّة، تحديداً في جوارها إثر الاهتمام الأميركي المتعاظم بآسيا الذي يهدّد نفوذها. ودبت الحياة في النزاعات المحليّة الخامدة فتحوّلت نزاعات إقليميّة. وصادفت زيارة بوتين بكين احتدام الخلاف مع فيتنام، والاضطرار الى اجلاء الرعايا الصينيين من البلاد.

وتدور نزاعات داخليّة صينية على السياسة الاقتصادية الواجب التزامها. ويفاقم التباطؤ الاقتصادي هذه الخلافات، ويزعزع سلطة الحزب الشيوعي الصيني. لذا، يساهم التعاون الاقتصادي مع روسيا في تعزيز الاستقرار الصيني. خلاصة القول إن ما نتوقعه من هذه الشراكة ليس زواجاً سعيداً، فمصالح الدول الكبيرة متناقضة، لكن الأحداث الدوليّة دفعت بالبلدين إلى هذه الشراكة. لذلك، جازت المخاطرة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.