موقع متخصص بالشؤون الصينية

الإســـــــــــــلام في الصيـــــــــــن

0

ahmad-kaysi-china-islam

موقع الصين بعيون عربية ـ
أحمد إبراهيم أحمد ابو السباع القيسي*:

يعود تاريخ الإسلام في الصين إلى الرحلات التجارية التي كانت ترد من إيران والجزيرة العربية في القرن السادس الميلادي ويبلغ عدد مسلمي الصين أكثر من ماية وعشرين مليون مسلم، يتمركزون في مدن ومقاطعات صينية متعددة، وبالذات في (شنينجيانغ, ونينغشيا) وهي مناطق مستقلة بحكم ذاتي تقع جنوب غرب الصين وفي وسطه.  ففي مقاطعة (هينان) وحدها يوجد أكثر من (700) ألف مسلم يؤدي جميعهم الصلوات الخمس ومختلف شعائرهم الدينية بكل حرية حيث يوجد أكثر من (34000) مسجد تنتشر في أرجاء البلاد وعدد المسلمين في الصين لا يقل عن مائة وعشرين مليون مسلم حسب الإحصائيين المهتمين بالشأن الإسلامي هناك, والإسلام دخل إلى الصين منذ عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه عندما أرسل وفدا برئاسة الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إلى الصين.
ويمر التاريخ الصيني على المسلمين وهم ينعمون بالمحبة والثقة من قادتهم الصينين, ففي سنة (1694)م يصدر الإمبراطور قانغ شي أمرا بعد وشاية سمعها من أحدهم  جاء فيه (ليكن في علم جميع المقاطعات أنه إذا إفترى أحد الموظفين أو الرعايا على إخوتهم المسلمين بالتمرد ــ متذرعا بذريعة تافهة, فلا بد من معاقبته معاقبة شديدة قبل إستشارة القيادة العليا, وليتمسك المسلمون بالإسلام دون السماح لهم بمخالفة أمري هذا).
وبالرغم من كل المؤامرات الخارجية التي تحاك من الصهيونية العالمية والغرب لإيقاع الفتن بين المسلمين وغيرهم من الأقليات والقوميات الأخرى وبين المسلمين وحكومتهم الوطنية وقيادتهم اوطنية والحزبية الحكيمة، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل مباشرة, لتمسك الشعب الصيني بوحدته وإنسانيته وتقواه التي أمرهم بها ربهم سبحانه وتعالى ولوجود قادة عظماء يعرفون جيدا كيف يتعاملون مع تلك الفتن ومثيريها عبر تاريخ الصين الطويل.
فكان وما زال وسيبقى الإنسان الصيني المسلم كباقى اصحاب الأديان والقوميات الأخرى متمسكا بوطنه الكبير وبإخوته الإنسانية مع الأخرين, وهو يمزج بين حاجات نفسه الدنيوية وأشواق روحه في أخرته, ليطيع أوامر الله ويتقيه في دينه وإنسانيته ووطنه وقيادته وحكومته وجيشه وشعبه من المغرضين ومثيري الفتن والدسائس بين الشعوب, ولذلك أصبح الإنسان الصيني المسلم قدوة لأخوته في الإنسانية من أبناء وطنه الصيني الكبير, وأصبح مرشدا لهم لخوفه عليهم من الوقوع في متاع الحياة الدنيا وما متاع الحياة الدنيا إلا قليل, لذلك أصبح الإنسان الصيني بشكل عام لا يقع في تناقضات تجعله مضطرب التفكير مشمولا بالحيرة والتردد تجاه إنتمائه لوطنه ولشعبه ولوحدته ولقيادته وجيشه.
وبذلك القدر من إحترام الإنسان الصيني المسلم لنفسه ولدينه وللأخرين فقد فرض إحترامه على إخوته من الأديان والقوميات الأخرى, وكسب إحترام قيادته التي ردت إليهم الإحسان بإحسان أكبر كيف لا وهم أبناء وطن واحد بني على المحبة الوفاء والإخلاص والتقوى والعدل بين الناس, فالصين بشعبه وتاريخه وتراثه وقادته عبر التاريخ قطع شوطا كبيرا ليحقق ما هو عليه الآن من تقدم وتطور, وقدم الغالي والنفيس عبر سنين طوال ليصل لتلك القوى العظمى, والتي نشرت المحبة والسلام والفكر السليم والمنهج الصحيح القائم على تقوى الله والإحسان للعباد, فتلاقى مع العرب والمسلمين بالكثير من الرؤى في حرية الأديان ومزيج القوميات وفي العادات والتقاليد والتاريخ والتراث والدفاع عن المظلوم أينما كان,
والمسلمون في الصين كباقي أتباع الأديان الأخرى يتمتعون بحرية تامة في أداء عباداتهم, ويتمتعون بكل حقوقهم التي يتمتع بها إخوتهم الآخرين من أبناء وطنهم وعليهم واجبات يقومون بأدائها وينفذونها كغيرهم وعلى أكمل وجه, وحرية الأديان ألبست الصين ثوبا أبيضا ناصعا براقا بوأها مكانة رفيعة بين الدول, وليس هذا بغريب على الصين فهي إحدى الدول العظمى التي يتشكل منها مجلس الأمن وهي عضو فعال في الأمم المتحدة, وهي تدافع دائما وأبدا عن مصالح الشعوب المظلومة والمضطهدة وتناهض كل المخططات الغربية الصهيونية وتقاومها وبالسلام والحوار, وبالذات منذ أن تولى الحزب الشيوعي الصيني سدة الحكم في الصين, فأحدث نهضة عملاقة غيرت معالم البلاد وأعلت شأنه حتى أصبح الصين له هذه المكانة المرموقة بين الدول وبتعامله الإنساني البحت فرض إحترامه على كل الشعوب والحكومات والقادة العالميين.
ومنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في أول أكتوبر عام (1949)م وهي تخصص مبالغ كبرى لترميم المساجد وفي كل أنحاء البلاد لأنها تمثل تاريخ فئة كبيرة من مواطنيها في الصين, ومثال ذلك مسجد (نيوجيه الأثري) وهو تحفة فنية صينية إسلامية وصرح عريق تخطاه الزمن بإعتباره رمز الحضارة الإسلامية الصينية الرائدة وهو من أقدم المساجد في بكين العاصمة, ومسجد لاسا الكبير والذي يقع في منطقة التبت الذاتية الحكم ومدينة لاسا تضم مختلف القوميات الصينية وتشمل (الهان, والهوي, والتبت, والويغور)  وتقع جنوب غربي الصين, ويقع في محيط مسجد لاسا شارع تجاري معظم أصحابه من المسلمين المحليين ومن المسلمين القادمين من المناطق الصينية الأخرى, وقد منحتهم حكومة منطقة التبت سياسات تفضيلية, وهؤلاء المسلمين قدموا في القرن الثامن من كشمير وباكستان والهند وغيرها من الدول الأخرى.
وأيضا المسلمون في بلدة شاديان وهي مدينة من مقاطعة يوننان والتي تقع في جنوب غربي الصين ويعيش فيها أيضا أبناء من خمسة وعشرين أقلية قومية مختلفة, وفي عام 2010م أنشأت بلدة شاديان مسجدا كبيرا بتبرعات بلغت (120) مليون يوان صيني من المسلمين المحليين, ويتسع لعشرة آلاف شخص لأداء الصلاة في آن واحد, ويعتبر أكبر مسجد في منطقة جنوب شرقي أسيا وهو جزء مهم لتطوير السياحة الإسلامية بتلك البلدة الصينية المسلمة, ومسجد مدينة جيشي التي تقع في جنوب شرقي مقاطعة هيلونفجنانغ على الحدود الصينية الروسية, ويعيش فيها أكثر من ستة آلاف مسلم من أبناء هوي ويبلغ عدد سكانها مليوني نسمة, وصل الإسلام إليها مع قدوم المهاجرين المسلمين في أوائل الخمسينات من القرن الماضي حيث أنه تم شراء بيوت صغيرة وحولوها إلى مساجد بأيديهم, ومع مرور الوقت لم تعد تلك المساجد تلبي إحتياجات المسلمين وصار بعضها مهدد بالسقوط وفي 2005م قررت حكومة جيشي تخصيص مليون ومائتي ألف يوان صيني لمشروع تجديد مسجد جيشي وإستمر التجديد لغاية 2008م وأصبح المسجد من أبرز معالم المدينة ودليلا على الحرية الدينية والسياسية والعرقية التي يتمتع بها أبناء مدينة جيشي وكافة المسلمين في كل المدن والقرى والمقاطعات الصينية, وبلغ عدد المساجد في مدينة جيشي 6 مساجد.
ولا ننسى مسجد هواشي القديم في حي دونفتشنغ ببكين والذي إحتفل رواده في التاسع والعشرين من أكتوبر عام 2014م بمرور ستة قرون على إنشائه وهي فترة ليست قصيرة في تاريخ بكين كعاصمة عمرها ثمانمائة سنة, وهذا يدل على أنه رمز وعلامة هامة يُفاخر به كل الصينيين وليس المسلمون فقط, ونذكّر أبناء الأمة العربية والإسلامية بشكل عام بالقرآن الكريم الذي نقش على شرائح الخيزران بطول أكثر من مائة وستين مترا, بعد ألف يوم من العمل الجاد الممزوج بالتقوى والمحبة والإجتهاد والسعادة بإستخدام خمسمائة وعشر شرائح خيزرانية, ليكون أكبر عمل نقش على الخيزران في تاريخ شاديانغ حيث خصص له موقعا في المسجد الجنوبي بالمدينة لعرض هذا العمل وحمايته, وقدم هذا العمل والإنجاز العظيم إلى العالم أجمع كإبداع إسلامي صيني فني ناجح دمج بين ثقافتين متقاربتين عبر التاريخ وهي الصينية والإسلامية, ويعتبر كنز من كنوز الأمة الصينية بطابع إسلامي وأيضا ينير حديقة الثقافة الصينية العظيمة والكبيرة.
وأصبح المسلمون جزءا لا يتجزأ ولا يستغنى عنه من قبل الشعب الصيني بشكل عام, لأنه نشر المبادئ الإسلامية الحميدة في حب الوطن الصيني الكبير لنهوض الأمة الصينية وتعزيز التفاهم بين الثقافات والأديان والقوميات والأعراق, وأصبحت المساجد في الصين قاعدة جديدة لنشر روح المحبة والتسامح والأخوة والتفاهم والحوار بين كل أبناء الصين لحماية الوحدة القومية الصينية والإستقرار الإجتماعي وأيضا أصبحت تعد نافذة مفتوحة لطلاب العلم الإجتماعي للتعرف على التقاليد والعادات والصفات الحميدة التي تجمع الأمة الصينية دائما وأبدا ولا تفرقها بإذن الله تعالى ووحدة شعبها وحكمة قيادتها العظيمة وقوة جيشها الكبير وسماحة صدرها المبني على التقوى والعدل بين الجميع.
* باحــــــــث وكاتـــــــب أردنــــــــــــــي/ وعضو في الاتحاد الدولي للصحفيين والاعلاميين والكتاب العرب حلفاء الصين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.