موقع متخصص بالشؤون الصينية

«الحلم الصيني» الذي يقلق العالم ولم ينتبه له العالم العربي بعد

0

11

كتاب «فن الحرب» للعسكري والمخطط الصيني سون تزو، يستمر مرجعا في مختلف المدارس العسكرية الغربية، خاصة في الولايات المتحدة.وهو كتاب يقدسه القادة العسكريون في بلاد العم سام وبريطانيا، ومن دون شك لا يحدث هذا في العالم العربي.
ورغم أنه يعود إلى القرن السادس قبل الميلاد، لم يتفوق عليه في العمق أي كتاب عسكري جديد، في وقت تطورت فيه مفاهيم الحرب وآلياتها من السيف والسهام إلى الطائرة النفاثة والصاروخ والغواصة والكليات الحربية الجديدة. وقول الأمريكيين بأهمية الكتاب ليس من باب مجاملة الصين، بل القدوة التي شكلها الكتاب لقادة عسكريين عالميين، وفي حروب متتالية منذ القدم وحتى عاصفة الصحراء ضد العراق. واعتاد صناع القرار الأمريكي، بل في الساحة الدولية القول بأنه لو كان الصينيون قد توارثوا بجدية قراءة الكتاب على نطاق واسع، لكان العالم صينيا بامتياز ومنذ قرون طويلة، وكان من الصعب تصور الهيمنة الأوروبية ولاحقا الأمريكية أو الغرب عموما على العالم، خلال الثلاثة قرون الأخيرة. وهذه النتيجة الفكرية سيتقاسمها من دون شك كل قارئ للكتاب، وهو متوفر بمختلف اللغات ومنها العربية وبالمجان في شبكة الإنترنت.
وتعمل الصين حاليا على تعزيز فكر هذا الكتاب في صفوف مؤسستها العسكرية، يحدث هذا في وقت بدأ العالم يتغير من القطب الأحادي، الذي هيمنت عليه الولايات المتحدة، إلى عالم متعدد الأقطاب عالميا وإقليميا، من عناوينه البارزة بزوغ الصين كقوة يحسب لها ألف حساب، بل يجري الحديث عن أن القرن الواحد والعشرين سيكون «قرنا صينيا»، كما كان القرن العشرون أمريكيا. وإذا أضفنا إلى إحياء فكر كتاب «فن الحرب» في الصين الحالية كتابا آخر اسمه «الحلم الصيني» لمؤلفه العسكري السابق ليو مينغ فيو، فوقتها العملية الحسابية لطروحات التطور والاعتزاز القومي والرؤية للعالم بمنظار صيني ستصبح ذات صبغة علمية تقارب الرياضيات، أي التفوق الصيني المقبل.
كتاب «الحلم الصيني» لا يقل أهمية عن الكتب الاستراتيجية التي صدرت خلال العقود الأخيرة، ومنها «صراع الحضارات» لصامويل هنتنغتون، أو «عودة التاريخ» ونهاية الأحلام» لروبر كاغان، بل قد يكون أكثر أهمية منها بسبب براغماتية أفكاره القائمة على الغوص في التاريخ القديم للصين للتبشير بضرورة تزعمها العالم في القرن الواحد والعشرين. ويمارس الكتاب تأثيره القوي على القادة السياسيين والعسكريين في بكين، الذين يحلمون باستعادة أمجاد الصين عندما ظلت لقرون ضمن القوى الكبرى في العالم، قبل بداية ضعفها ابتداء من القرن الثامن عشر. وتحول الرئيس الصيني الحالي شي جينبينغ إلى مترجم عملي لأهداف الصين الواردة في هذا الكتاب الى مستوى جعل عبارة «الحلم الصيني» عقيدة جديدة وسط نخبة وقادة البلاد، بل حتى المواطنين العاديين.
ويرى قادة الصين أن عبارة «الحلم الصيني» هي حلقة مهمة ضمن القفزة النوعية للبلاد، بعد المنجزات التي تحققت بفضل مشاريع سياسية وإصلاحية واجتماعية اختزلتها عبارات أخرى أهمها، عبارة «الإصلاح والانفتاح» التي آمن بها الرئيس الأسبق دينع كسيبينغ في الثمانينياث، ولاحقا «المجتمع المزدهر باعتدال» جيان زمينغ وبعدها فترة «المجتمع المتناغم» لهو جينتاو خلال السنوات الماضية، والآن «الحلم الصيني» مع الرئيس الحالي. وتخطط الصين الى جعل القرن الواحد والعشرين «صينيا» ابتداء من الأربعينيات، وسيكون المنعطف الذكرى المئوية الأولى لإعلان الجمهورية سنة 2049.
وتوجد تحديات كبرى أمام الصين نحو حلمها بسبب استمرار قوة الولايات المتحدة وجيران أقوياء مثل روسيا والقدرة التي تكتسبها الهند. لكن النهضة الجديدة للصين تقوم على ركائز مهمة للغاية، فقد استطاعت التحول الى القوة الاقتصادية والتجارية الأولى أو الثانية بعد الولايات المتحدة، حسب معايير المدرسة الاقتصادية المعتمدة. وارتباطا بهذا، فهي تسير نحو بناء أكبر طبقة متوسطة في تاريخ البشرية، ولا يمكن لأي نهضة أن تتم من دون طبقة متوسطة صلبة. في الوقت نفسه بدأت تتوفر على أعلى معدلات حصول الطلبة على شهادات الدكتوراه في الرياضيات والفيزياء والطب وعلم الاجتماع، وهذا ضروري لكل نهضة حضارية وكل مشروع زعامة سياسية على المستوى العالمي. وأخيرا التخطيط لبلوغ جيش قوي في مقام الجيش الأمريكي، وعمليا بدأت تحقق تقدما عسكريا مهولا في هذا الشأن. ولمعرفة القوة التي تكتسبها الصين عسكريا يبقى الموقع الرقمي «ذي دبلومات كوم» الياباني مهما في هذا الشأن. وهذه القفزة التي تحققها الصين وبدأت تجعل منها تقريبا سيدة القرار في المحيط الهادئ في ضفته الآسيوية، هي التي تخيف الولايات المتحدة وتقلقها وتدفع بواشنطن الى التركيز على تقوية حضورها في هذه المنطقة. وهذا ما جعل الرئيس الأمريكي باراك أوباما يؤكد في حوار له مع مجلة «ذي أتلانتيك» في مارس 2016 على بدء نهاية الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط والانتقال الى منطقة المحيط الهادئ، وبالتالي تراجع أهمية العرب في الأجندة الأمريكية (انظر مقالنا في «القدس العربي» بتاريخ 14 مارس 2014 بعنوان: «أوباما للعرب: أصبحتم غير مهمين في الأجندة الأمريكية الجديدة»). تحدث كل هذه التطورات بينما يغيب اهتمام حقيقي بالصين في العالم العربي، رغم وعي الكثير من المثقفين والخبراء بأهمية هذا البلد خلال القرن الواحد والعشرين، وكيف أصبحت منتوجاته حاضرة في كل منزل عربي وقراراته السياسية تمس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة كل القرارات الكبرى التي تهم العالم العربي، خاصة في الأمم المتحدة.
غياب وعي عربي عميق بالصين يتجلى في استمرار رؤية بكين بمنظار غربي، فالباحث يلجأ الى التقارير الغربية لمعرفة الصين، رغم أن جامعاتها ومراكزها الخاصة بالتفكير الاستراتيجي مفتوحة للجميع. والمستثمر يلجأ الى وكالات التصنيف والبنوك الغربية لاتخاذ قرار الاستثمار في الصين علما بأن الطائرة من دبي أو الدوحة أو الرياض هي أقرب الى بكين من طائرة نيويورك أو لندن نحو العاصمة الصينية. والإعلامي يلجأ الى وكالات وجرائد الغرب للكتابة عن الصين رغم وجود وسائل إعلام من قنوات ووكالات ونشرات بلغات مختلفة ومنها العربية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.