موقع متخصص بالشؤون الصينية

خطر «شينغيانغستان»… من باكستان إلى الصين

0

Flag-Pins-China-Pakistan
موقع صحيفة الحياة الالكتروني:

حين شنّ الجيش الباكستاني حملته العسكرية على المنطقة القبلية شمال وزيرستان في حزيران (يونيو) الماضي، عزا العملية هذه الى «ضغوط» اميركية. فطوال اعوام، درجت واشنطن على حض باكستان على مواجهة الارهابيين في ملاذهم الآمن على الحدود مع افغانستان. وقبل اسابيع من الحملة العسكرية، رهن الكونغرس الاميركي تقديم مساعدات عسكرية جديدة الى باكستان بمكافحة الارهاب في المنطقة هذه. ولكن لا يخفى ان كفة الدواعي الامنية الصينية، صديق باكستان الصدوق، هي التي رجحت في حسابات اسلام آباد وليس «الضغوط» الاميركية.

فالصين تجبه سلسلة من الهجمات الارهابية هي الافدح منذ عقود. وشينغيانغ تقع على الحدود الشمالية الغربية مع باكستان. والاضطرابات تعمها جراء توتر العلاقة بين سكانها الاصليين، الإويغور المسلمون، والحكومة الصينية الممثلة بأعداد ضخمة من المهاجرين الصينيين من قومية الهان. وفي العام الماضي، علت أصوات الاويغور وطالبوا بتوسيع صلاحيات الحكم الذاتي أو الاستقلال وانشاء دولة شرق تركستان. وشنت مجموعات مسلحة اويغورية عدداً من الهجمات، آخرها هجوم في 29 تموز (يوليو) على مركز شرطة في شينغيانغ.

ولم يقتصر العنف على الاقليم المضطرب، وانتقل الى المراكز الصينية المدينية. وفي تشرين الاول (اكتوبر)، أودى هجوم في ساحة تيان ان مين بحياة ستة اشخاص وجرح 39 شخصاً. وفي مارس (آذار) الماضي، شنت مجموعة أويغورية هجوماً بالسلاح الابيض في محطة قطارات في مدينة كونمينغ قتل 29 شخصاً وأوقع عدداً من الجرحى. وفي نيسان (ابريل) الماضي، تزامنت زيارة شي جينبيغ شينغيانغ مع تفجير في محطة يورومكي. ولم يشُب العلاقات الصينية – الباكستانية إلا اخفاق اسلام آباد في مكافحة نشاط المقاتلين الاويغور في ارضها.

ولا شك في ان الاواصر العرقية والسياسية التي تربط الاويغور بآسيا الوسطى وتركيا قوية، وأن باكستان هي رابطتهم بالتطرف الاسلامي المسلح. ولا شك كذلك في ان منطقة القبائل الباكستانية المضطربة هي نقطة انطلاق المقاتلين الاويغور. وطوال اعوام، دعت بكين اسلام آباد الى ملاحقة المقاتلين الاويغور ومؤيديهم من آسيا الوسطى، مقاتلو «الحركة الاسلامية في اوزبكستان» الذين ينشطون في شمال وزيرستان.

ومنذ بلوغ نواز شريف، رئيس الوزراء الباكستاني، منصبه في 2013، رفعت الصين مستوى التزاماتها الاقتصادية في البلد بدءاً من قرض تمويل منشآت نووية قوتها الف ميغاوات وصولاً الى مشاريع بنى تحتية تربط شنغيانغ بمرفأ غوادار الباكستاني الذي تديره الصين. وقيمة الاستثمارات الصينية لا يستهان بها، وقدرها عشرات بلايين الدولارات. ولكن نجاح المشاريع هذه وثيق الصلة بنزول اسلام أباد على المخاوف الصينية وطمأنتها. فالقيادة الصينية السياسية والعسكرية قررت زيادة الاستثمارات في باكستان، ولكن المشكلات الامنية تحول دون تنفيذ المشاريع هذه، يقول مسؤول صيني في مكافحة الارهاب.

وليس تحول منطقة القبائل الباكستاني الى موئل المقاتلين الاويغور وملاذهم الآمن مشكلة قديمة. فإلى 2008، سارعت اسلام اباد الى النزول على مطالب بكين سواء قضت بترحيل طلاب اويغور أو اغلاق مراكز اويغورية أو قتل ارهابيين مزعومين. وعلى رغم ان استقرار جالية اويغورية يبلغ عديدها نحو 3 الاف شخص في باكستان يعود الى وقت طويل، لم تكن قضية شرق تركستان بارزة. وحتى الاحزاب الباكستانية الدينية المتعاطفة مع القضية هذه لم تدعمها من اجل الحفاظ على العلاقات مع الصين. وعلى خلاف الولايات المتحدة التي درجت على تسليم اسلام اباد لائحة طويلة بمتطرفين ترغب في مواجهتهم – وكانت الاستخبارات الباكستانية ترفض تسليم أو ملاحقة بعضهم وترى انهم اوراق استراتيجية تحتفظ بها لمساومات لاحقة – كان النزول على طلبات الصين «البسيطة» يسير.

وعلى رغم ان بكين لطالما نددت بخطر حركة شرق تركستان الاسلامية، وان الامم المتحدة ادرجتها في لائحة المنظمات الارهابية في 2002، لم يكن ثمة دليل على وجود هذه الحركة قبل انهيار طالبان افغانستان في 2001. ووصل عشرات من المقاتلين الاويغور الى المناطق القبلية في باكستان مع موجة المقاتلين الاجانب الذين فروا من الاجتياح الاميركية افغانستان. ولكن «حركة شرق تركستان الاسلامية» كانت هزيلة وطرية العود تعتمد على غيرها من المجموعات من آسيا الوسطى مثل «الحركة الاسلامية في اوزبكستان». وفي 2003، أردى الجيش الباكستاني قائد حركة شرق تركستان الاسلامية»، حسن محسوم. وفي 2007، طرد زعماء قبائل وزيرستان الاويغور والاوزبك، جراء خلافات. فخبرت الصين عقداً من الهدوء لم تعكره هجمات بارزة.

ولكن منذ 2008، برز «حزب تركستان الاسلامي» في شمال وزيرستان، وأعلن انه وريث «حركة شرق تركستان الاسلامية». ونشر سلسلة من أشرطة الفيديو على يوتيوب، ولوح بشن هجمات على أولمبياد بكين 2008. وحينها أبلغت بكين اسلام أباد ان عدد مقاتلي الحزب هذا لا يزيد عن عشرات، ولكن مصادر باكستانية قدرت عددهم بالمئات. وعلى رغم ان حزب تركستان الاسلامية تبنى عدداً من الهجمات الاخيرة في الصين، لم يسارع مسؤولون صينيون الى القاء اللائمة على أيدي السوء في الخارج على ما جرت العادة، ورفضوا نسب الهجمات هذه اليه.

ولكن مع كر سبحة العنف، بدأ كلام بكين يدور على تأثر منفذي الهجمات بالايديولوجيا الجهادية والتكتيكات المتطرفة. ومنذ 2008، نشر «حزب تركستان الاسلامي» سلسلة من تسجيلات فيديو تبث بروبغندا جهادية. وتعاظم قلق بكين ازاء صلات الحزب هذا بمجموعات ناشطة في شمال وزيرستان وغيرها من المناطق. وتتولى «الفجر» (منتدى جهادي اعلامي تديره «القاعدة») تنظيم بروبغندا الحزب هذا وتترجم رسائله الى العربية الواسعة الانتشار. وتخشى بكين ان تستقطب قضية الاويغور مقاتلين جهاديين. ويبدو ان قادة من «حزب تركستان الاسلامي» بلغوا مراتب بارزة في «القاعدة». ورصد عدد من المقاتلين الاويغور في ميادين معارك قصية مثل سورية والعراق والامارات.

ومع تعاظم دور المقاتلين الاويغور، لم تعد مساعي باكستان في مكافحتهم تثمر. ولم تسلم اسلام اباد الى الصين غير مقاتلين ضعيفي الشأن في سلم قيادات «حزب تركستان الاسلامي»، وتركت قيادات الحزب هذا في منأى من هجماتها منذ قتلها محسوم. والحق أن هجمات الدرون الاميركية هي اكبر خطر على المقاتلين الاويغور التي استهدفت عدداً كبيراً من قيادات الحزب هذا في سلسلة هجمات صاروخية في شمال وزيرستان بين 2010 و2012. وتفهمت بكين في وقت أول تردد باكستان في شن عملية واسعة النطاق في المنطقة هذه حيث تنتشر مجموعات مسلحة تدعمها الاستخبارات الباكستانية. ولكنها مع الوقت بدأت تشتبه في ان قوة مجموعات الاويغور المسلحة وثيقة الصلة بتعاطف ديني معها في صفوف الجيش الباكستاني.

ويبدو ان الصين تضع ثقتها في قيادات الجيش الباكستاني، وعلى رأسها رحيل شريف، قائد الجيش، ولكنها تنظر بعين القلق الى الرعيل الشاب في الجيش الذي شبّ في المجتمع الباكستاني «المتأسلم» وسلك رتب الجيش في الاعوام الخمسة والثلاثين الماضية. ويشكو مسؤولون صينيون من تحذير الباكستانيين حركات الاويغور من هجمات الجيش الباكستاني عليها قبل شنها. واطلعت استخبارات اجنبية مسؤولين صينيين على صور تظهر عملاء استخبارات باكستانيين في معسكرات حزب «شرق تركستان الاسلامي».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.