موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصناعة الثقيلة في الصين الاشتراكية

0

yelina-semironva-china-industry

موقع الصين بعيون عربية ـ
م. يلينا سميرنوفا*:
لإدراك اهمية الصناعة الثقيلة في حياة الناس من الضروري الاطلاع على تاريخها على مِثال الصين، والطريق الذي قطعه ذاك البلد في تحقيق معجزة التصنيع والتطور، إذ انتقلت الدولة الصينية بعد استقلال الصين من دولة محكومة للاجنبي الطامع بسحلها أبدياً، الى دولة تُصنّع وتتطور وتضع اللبنات الملائمة لتصنيع هو الأسرع في تاريخ الامم والشعوب والدول كافة.
في البداية بعد انجاز الاستقلال والسيادة، تطلعت الصين نحو بناء الانسان الجديد، وتشكيل ثقافته التقدمية والانسانية، واستعادة الحضارة الصينية وبعثها بمكنوناتها كافة في اوساط وعقول الشعب الصيني، والفخر بها علماً وعملاً وحرفاً وروحاً، دون أي انتقاص، وعملت على استكمال البنية التحتية وعملية الارساء والتقدم التكنولوجي، وكانت الصين كما يقول علماء السياسة والاجتماع بالصين، بلدا اشتراكياً مثالياً، تعتمد على التخطيط الاقتصادي، الحكومي، وكان تشغيل الايدي العاملة حقاً مفروضاً والزامياً، كما تشكلت منذ بدايات الدولة والحزب لجنة مراقبة الانضباط في الحزب الباني وصارت هي مَن يُحدد أوجه تخصيص موارد الدولة.
وتشير الاحصائيات الى ان عدد سكان الصين يتراوح ما بين مليار وثلاثمئة أو أربعمئة مليون نسمة وما بين ملياري نسمة بالتمام والكمال!. و في الواقع وبغض النظر عن عدد السكان الكبير، فقد حققت الصين معجزة اقتصادية لا مثيل لها في ظرف وجيز لم تحققها الرأسماليات الغربية والامريكية خلال مئات السنين، ما أدخل الصين في منافسة حقيقية وشديدة مع الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا والمانيا ناهيك عن اليابان، وهي دول كانت تحاول إبعاد الصين عن الساحة الدولية تصنيعاً وتطوراً وسياسة وشعبوياً ايضاً، وكانت “تثق” باستكباريتها أن بيكين لن تستطيع اللحاق بها بعد مليار عام!، لكن الغربيين والامريكيين بكوا بكاء مُرّاً مرتين: واحدة بعد استقلال الصين عسكرياً وسياسياً وثانية عندما نجحت الصين في التصنيع والتطور خلال ثلاثة عقود فقط، وليس البكاء الاخير عندما تخلوا للصين عن مستعمراتهم السابقة على الارض الصينية وهي ماكاو وهونغ كونغ.
ولفهم معاني وأبعاد وطرائق التطور الصناعي الصيني، من الضروري تشريح أسرار التطور الصيني، وهنا يقفز أستاذ علم الاجتماع بجامعة رينمن بالعاصمة بيجين، وين تيا تشو، ليقول إنه قبل العام 1949 كانت الصين بلدا زراعياً تماماً، وفي الحرب الكورية ساندت واشنطن طوكيو لتتحدى الصين وموسكو، فرد الاتحاد السوفييتي بالاستثمار في الصين، لإنتاج الأسلحة والآليات الثقيلة، وفي سنوات قليلة تحوّلت الصين من بلد زراعي بالكامل إلى بلد صناعي، لتتراكم خبرة التصنيع في خمسينات القرن الماضي وحتى السبعينات، و “لكن للدولة وليس للأفراد” فبكا الغربيون.
ويقول الأستاذ في معهد العلوم السياسية في بكين، “فن نين” إن السوق الحر بالصين هو على نمط صيني والوان صينية، تنشّطه في الصين المبادرة الفردية وتخطط وتنسّق له الحكومة وهو الذي أنبت شكلاً جديداً في السوق، اشتراكياً ورأسمالياً مُختلطاً بإبداع وصيني القسمات في كل تفاصيله وعلى الطريقة الصينية التقليدية الموروثة من الماضي السحيق للصين، فتم خلط ما بين النمو المخطط الحكومي والاداري المركزي، وما بين انظمة السوق الحر و الإصلاح التدريجي، ووضعت الصين جانباً نظام الصدمة الفاشل، لذلك نرى كيف ان نصيب الشركات المملوكة للدولة بالصين هو نحو نصف النشاط الاقتصادي في البلاد، ويقتصر نشاط هذه الشركات على مجالات محددة وخدمات ، بينما الصناعات الثقيلة – التي لا يمكن للقطاع الخاص التنافس فيها – ، هي ملك للدولة، لأنها تعني سيادتها واستمراريتها وحقوق العاملين فيها، وعلى سبيل المثال، استثمرت الدولة مبالغ طائلة في القطار السريع ، وهو مشروع له مستقبل واعد في كل الصين والعالم، وتكشف انه “مشروع الحكومة الصينية” وليس القطاع الخاص، الذي يسعى عادة وراء ربح سريع من خلال صناعات خفيفة وهامشية، وهذه وغيرها ظواهر تفسر النمو السريع للاقتصاد الصيني، حيث سُمح للأفراد بإنشاء مشاريعهم الصناعية وإنماء ثرواتهم الفردية ومضاعفتها، وهو ما أضفى الحيوية على المجتمع والثقة به وبقوانينه ودولته، وجعل الحزب الشيوعي الذي يدير دفة البلد ناجحاً من جديد في تحقيق التنمية الإستراتيجية محلياً وكونياً، بعدما نجح في تحرير البلد وتحقيق الاستقلال. ولم يتوقف الأمر لدى الصينيين عند إمداد السوق المحلية بالمنتجات الصناعية الاستهلاكية، وإنما كانوا ومايزالوا يتطلعون إلى السوق العالمية التي هي وحدها التي يمكنها ضمان متطلبات انتاجهم وتصريفه الدائم بلا انقطاع.
من ناحيته، يرجع بسام أبو ملوح، وهو مستثمر عربي من مدينة خاي نجاح التجربة الصينية إلى نشاط الشعب الصيني نفسه، ومعرفته بطلب الزبون، وتشجيع الاستثمار الأجنبي في البلاد، إضافة إلى أن الصين لم تشجع هجرة اليد العاملة إلى المدن الكبيرة. (المرجع: الجزيرة – 31/10/2014)..
ويُنوّه نائب رئيس مجموعة جيلي الاقتصادية الصينية زان لين ، الى أنهم أسسوا شركة نالجحة لإنتاج السيارات عام 1997، لكنها تحولت إلى شركة تعداد موظفيها يقّدر بـ20 ألفا ولها تسعة مصانع في الصين، وأنتجت في 2013 نصف مليون سيارة للسوق الصينية والعالمية، ويقول إن انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية سمح بدخول مستثمرين أجانب وباقتحام الصين للسوق العالمية. المرجع نفسه.
ويرى كثيرون من مجموعات الباحثين، ان الدولة الصينية تولي اهمية خاصة للعناية بالعاملين والموظفين وحقوقهم، كونها دولة اشتراكية يحكمها حزب شيوعي يستند الى ارث صيني تاريخي، يعمل بثبات وتخطيط على بنائها المستمر برغم أية صِعاب دولية قد تواجهها بين حين واخر من جانب العدو العالمي والطبقي، وهو ما يُشير إليه بجزئية الباحث الاقتصادي العضو بالحزب الشيوعي الصيني، لي تيان هاو، بقوله إن قانونا صينياً ذا طبيعة اجتماعية يحمي حقوق العمال وعائلاتهم.
في الصين أقامت الدولة شخصية وطنية لنفسها في مختلف الحقول وفي الفلسفة السياسية الصينية ذاتها، فبات العامل يلمس يومياً أنه جزء من الشركة والمصنع والحقل والدولة ايضاً، وبأن عمله يحقق مردوداً لها وله شخصياً ايضاً. كما تعمل الدولة على حماية العامل والموظف من المتجبرين من ارباب العمل، والفاسدين، والاستكباريين، وتفرض تحقيق التكافل الاجتماعي والأمن المستدام وقوانين حماية العامل وتعويضه بالضعف إلزامياً في حالة الإصابة، أو في حال المرأة الحامل والامراض المستعصية. ليس هذا فحسب، بل أنه بموجب القانون الصيني تُجبر الشركات والمصانع التي لا تمنح العامل عقد عمل بعد عام من بدء العامل عمله، أن تدفع له ضعف الأجر عن ذلك العام، كما أنها ملزمة بدفع التأمين الاجتماعي والصحي للعامل وفقاً لحرف القانون.
• كاتبة ومهندسة روسية للصناعات اثقيلة ومواطنة روسية اردنية وعضو في قيادة المجلس القيادي للفرع الاردني للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب اصدقاء الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.