موقع متخصص بالشؤون الصينية

اللغات الأقدم.. جسوراً وتحالفاتٍ

0

سانك

موقع صحيفة الديار الالكتروني:
الدكتورة يلينا ريزونينكو:

لأكون منصفةً وموضوعية وواقعية أقول، أن اللغات العربية والصينية والروسية هي اللغات الأقدم والأعرق في البشرية إن لم تكن الأقدم على الإطلاق. وقد لعبت هذه اللغات دوراً رائداَ في تقدّم الإنسانية ثقافياً وحضاياً، وفي تقاربها، وعملت على تعزيز أواصر التحالفات الآسيوية بين شعوبها، بحيث لم تكن بينها أية حروب عَبر التاريخ الشفهي والمكتوب، بل كانت على الدوام تتطلع الى جهود مشتركة في عالم عوالمها الثلاثة، ولتأسيس قاعدة سلامية ثابتة، تؤمّن الحاجات المشتركة لشعوب تلك اللغات، وفي مقدمتها الروحية، إضافة إلى تبادلها المادي الأوسع.

وقد تذكرت هذه الحقائق التي يتغاضى عنها البعض، ولا يُدركها البعض الآخر، خلال حضوري ندوة اللغة الروسية للمتخصّصين في المركز الثقافي الروسي، وفي الجامعة الاردنية، بوجود وفد روسي حضر من عاصمة الثلوج، رغبة بعرض الآليات الأنسب لتدريس الروسية للاردنيين، على يد الاستاذات الروسيات والاساتذة الاردنيين، حتى تتعزّز مكانة الروسية بالاردن وتتعمق المصالح والرؤى المشتركة للشعبين الشقيقين، وإن كانت هذه مكانة اللغة الروسية تستمر تحافظ على رفِعتها وعلّوها ومَحبّة الاردنيين لها، لأسباب كثيرة يَطول شرحها.

وفي الاستمتاع باللغة إنشغالاً وتدريساً، أن المشتغل بها أكاديمياً، يَصنع جسراً مشتركاً بين شعبين، وبين شعوب عديدة، من خلالها بالذات، وحين تمتد اللغة الى أوسع المجموعات البشرية كبيرها وصغيرها، يزداد التقارب وتتضح صورة الآخر، وتتكشف آماله وطبائعه، فيغدو هذا “الآخر” جاهزاً لتفعيل المُثل البشرية التي طالما تغنّى بها الشعراء، وسطّر الكتاب عنها روايات ستبقى خالدة خلود الفكرة نفسها.

وفي اللغات الصينية والروسية والعربية، نُلاحظ عملاً متواصلاً من جانب القائمين عليها، ليس لمجرد نشرها فحسب، بل لنشر الحقائق عن شعوبها، وعن أهدافها وإنسانيتها. لذا، نرى أن وزير الخارجية الصيني وانغ يي، في مقالته التي نشرت مؤخراً في “الديار” ومواقع الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب اصدقاء الصين، يدعو الى فكرة شريفة وغاية في الأهمية، والى عقيدة ستغدو نبراساً للبشرية في المستقبل القريب، مع اقتراب إشغال الصين وروسيا مكانة عُظمى في واقع الامم وريادية، وتلك فكرة آسيوية الملامح، تنبع من أرض آسيا الكبيرة، أكد عليها الوزير وشدّد بمناسبة انعقاد الدورة السادسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي والإحتفاء بالذكرى العاشرة لإنشاء المنتدى.

ويتلخّص عنوان الفكرة العريض في  “الحِكمة الشرقية” و “العقلية الشرقية”. كما يتناول الوزير في مقالته إيّاها قضية “آلية ترويكا”، أي المجموعة العاملة دولياً في تحسين توظيف الشباب والخبراء والباحثين وأدوارهم، ووفود النُخب العالمية المختلفة من قوميات وجنسيات ودول متعددة، بهدف زيادة ترسيخ الأسس الاجتماعية للصداقة العالمية، وبضمنها الصداقة والعلاقات الصينية العربية. يقول الوزير وانغ يي، أن الحضارة الصينية والحضارة العربية تتميزان بالأصالة العريقة والمنظومة المستقلة والسِّمات الفذّة والاهتمام البالغ بدور الروح المعنوية، الأمر الذي يتحلّى بمغزى فريد لتقدّم حضارة الإنسان في عصرنا اليوم والعصور المُقبِلة. ويُشدّد السيد وانغ يي في الوقت ذاته على أن تعزيز التبادل الإنساني والثقافي الصيني العربي سيُغذّي التعايش المُنسجم بين مختلف الحضارات، بمزيد مما يُسمّيه في مُباَشرةِ حِكمة المخضرمين «الحكمة الشرقية»، وبما يُغذّي قِيمة نظام الحوكمة الدولية بمزيد من ترسيخ «العقلية الشرقية» في كل مكان ومجال، وهي عقلية تنتمي إليها الدول الثلاث وعوالمها الثلاثة: روسيا والصين والعرب..

*كاتبة واستاذة اللغة الروسية بالجامعة الاردنية ورئيسة لجنة النساء الروسيات للصداقة مع الصين للإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.